من فوائد الصلاة القرب من الله
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
و لهذا تَعِدُ الملوك من أرضاهم بالأجر و التقريب ، كما قال السحرة لفرعون : { إنَّ لَنَا لأَجراً إن كُنَّا نحنُ الغالبينَ} [الشعراء:41] ، { قالَ نَعم و إنَّكم لَمنَ المُقرَّبين} [الأعراف : 114]. فوعدهم بالأجر و القرب ، و هو علو المنزلة عنده. فالأول : مَثَله مثل عبد دخل الدار ، دار الملك ، و لكن حيل بينه و بين رب الدار بسترٍ و حجاب ، فهو محجوب من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه بالنظر إلى صاحب الدار و النظر إليه ؛ لأنه محجوب بالشهوات ، و غيوم الهوى و دخان النَفس ، و بخار الأماني ، فالقلب منه بذلك و بغيره عليل ، و النفس مُكبَّة على ما نهواه ، طالبة لحظها العاجل. فلهذا لا يريد أحد من هؤلاء الصلاة إلا على إغماض ، و ليس له فيها راحة ، و لا رغبة و لا رهبة فهو في عذاب حتى يخرج منها إلى ما فيه قرة عينه من هواه و دنياه. و القسم الآخر :مَثَلُهُ كمثلِ رَجُلٍ دخَل دار الملك ، و رفع الستر بينه وبينه ، فقرَّت عينه بالنظر إلى الملك ، بقيامه في خدمته و طاعته ، و قد أتحفه الملك بأنواع التحف ، و أدناه و قربه ، فهو لا يحب الانصراف من بين يديه ، لما يجده من لذَّة القرب و قرة العين ، و إقبال الملك عليه ، و لذة مناجاة الملك ، و طيب كلامه ، و تذلُّله بين يديه ، فهو في مزيد مناجاة ، و التحف وافدة عليه مِن كلِّ جهة ، و مكتن و قد اطمأنت نفسه ، و خشع قلبه لربه و جوارحه ، فهو في سرورٍ و راحةٍ يعبد الله ، كأنه يراه ، و تجلَّى له في كلامه ، فأشد شيء عليه انصرافه مِن بين يديه ، و الله الموفق المُرشد المعين ، فهذه إشارة و نبذة يسيرة في ذوق الصلاة ، و سرّ من أسرارها و تجلٍّ من تجلياتها.