فوائد من كتاب ذم الدنيا 3
عن محمد بن سوقة قال : أمران لو لم نعذب إلا بهما كنا مستحقين بهما لعذاب الله : أحدنا يزاد الشيء من الدنيا فيفرح فرحا ما علم الله أنه فرحه بشيء زاده قط في دينه وينقص الشيء من الدنيا فيحزن عليه حزنا ما علم الله أنه حزنه على شيء نقصه قط في دينه.
عن يحيى بن سليم قال : قال لي عمر بن محمد بن المنكدر : أرأيت لو أن رجلا صام الدهر لا يفطر وقام الليل لا يفتر وتصدق بماله وجاهد في سبيل الله عز و جل واجتنب محارم الله عز و جل غير أنه يؤتى يوم القيامة على رؤوس الخلائق في ذاك الجمع الأعظم بين يدي رب العالمين فيقال : ها إن هذاعظم في عينه ما صغر الله وصغر في عينه ما عظم الله كيف ترى يكون حاله ؟ فمن منا ليس هذا هكذا الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من الذنوب والخطايا .
قال الفضيل : رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة .
قال أبو الدرداء : لا تزال نفس ابن آدم شابة في حب الدنيا والدرهم ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة وقليل ما هم .
قال أبو حازم : اشتدت مؤونة الدنيا ومؤونة الآخرة فأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد لها أعوانا وأما مؤونة الدنيا فإنك لا تضرب بيدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه .
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول في دعائه : اللهم إنك جعلت الدنيا فتنة ونكالا فاجعل حظي من جميعها ونصيبي من قسمها وشوقي من سلطانها سلوا عنها وعملا بما ترضى به عني .
نظر رجل من العرب إلى أخيه وحرصه على الدنيا فقال : أي أخي أنت طالب ومطلوب يطلبك ما لا تفوته وتطلب ما قد كفتيه فكان ما غاب عنك قد كشف لك وما أنت فيه قد نقلت عنه أي أخي كأنك لم تر حريصا محروما ولا زاهدا مرزوقا .
وعظ رجل من العرب ابنا له فقال :يا بني إن الدنيا تسعى على من يسعى لها ويسعى معها فالهرب منها قبل العطب فيها فقد والله آذنتك ببين وانطوت لك على خنن .
دخل ابن السماك على هارون فقال : عظني وأوجز فقال : ما أعجب يا أمير المؤمنين ما نحن فيه كيف غلب علينا وأعجب ما نصير إليه كيف غفلنا عنه عجب لصغير حقير إلى الفناء يصير غلب على كثير طويل دائم غير زائل .
قال ابن السماك : إن الدنيا من أولها إلى آخرها قليل وإن الذي بقي منها في جنب الذي مضى قليل وإنما لك منها قليل ولم يبق من قليلك إلا قليل وقد أصبحت في دار الشراء ودار الفداء وغدا تصير إلى دار الجزاء ودار البقاء فاشتر اليوم نفسك وفادها بكل جهدك لعلك أن تخلص من عذاب ربك .
قال ابن السماك :إن الذي يخاف من شر الدنيا أعظم من الشر الذي نحن فيه منها وإنما يوضح شر الدنيا عند الفراق لها إن صرنا إلى الهلاك بها .
مر على عبد الله بن عمر براذين عبد الله بن الزبير بمنى وهي تروث الشعير فقال : أما إن المعاد لو دان واحدا ما غلبونا على الدنيا كأنه يعزي نفسه .
عن سفيان قال : إن لم تدعوا الدنيا رغبة في الآخرة فاتركوها اتقاء أن تكون مبارة ومبارك أكثرها فيها منكم . وعنه : إذا أردت أن تعرف قدر الدنيا فانظر عند من هي .
قال فرقد السبخي : خدعتكم الدنيا وأبطرتكم أما والله لتدعنها غير محمودين ولا معروف لكم ذلك . قال إبراهيم بن أدهم : إنما زهد الزاهدون في الدنيا اتقاء أن يشاركوا الحمقى والجهال في جهلهم
قال عيسى بن مريم : طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا حتى يقتله , وقال: يا معشر الحواريين ازهدوا في الدنيا تمشوا فيها بلا هم
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن أن عظني وأوجز فكتب إليه الحسن :أما بعد : فإن رأس ما هو مصلحك ومصلح به على يديك : الزهد في الدنيا وإنما باليقين واليقين بالتفكر والتفكر بالاعتبار فإذا أنت فكرت في الدنيا لم تجدها أهلا أن تبيع بها نفسك ووجدت نفسك أهلا أن تكرمها بهوان الدنيا فإنما الدنيا دار بلاء ومنزل غفلة .
قال أبو المغيرة البصري : لو أن عبدا شغل نفثة من نفثاته فأصاب بتلك النفثة الدنيا بما فيها كان هو المغبون في حاضرة القيامة .
قال أبو هاشم : كانوا وإن كانت الدنيا في أيديهم كانوا فيها لله خزانا لم ينفقوها في شهواتهم ولا لذاتهم كانوا إذا ورد عليهم حق من حقوق الله أمضوها فيه .
قال بعض الحكماء : كل شيء فاتك من الدنيا غنيمة . قال العمري عبد الله بن عبد العزيز :الزهد : الرضا .
عن يزيد بن ميسرة قال : كان أشياخنا يسمون الدنيا خنزيرة ولو وجدوا لها اسما شرا منه سموها به وكانوا إذا أقبلت إلى أحدهم دنيا قالوا : إليك إليك يا خنزيرة لا حاجة لنا بك إنا نعرف إلهنا .
قال خالد بن صفوان : بت أفكر فكسبت البحر الأخضر بالذهب الأحمر ثم نظرت فإذا الذي يكفيني من ذلك رغيفان وطمران . وزاد غيره : فلما تدبرت أمري إذا أمنيتي أمنية أحمق .
قال الحسن :من أحب الدنيا حرصا وسرته خرج خوف الآخرة من قلبه ومن ازداد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله عز و جل إلا بعدا ولم يزدد من الله إلا بغضا .
قال أبو هريرة : الدنيا موقوفة ما بين السماء والأرض كالشن البالي تنادي بهذا منذ يوم خلقها إلى يوم فنائها : يا رب لم تبغضني ؟ يا رب لم تبغضني ؟ فيقول لها : اسكتي يا لا شيء اسكتي يا لا شيء .
كان المسيح عليه السلام يقول لأصحابه :بحق أقول لكم إن شركم عملا عالم يحب الدنيا ود لو أن الناس كلهم كانوا في عمله مثله ما أحب إلى عبيد الدنيا لو يجدون معذرة وما أبعدهم منها لو كانوا يعلمون .
عن عون بن عبد الله بن عتبة قال : كانوا يتواصون فيما بينهم بثلاثة أحرف يكتب بها بعضهم إلى بعض : من عمل لله كفاه الله الناس ومن عمل لآخرته كفاه الله دنياه ومن أصلح سريرته أصلح الله له علانيته .
قال أبو سليمان الداراني :الورع أول الزهد والقناعة أول الرضا . عن عمران القصير أنه قال : ألا صابر كريم لأيام قلائل حرام على قلوبكم أن تجد طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا .
عن أبي السحماء قال : بينا أنا أسير بين الإسكندرية والفسطاط إذا برجل على فرس فقال : يا أبا السحماء ما تعدون الزهد فيكم ؟ قال : قلت : ترك هذا الحطام قال : لا ولكن هو ان يتواجد الرجل في المكان الذي يرجو أن يراه الله فيه فيرحمه .
عن وهب قال : قرأت في كتاب شعيا أنه قيل ليونس بن متى :يا يونس إذا أحب العالم الدنيا نزعت لذة مناجاتي من قلبه .
عن داود بن هلال النصيبي قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام :ويلكم علماء السوء من أجل دنيا دنية وشهوة رزية تفرطون في ملك الجنة وتنسون هول يوم القيامة .
عن دويد بن نافع قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام : تعملون لدنيا صغيرة وتتركون الآخرة الكبيرة وعلى كلكم يمر الموت . عن الحسن قال : والله ما أصبح في الدنيا ما يغر ذا قلب وكلكم ذو قلب ولكن ما يغر ذا قلب حي .
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : الخاسر من عمر دنياه بخراب آخرته والخاسر من استصلح معاشه بفساد دينه والمغبون حظا من رضي بالدنيا من الآخرة فإنه قال لقوم : { إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها } [ يونس : 7 ] .
قال خالد بن يزيد بن معاوية : ابن آدم لا يلهك أهل إنما أنت فيهم ضعيف غير أهل لا تزايلهم ولا تلهينك مساكن إنما أنت فيهم عمرى عن مساكن أنت مخلد فيها أبدا ابن آدم إنك إنما تسكن يوم القيامة في بيت اليوم وتنزل يومئذ على ما نقلت في حياتك من متاعك .
عن أحمد بن أبي الحواري قال : قال لي أبو عبد الله الناجي : تدري أي شيء قلت البارحة يا أحمد ؟ قلت : إنه قبيح بعبد ضعيف مثلي يعلم عظيما مثلك ما لا يعلم إنك تعلم إني لو جعلت لي الدنيا كلها من أولها إلى آخرها حلالا لقذرتها ولم أردها .
عن داود بن هلال قال : أوحى الله إلى داود : ما لقلوب أحبائي وما للغم بالدنيا إن الغم بها يمص حلاوة مناجاتي من قلوبهم مصا داود لا تجعل بيني وبينك عالما قد أسكرته الدنيا فيحجبك بسكره عن محبتي أولئك قطاع طريق عبادي المريدين .
قال معدان : اعمل للدنيا على قدر مكثك فيها واعمل للآخرة على قدر مكثك فيها . ذكر سعيد بن أبي الحسن الدنيا فقال الحسن : يا سعيد سهوت حتى ذكرت الدنيا .
عن يوسف بن أسباط قال : قال لي زرعة : من كان صغير الدنيا في عينيه أعظم من كبير الآخرة كيف يرجو أن يصنع له في دنياه وآخرته .
قال بعض الحكماء : إنما نسلم من الدنيا فيها فمن أخذ منها لها خرج منه وحوسب عليه ومن أخذ منها لغيرها قدم عليه وأقام فيه .
كان من دعاء الحسين : اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة حتى اعرف صدق ذلك في قلبي بالزهد مني في دنياي اللهم ارزقني بصرا في أمر الآخرة حتى أطلب الحسنات شوقا وأفر من السيئات خوفا من ربي .
قال الحسن : لو لم تكن لنا ذنوب إلا حبنا الدنيا خشينا أن يعذبنا الله . وقال رجل لإخوانه : تعالوا حتى نستغفر الله من شيء لا يستغفر الناس منه حبنا للدنيا . وكان يقال : إنما ساء العمل من طول الأمل .
عن أبي عمران أخبرنا شيخ كان ينزل مصر قال : أوحى الله عز و جل إلى داود : لا تجعل بيني وبينك عالما قد سكن قلبه حب الدنيا إن أهون ما أعاقبهم به أن أنزع حب مناجاتي من قلوبهم .
قال الفضيل بن عياض : حزن الدنيا للدنيا يذهب بهم الآخرة وفرح الدنيا للدنيا يذهب بحلاوة العبادة قال الثوري : خير الدنيا لكم ما لم تبتلو به منها فإذا ابتليتم بها فخيرها لكم ما خرج من أيديكم منها .
عن الحسن قال : ابن آدم لا تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر معلق قطع حبالها وغلق أبوابها حسبك أيها المرء ما بلغك المحل حمقا تباهي بمالك وحمقا تباهي بولدك وأنت في غم الساعة هيهات هيهات ذهبت الدنيا لحال وبقيت الأعمال قلائد في أعناق بني آدم .
قال ابن السماك : كأن المعمور من هذه الدنيا قد ارتحل عنه وكأن المغفول من الآخرة قد أناخ بأهله فثم فضع الهموم .
عن سعيد بن عبد العزيز قال: أن عيسى عليه السلام نظر إلى إبليس فقال : هذا أركون الدنيا إليها خرج وإياها سأل لا أشركه في شيء منها ولا حجرا أضعه تحت راسي ولا أكثر فيها ضاحكا حتى أخرج منها .
عن إسماعيل بن أبي خالد قال : مر إبليس بعيسى بن مريم وهو متوسد حجرا فقال له : يا عيسى قد رضيت من الدنيا بهذا الحجر ؟ قال : فأخذ من تحت رأسه فقذف به إليه فقال : هذا لك مع الدنيا لا حاجة لي فيه .
قال عمير بن هانئ العنسي : قلت لابن عمر : كيف تقول فينا وفي هؤلاء ؟ قال : ما أنا لكم بحامد ولا لهم بغادر أنتم أصحاب دنيا تنافستموها بينكم تهافتون في النار تهافت الذباب في المرق قال : قلت : أرأيت ؟ قال : إن شئت قلت : أرأيت أرأيت ألك رحل ؟ انطلق إلى رحلك .
قال سلام بن أبي مطيع : الزهد على ثلاثة وجوه : واحد أن يخلص العمل لله عز و جل والقول ولا يراد بشيء منه الدنيا والثاني : ترك ما لا يصلح والعمل بما يصلح والثالث : الحلال أن تزهد فيه وهو تطوع وهو أدناها .
عن سلم بن بشير قال : إن الحواريين قالوا لعيسى عليه السلام : يا روح الله علمنا عملا واحدا يحببنا إلى الله عز و جل ؟ قال : ابغضوا الدنيا يحببكم الله .
عن مالك بن دينار قال : حب الدنيا رأس كل خطيئة والنساء حبالة الشيطان والخمر داعية كل شر . عن يوسف بن أسباط قال : من صبر على الأذى وترك الشهوات وأكل الخبز من حلاله فقد أخذ بأصل الزهد .
عن الحسن قال : ما بسطت الدنيا لأحد إلا اغترارا . قيل لرجل من قريش : ما الزهد ؟ قال : والله ما هو بالتقشف ولا بخشونة للمطعم ولكنه طلق النفس عن محبوب الشهوة .
سئل بعض الحكماء عن الزهد فقال : إن من أدنى الزهد أن يقعد أحدكم في منزله فإن كان قعوده لله وإلا خرج ويخرج فإن كان خروجه لله رضي وإلا رجع فإن كان رجوعه لله رضي وإلا ساح ويخرج درهمه فإن كان إخراجه لله رضي وإلا حبسه ويحبسه فإن كان حبسه لله رضي وإلا رمى به ويتكلم فإن كان كلامه لله رضي وإلا سكت ويسكت فإن كان سكوته لله رضي وإلا تكلم فقيل له : هذا صعب ؟ فقال : هذا الطريق إلى الله عز وحل وإلا فلا تتعبوا .
قال ابن السماك : الناس ثلاثة : زاهد وصابر وراغب فأما الزاهد فأصبح قد خرجت الأفراح والأحزان من صدره عن اتباع هذا الغرور فهو لا يفرح بشيء من الدنيا آتاه ولا يحزن على شيء من الدنيا فاته ولا يبالي على عسر أصبح أم على يسر فهذا المبرز في زهده وأما الصابر : فرجل يشتهي الدنيا بقلبه ويتمناها بنفسه فإذا ظفر بشيء منها ألجم نفسه عنها كراهة شتاتها وسوء عاقبتها فلو تطلع على ما في نفسه عجبت من نزاهته وعفته أما الراغب : فلا يبالي من أين أتته الدنيا ولا يبالي دنس فيها عرضه او وضع فيه حسبه أو جرح دينه فهؤلاء في غمرة يضطربون وهؤلاء أنتن من أن يذكروا .
عن قتادة قال : قال لي عمران بن حطان : إني لعالم بخلافك ولكن على ذلك أحفظ ثم أخذ بيدي فقال : ( حتى متى تسقي النفوس بكأسها ... ريب المنون وأنت لاه ترتع ) ( أحلام نوم أو ظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع ) ( فتزودن من قبل يومك زادا ... أم هل لغير لا أبا لك تجمع )
قال الحسن : طالبان يطلبان : فطالب الآخرة مدرك بما طلب لا فوت به عليه وطالب الدنيا عسى أن يصيب منها قليلا وما يفوته منها أكثر إن الدنيا لما فتحت على أهلها كلبوا والله أشد الكلب حتى عدى بعضهم على بعض بالسيف وحتى استحل بعضهم حرمة بعض فيا لهذا فسادا ما أكثره .
قال صالح المري : وكيف تقر بالدنيا عين من عرفها ؟ قال : ثم يبكي ويقول : خلف الماضين وبقية المتقدمين رحلوا أنفسكم عنها قبل الرحيل فكأن الأمر عن قريب قد نزل قال : ثم بكى .
سئل عبد الله بن المبارك : ما ينبغي للعالم أن يتكرم عنه ؟ قال : ينبغي للعالم أن يتكرم عما حرم الله عليه ويرفع نفسه عن الدنيا فلا تكون منه على بال .
سئل عبد الله قيل : ما ينبغي أن نجعل عظيم شكرنا له ؟ قال : زيادة آخرتكم ونقصان دنياكم وذلك أن زيادة آخرتكم لا تكون إلا بنقصان دنياكم وزيادة دنياكم لا تكون إلا بنقصان آخرتكم .
عن ابن أبي الحواري قال : قلت لأبي صفوان الرعيني بمكة وكان سفيان بن عيينة يجيء فيسلم عليه ويقف عليه ما الدنيا التي ذمها الله عز و جل في القرآن التي ينبغي للعاقل أن يجتنبها ؟قال : كل ما أصبت من الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم وكل ما أصبت فيها تريد به الآخرة فليس منها .
عن إبراهيم قال : كانوا يطلبون الدنيا فإذا بلغوا الأربعين طلبوا الآخرة فحدثت به المعافى بن عمران فأعجبه قلت له : يا أبا عبد الرحمن بأي شيء طلب الآخرة بعد الأربعين ؟ قال : قوت يوم بيوم .
عن أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت مؤدبا لأهل البصرة يقال له أبو غسان وجاءه شاب فقال : يا أبا غسان قال : إليك يا حبيبي قال : متى ترتحل الدنيا من القلب ؟ قال : إذا وقعت العزيمة رحلت الدنيا من القلب وردج القلب في ملكوت السماء وإذا لم تقع اضطرب القلب ورجع إلى الدنيا
قيل لبعض العلماء : أي شيء أجده أدفع للفاقة ؟ قال : الزهد قيل : وما الزهد ؟ قال : العلم ثم يفرق ما بين الدنيا والآخرة ثم طلب الرفيع بالخسيس قيل : فأيهما أجدى ؟ قال : ترك إعمال الفكر في شيء من الدنيا .
عن زكريا بن عدي قال : قال عيسى بن مريم : يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا .
عن وهب بن منبه قال : من فرح من قلبه بشيء من الدنيا فقد أخطأ الحكمة ومن جعل شهوته تحت قدميه يفرق شيطانه من ظله ومن غلب عليه هواه فهو الغالب .
سمع أنس بن مالك رجلا يقول : أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة ؟ قال : أولئك أهل بدر . قال بعض الحكماء : الزهد فيما يشغلك عن الله عز و جل وقال بعضهم : الزهد ترك الشهوات .
قال مالك بن دينار : يقولون : مالك زاهد مالك زاهد أي زهد عند مالك و لمالك جبة وكساء وإنما الزاهدون عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها .
قال بعض الحكماء : المرء في الدنيا على أكبر خطر إما نعمة زائلة وإما بلية نازلة وإما مصيبة جارية وإما منية قاضية فلقد كدرت عليه المعيشة إن غفل هو من النعماء على خطر ومن البلايا على حذر ومن المنايا على يقين.
عن وهب بن منبه قال : ثلاث من مناقب الكفر : الغفلة عن الله عز و جل وحب الدنيا والطيرة . قيل لبعض الحكماء : من أبعد الناس همة وأصدقهم نية ؟ قال : من استغرق الدنيا طرفه وعطف إلى طلب الجنة شغله .
عن العباس بن الفضل البجلي قال : أكثر قوم ذم الدنيا عند رابعة فقالت : أقلوا من ذم الدنيا فإنه من أحب شيئا أكثر ذكره .
عن الحسن قال : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة . قال أيوب :إن زهد رجل فلا يجعلن زهده عذابا على الناس .
عن جعفر بن سليمان قال : هم الدنيا ظلمة في القلب وهم الآخرة نور في القلب . قال بعض الحكماء : الدنيا تبغض إلينا نفسها ونحن نحبها ! ! فكيف لو تحببت إلينا .
قال بعض الحكماء : للدنيا أمثال تضربها الأيام للأنام وعلم الزمان لا يحتاج إلى ترجمان ويحب الدنيا من صمت أسماع القلوب عن المواعظ وما أحث السباق لو شعر الخلائق .
قال أبو سليمان : لو أن رجلا دخل عل ملك من ملوك الدنيا فقال : سلني فقال : أسألك جزرة بقل أكان حازما ؟ ! ! فوالله للدنيا أهون على الله عز و جل من جزرة البقل على الملك .
قال وهب بن منبه : رأينا ورقة تهفو بها الريح فأخذناها فإذا فيها مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم دار لا يسلم منها من فيها ما أخذ أهلها منها لها خرجوا منه ثم حوسبوا به وما أخذ أهلها منها لغيرها خرجوا منه ثم أقاموا به وكأن قوما من أهل الدنيا ليسوا من أهلها كانوا فيها كمن ليس فيها عملوا فيها بما يبصرون وبادروا فيها ما يحذرون تنقلب أجسادهم بين ظهراني أهل الدنيا وتنقلب قلوبهم بين ظهراني أهل الآخرة يرون أهل الدنيا يعظمون وهم أشد تعظيما لموت قلوبهم قال : فسألت عن هذا الكلام فلم أجد أحدا يعرفه ! !
قيل لبعض الحكماء : ما الدنيا ؟ قال : تريدون المذمومة على ألسن الأنبياء الحكماء ؟ قالوا : نعم قال : المعصية قيل : فأي الزهاد أفضل ؟ قال : أقلهم حظا من الدنيا قيل : متى يصفو توكل الزاهد ؟ قال : إذا لم يلزمه منه مخلوق .
قال بعض الحكماء : ما فرحت يا ابن آدم بما يفنى إلا بعد نسيانك ما يبقى ولا ركنت إلى زينة الدنيا إلا بتركك نصيبك من جنة المأوى ولا متعت نفسك بمواعيد المنى إلا بعد ما عانقت هذه الدنيا ولا تتوقت في تسمين بدنك حتى نسيت دراجك في كفنك .
قيل لبعض الحكماء : من أعرف الناس بعيوب الدنيا ؟قال : أكثرهم للموت ذكرا قيل : فلم نكره الموت ؟ قال : لإيثاركم الدنيا قيل : متى يحكم على العبد بالغفلة ؟ قال : إذا ركن إلى الدنيا قيل : متى يذهب منا الحكمة والعلم ؟ قال : إذا طلب بهما الدنيا قيل : ما الذي يمنع من طلب الآخرة ؟ قال : حب الدنيا قيل : ما علامة ترك الدنيا ؟ قال : طلب الآخرة قيل : الدنيا لمن هي ؟ قال : لمن تركها قيل : الآخرة لمن هي ؟ قال : لمن طلبها .
قال بعض الحكماء : الدنيا دار خراب وأخرب منها قلب من يعمرها والجنة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها . قال سليمان التيمي : اللهم إنك تعلم أني لا أريد من الدنيا شيئا فلا ترزقني منها شيئا .
عن إسحاق بن عباد قال : قال لي بعض الحكماء : أضرب لك مثل هذا الخلق : مثل قوم اتخذوا الدنيا دار إقامة واتخذوا الآخرة لهوا وغرورا ثم قال : اضرب بيدك ما شئت من هذا الخلق إذا نصحته في أمر دينه اتخذك عدوا .
عن إسحاق بن عبد الله قال : ترك الفدى أرى الناس قد اتخذوا الدنيا رأس مال وعدوا ما جاءهم من الآخرة ربحا وقد عزمت على أن أجعل الآخرة رأس مالي وأعد ما جاءني منها ربحا قال : ففعل ذلك.
قال أبو سليمان يقول : الدنيا تطلب الهارب منها وتهرب من الطالب لها فإن أدركت الهارب منها جرحته وإن أدركت الطالب لها قتلته .
قال حسين بن أبي عبد الله : كنا عند حجاج الخراساني بمكة ندعو وكان معنا رجل مكثر فقال أبو الحجاج : اللهم لا ترزقنا دينارا ولا درهما فأمنا كلنا ما خلا الرجل المكثر .
قال أبو سليمان الداراني : ينبغي للعبد المعنى بنفسه أن يميت العاجلة الفانية الزائلة المنغصة بالآفات من قلبه ويذكر الموت وما بعده من الأهوال والخسران والندامة والوقوف بين يدي الله عز وجل وسؤاله إياه والممر على الصراط والنار فإنه يخف عليه التجافي عن دار الغرور .
قال بشر بن الحارث : من هوان الدنيا على الله عز و جل أن جعل بيته وعرا . قال الحسن : إن قوما أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب فأهينوها فأهنأ ما تكونون إذا أهنتموها .
قال أبو معاوية الأسود : الخلق كلهم يسعى في أقل من جناح ذبابة فقال له رجل وما أقل من جناح ذبابة ؟ قال : الدنيا .
قال أبو خالد الصوري وكان من أطول الناس صمتا يقول : اللهم أخرجني من جوار إبليس إلى جوارك .
عن الحسن قال : لا يكون الرجل زاهدا في الدنيا حتى لا يجزع من ذلها ولا ينافس أهلها فيها . عن أبي سعيد مولى ابن عامر قال : قال داود عليه السلام : الدنيا غرارة ترفل بالمطمئن وتفجع الآمن .
عن عبادة أبو مروان قال : أوحى الله عز و جل إلى موسى عليه السلام : يا موسى ما لك ولدار الظالمين إنها ليست لك بدار أخرج منها همك وفارقها بعقلك فبئست الدار هي إلا لعامل يعمل فيها فنعمت الدار له يا موسى إني مرصد للظالم حتى أديل منه المظلوم .
عن هارون بن زيد قال : سئل الحسن عن قوله عز و جل { ثمنا قليلا } [ البقرة : 41 ] ما الثمن القليل ؟ قال : الدنيا بحذافيرها .