كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله
كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله
اعلم أن القضاء من الله (تعالى) بالمكان الذي ليس فوقه شيء من الأمور؛ لأنه ميزان الله الذي تعدل عليه أحوال الناس في الأرض. وبإقامة العدل في القضاء والعمل تصلح أحوال الرعية، وتُؤمن السبل، ويَنتصف المظلومُ، وتأخذ الناس حقوقهم، وتحسن المعيشة، ويُؤدَى حق الطاعة، ويَرزق الله العافية والسلامة، ويُقيم الدينَ، ويُجْرِي السننَ والشرائعَ في مجاريها.
واشتد في أمر الله (عز وجل)، وتورع عن النَّطَف، وامضِ لإقامة الحدود، وأقلل العجلة، وابعد عن الضجر والقلق، واقنع بالقسم، وانتفع بتجرِبتك، وانتبه في صحتك، واسدُد في منطقك، وأَنْصِف الخصم، وقف عند الشبهة، وأَبْلِغ في الحجة، ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم، وتَثَبَّتْ وَتَأَنَّ وراقب وانظر وتفكر وتدبر واعتبر، وتواضع لربك، وارفق بجميع الرعية، وسلط الحق على نفسك، ولا تسرعن إلى سفك دم، فإن الدماء من الله (عز وجل) ولأهل الكفر من معاديهم ذُلاً وصَغَارًا، فوزعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم، ولا تدفعن شيئًا منه عن شريف لشرفه، ولا عن غني لغناه، ولا عن كاتب لك، ولا عن أحد من خاصتك ولا حاشيتك، ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له.
ولا تكلف أمرًا فيه شطط. واحمل الناس كلَّهم على أمر الحق؛ فإن ذلك أجمع لألفتهم وألزم لرضاء العامة.