الأنساك الثلاثة
الأنساك الثلاثة
نقل ابن قدامة في " المغني " (5/ 82) إجماعَ أهل العلم على جواز الإحرام بأيِّ الأنساك الثلاثة شاء، وإنما الخلاف في الأفضل.
وأفضل الأنساك في حق مَن لم يَسقِ الهديَ، هو التمتع، وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يَحِلُّ منها، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن.
وأما مَن ساق الهدي، فالأفضل في حقه القِرانُ، وهو أن يحرم بالعمرة والحج معًا من الميقات، وهو نسك النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بالتمتع، وقال: (لولا أن معي الهدي لأحللتُ)، وفي لفظ: (ولولا هديي لحللت كما تَحِلُّون)؛ أخرجه البخاري (1651 - 7367) ومسلم (1216)، فإن أحرم بالقِران وليس معه هدي، جاز، لكن عليه هدي على أحد القولين لأهل العلم، قياسًا على المتمتع؛ لأنه في معناه.
ولا فرق في حكم التمتع والقِران بين أهل مكة وغيرهم من أهل الآفاق، إلا أن أهل مكة لا هدي عليهم؛ لكونهم حاضري المسجد الحرام، على أحد الأقوال، وهو أن الإشارة في قوله – تعالى -: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] راجعةٌ إلى الهدي والصوم.
أما مَن أحرم بالحج وحده - وهو المفرد - وكذا القارن الذي لم يسُق الهدي، فإنه يستحب في حقه أن يفسخه إلى عمرة، كما هو مذهب الإمام أحمد، وذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب الفسخ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بذلك.
فإن ضاق الوقت - كمن أحرم صبح يوم عرفة - فهذا يُحتمل أن يقال: بإمكان تمتعه، ويحتمل أن يقال: بأن يحرم مفردًا أو قارنًا، وهذا هو الأظهر؛ لأن صورة التمتع غير ظاهرة في حقه؛ لقوله – تعالى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]، وعلى هذا فيبقى على نسكه، ولا يشرع له الفسخ؛ لضيق الوقت، ولأن الإفراد أحد الأنساك الثلاثة، ولا سيما في حق مَن يفرد للعمرة سفرًا مستقلاًّ، والله تعالى أعلم.
والمتمتعة التي أحرمت بالعمرة إذا حاضت قبل الطواف، وخافت فوات الحج بأن لم تطهر حتى يوم عرفة؛ فإنها تحرم بالحج وتصير قارنة، وهكذا لو خشي غيرُها فواتَ الحج، أحرم وصار قارنًا؛ لفعل عائشة – رضي الله عنها.