الكلام عن الوضوء
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فبالوضوء يتطَّهر من الأوساخ، و يُقدم على ربِّه متطهرا، و الوضوء له ظاهر و باطن: فظاهره: طهارة البدن، و أعضاء العبادة. و باطنه و سرّه: طهارة القلب من أوساخ الذنوب و المعاصي و أدرانه بالتوبة ؛ و لهذا يقرن تعالى بين التوبة و الطهارة في قوله تعالى: { إن الله يحب التَّوابين و يحب المتظهرين }[البقرة: 222] و شرع النبي صلى الله عليه و سلم للمتطهِّر أن يقول بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول: " اللهم اجعلني من التوّابين، و اجعلني من المتطهرين ". فكمَّل له مراتب العبدية و الطهارة، باطنا و ظاهرا، فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك، و بالتوبة يتطهر من الذنوب، و بالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة. فشرع له أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله عز و جل، و الوقوف بين يديه، فلما طهر ظاهرا و باطنا، أذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه و بذلك يخلص من الإباق. و بمجيئه إلى داره، و محل عبوديته يصير من جملة خدمه، و لهذا كان المجيء إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة الواجبة عند قوم و المستحبة عند آخرين.