بعض المسائل المتعلقة بالأضحية
بعض المسائل المتعلقة بالأضحية
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أربع لا تجوز في الأضاحي - وفي رواية: لا تجزيء - العوراء البين عَورُها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظَلَعُها، والكسيرة التي لا تُنْقِي) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، وقال الترمذعن أنس رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووضع رجله على صِفَاحِهِمَا) أخرجه البخاري ومسلم.
* * *
الحديث دليل على مسائل تتعلق بالأضحية، نوجز أهمها فيما يلي:
1 - أن الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء، لأنه { وأصحابه كانوا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما تخصيصها بالأموات دون الأحياء، كما يفعله بعض الناس فلا أصل له، إلا إن كانت وصية فإنها تنفذ، والسنة أن يضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته ويُشْرِكُ معه من شاء من الأموات في ثوابها، وفضل الله واسع.
2 - أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى، لأنه { ضحى بكبشين، لأن لحمه أطيب، مع جواز التضحية بالأنثى بالإجماع.
3 - استحباب التضحية بالأقرن، وأنه أفضل من الأجم - وهو ما لا قرن هل - مع جواز التضحية بالأجم اتفاقاً، وهو ما لا قرن له.
4 - مشروعية استحسان الأضحية صفةً ولوناً، وذلك بأن تكون سمينة حسنة، وأحسنها الأملح، والمراد به: الأبيض الخالص البياض، أو ما بياضه أكثر من سواده، وهذا من تعظيم شعائر الله تعالى، قال تعالى: { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج/32] وقال تعالى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ }[الحج/36] فتعظيم البدن من تعظيم شعائر الله، قال ابن عباس: (الاستسمان، والاستحسان، والاستعظام).
5 - استحباب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، لأن الذبح قربة، قال البخاري: (أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهم) فإن لم يحسن استناب مسلماً عالماً بشروط الذبح، وحضر ذبحها، لأن النبي استناب علياً في ذبح ما بقي من بُدْنِهِ في حجة الوداع.
6 - أن من أراد أن يضحي بعدد فالأفضل ذبحها في يوم العيد، والتفريق في أيام النحر جائز، وفيه نفع للمساكين، ويستمر الذبح إلى آخر الثالث عشر على الراجح من قولي أهل العم.
7 - مشروعية التسمية والتكبير عند ذبح الأضحية، فيقول: (بسم الله، والله أكبر) أما التسمية فواجبة، وأما التكبير فمستحب، ولا يسن الزيادة على ذلك لعدم وروده، إلا الدعاء بالقبول، ولا تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع، لأنه غير لائق في هذا المقام.
ولابد أن تكون التسمية عند الذبح فلو وقع فاصل طويل أعادها، إلا إذا كان الفصل لتهيئة الذبيحة وأخذ السكين، والمعتبر أن تكون التسمية على ما أراد ذبحه، فلو سمى على شاة ثم تركها إلى غيرها أعاد التسمية، وأما تغيير الآلة فلا يؤثر على التسمية.
اللهم تقبل طاعاتنا، وتجاوز عن تقصيرنا، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وعملاً متقبلاً، ورزقاً طيباً، اللهم أجب دعاءنا، وحَقِّقْ رجاءنا، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
ي: حديث حسن صحيح..
* * *
الحديث دليل على أن هذه العيوب الأربعة مانعة من صحة الأضحية، وبقاس عليها غيرها مما هو أشد منها أو مساوياً لها.
الأولى: العوراء البين عورها: وهي التي انخسفت عينها أو برزت، فإن كان على عينها بياض ولم تذهب جازت التضحية بها، لأن عورها غير بين، ويلحق بالعوراء العمياء من باب أولى، فإنها لا تجزيء وإن لم تنخسف عينها، لأن العمى يمنع مشيها مع رفيقاتها ويمنعها من المشاركة في العلف.
الثانية: المريضة البين مرضها: وهي التي ظهرت عليها آثار المرض الذي يُقْعِدُهَا عن الرعي مما يسبب لها الهزال، ومن ذلك الجَرَبُ الظاهر، لأنه يفسد اللحم والشحم.
الثالثة: العرجاء البين ظَلَعُهَا: أي عَرَجُهُا، والضَّلَعُ بفتح الظاء واللام هو الغَمْزُ، فالعرجاء هي التي تَغْمِزُ في يدها أو رجلها خلقة أو لعلة طارئة، والبين عرجها هي التي تتخلف عن القطيع.
ويلحق بها الزَّمْنَى وهي العاجزة عن المشي لعاهة، لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها، وكذا مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين، لأنها أولى من العرجاء، ولأنها ناقصة في عضو مقصود.
الرابعة: الكسيرة التي لا تُنقي: أي لا نِقْيَ لها، والنِّقْيُ - بكسر النون وسكون القاف -: هو المخ، أي: التي لا مخ فيها لضعفها.
فإن كان العيب يسيراً فهو معفو عنه، كما لو كان في عينها نقطة يسيرة أو العرج يسيراً لا يؤدي بها إلى القعود عن القطيع فإنها تجزئ، وكذا المهزوله التي ليست غاية في الهزال.
وقد دل الحديث بمفهومه على أن ما عدا العيوب الأربعة وما في معناها لا يمنع الإجزاء، وذلك لأن الحديث خرج مخرج البيان والحصر، لأنه جواب سؤال، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعلان، لقول البراء: (قام فينا) ولو كان غير الأربعة مانعاً من الإجزاء للزم ذكره، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ولا يضر الكي ولا شق الأذن ولا خرقها ولا كسر القرن، لأن ذلك لا ينقص لحمها، ولأنه يكثر وجوده، والسليمة من ذلك أولى.
ولا تجوز التضحية بمقطوع الألية، لأن ذلك نقص بين في جزء مقصود، أما إذا كانت من نوعٍ لا ألية له بأصل الخلقة فإنها تجزئ.
اللهم أعذنا من أسباب المخالفة والعصيان، وارزقنا تحقيق الإيمان على الوجه الذي يرضيك عنا، واغفر لنا ما قدمنا وما أخرَّنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت أعلم به منا، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …