الشروع في بيان ثمرات الخشوع
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
و لما اطمأن قلبه بذكر الله، و كلامه، و محبته و عبوديته سكن إلى ربه، و قرب منه، و قرَّت به عينه فنال الأمان بإيمانه و نال السعادة بإحسانه، و كان قيامه بهذين الأمرين أمراً ضرورياً اه لا حياة له، و لا فلاح و لا سعادة إلا به. و لما كان ما بُلي به من النفس الأمارة، و الهوى المقتضي لمرادها و الطباع المطالبة، و الشيطان المغوي، يقتضون منه إضاعة حظه من ذلك، أو نقصانه، اقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم أن شَرَعَ له الصلاة مُخلِفة عليه ما ضاع عليه من ذلك، رادَّة عليه ما ذهب منه، مجددة له ما ذهب من عزمه و ما فقده، و ما أخلِقَ من إيمانه، و جعل بين كل صلاتين برزخا من الزمان حكمة و رحمة، ليُجمّ نفسه، و يمحو بها ما يكتسبه من الدرن، و جعل صورتها على صورة أفعاله، خشوعاً و خضوعاً و انقياداً و تسليماً و أعطى كل جارحة من جوارحه حظَّها من العبودية، و جعل ثمرتها و روحها إقباله على ربه فيها بكليته، و جعل ثوابها و محلها الدخول عليه تبارك و تعالى، و التزين للعرض عليه تذكيراً بالعرض الأكبر عليه يوم القيامة.