(وظائف شهر رمضان المعظم) فوائد من كتاب لطائف المعارف للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله
في فضل الصيام
في الحديث: (إن الله ليرضى عن عبده أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها) وربما استجيب دعاؤه عند ذلك كما جاء في الحديث المرفوع الذي خرجه ابن ماجه: (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد، وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابا على ذلك، كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوّي على العمل كان نومه عبادة).
في فضل الصيام
خلوف أفواه الصائمين له أطيب من ريح المسك، عري المحرمين لزيارة بيته أجمل من لباس الحلل، نوح المذنبين على أنفسهم من خشيته أفضل من التسبيح، انكسار المخبتين لعظمته هو الجبر، ذل الخائفين من سطوته هو العز، تهتك المحبين في محبته أحسن من الستر، بذل النفوس للقتل في سبيله هو الحياة، جوع الصائمين لأجله هو الشبع، عطشهم في طلب مرضاته هو الريّ، نصب المجتهدين في خدمته هو الراحة.
في فضل الصيام
يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي، يا شموس التقوى والإيمان اطلعي، يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي، يا قلوب الصائمين اخشعي، يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك واركعي، يا عيون المجتهدين لا تهجعي، يا ذنوب التائبين لا ترجعي، يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوس أقلعي، يا بروق العشاق للعشاق المعي، يا خواطر العارفين ارتعي، يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي،، {يا قومنا أجيبوا داعي الله} ويا همم المؤمنين اسرعي، فطوبى لمن أجاب فأصاب.
في فضل الجود في رمضان وتلاوة القرآن
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيﷺ أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) وخرجه الإمام أحمد بزيادة في آخره وهي: (لا يسأل عن شيء إلا أعطاه) والجود: هو سعة العطاء وكثرته والله تعالى يوصف بالجود.
فــــــرصة
في الأثر المشهور عن فضيل بن عياض: أن الله تعالى يقول كل ليلة: أنا الجواد ومني الجود أنا الكريم ومني الكرم. فالله سبحانه وتعالى أجود الأجودين، وجوده يتضاعف في أوقات خاصة كشهر رمضان وفيه أنزل قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} وفي الحديث الذي اخرجه الترمذي وغيره: (أنه ينادي فيه مناديا يا باغي الخير هلم ويا باغي الشرّ أقصر) ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة.
فــــــرصة
وكان جوده ﷺ يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، وكان كله لله وفي ابتغاء مرضاته، فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج أو ينفقه في سبيل الله أو يتألف به على الإسلام من يقوي الإسلام بإسلامه، وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء.
فــــــرصة
وفي تضاعف جوده ﷺ في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، وفي الترمذي عن أنس مرفوعا: (أفضل الصدقة صدقة رمضان).
ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، عن النبي ﷺ قال: (من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء).
ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قالﷺ: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وخصوصا إن ضم إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: (الصيام جُنة).
فــــــرصة
في حديث ابن عباس أن المدارسة بينهﷺ وبين جبريل كان ليلا يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}.
فــــــرصة
كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث، وكان قتادة يختم في كل سبع دائما، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة. وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة.
فــــــرصة
في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه، قال: (من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر، فمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد، فبصرت عيناي رسول الله ﷺ على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين).
فــــــرصة
للإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيﷺ قال: (أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطه أمة قبلهم، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى، ويصيروا إليك وتصفد مردة الشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره يغفر لهم في آخر ليلة. قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله).
فــــــرصة
عباد الله! هذا شهر رمضان قد انتصف، فمن منكم حاسب نفسه فيه لله وانتصف، من منكم قام في هذا الشهر بحقه الذي عرف، من منكم عزم قبل غلق أبواب الجنة أن يبني له فيها غرفا من فوقها غرف؟ ألا إن شهركم قد أخذ في النقص. فزيدوا أنتم في العمل فكأنكم به، وقد انصرف فكل شهر فعسى أن يكون منه خلف، وأما شهر رمضان فمن أين لكم منه خلف؟!
فــــــرصة
واختلف في ليلة القدر والحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة: إن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينون دارهم بالفرش والبسط، ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة، فإذا كانت ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض، لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات بالصوم والصلاة في ليالي رمضان، ومساجدهم بالقناديل والمصابيح، فيقول الرب تعالى: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} الآية. فقلت لكم: {إني أعلم ما لا تعلمون} اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أني اخترتهم على علم على العالمين.
فــــــرصة
رجحت طائفة ليلة سبع وعشرين -ليلة القدر- وحكاه الثوري عن أهل الكوفة، وقال نحن نقول: هي ليلة سبع وعشرين لما جاءنا عن أبيّ بن كعب. وكان أبيّ يحلف على ذلك ويقول بالآية أو بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله ﷺ أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها، وروي بلفظ آخر عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله ﷺ بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين.
فــــــرصة
قال ابن عباس رضي الله عنهما دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد ﷺ فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس: فقلت لعمر رضي الله عنه: إني لأعلم أو إني لأظن أي ليلة هي؟ قال عمر رضي الله عنه: وأي ليلة هي؟: قلت: سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر رضي الله عنه: ومن أين علمت ذلك؟ قال: فقلت: إن الله خلق سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام وإن الدهر يدور على سبع وخلق الله الإنسان في سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف بالبيت سبع ورمي الجمار سبع لا يشاء ذكرها فقال عمر رضي الله عنه: لقد فطنت لأمر ما فطنا له.
فــــــرصة
قالت عائشة رضي الله عنها للنبيﷺ: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) العفو من أسماء الله تعالى، وهو يتجاوز عن سيئات عباده الماحي لأثارهم عنهم، وهو يحب العفو فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه.
فــــــرصة
عن ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس يقولون: يا أمة محمد أخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره، فيقول: إني أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي انصرفوا مغفورا لكم).
فــــــرصة
شهر رمضان تكثر فيه أسباب الغفران، فمن أسباب المغفرة فيه صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر فيه كما سبق.
ومنها: تفطير الصوام والتخفيف عن المملوك وهما مذكوران في حديث سلمان المرفوع.
ومنها: الذكر وفي حديث مرفوع: (ذاكر الله في رمضان مغفور له).
ومنها: الاستغفار والاستغفار طلب المغفرة، ودعاء الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره، ولهذا كان ابن عمر إذا أفطر يقول: اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع في فضل شهر رمضان: ويغفر فيه إلا لمن أبى قالوا: يا أبا هريرة ومن يأبى؟ قال: يأبى أن يستغفر الله.
ومنها: استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا، وقد تقدم ذكره. فلما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته المغفرة فيه محروما غاية الحرمان.
فــــــرصة
قال عمر بن عبد العزيز في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وقولوا كما قال نوح عليه السلام: {وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} وقولوا كما قال موسى عليه السلام: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} وقولوا كما قال ذوالنون عليه السلام: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.
فــــــرصة
أين حرق المجتهدين في نهاره! أين قلق المجتهدين في أسحاره! فكيف حال من خسر في أيامه ولياليه! ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه! وقد عظمت فيه مصيبته، وجل عزاؤه، كم نصح المسكين فما قبل النصح! كم دعي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح! كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد! كم مرت به زمر السائرين وهو قاعد حتى إذا ضاق به الوقت وخاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم.