أهل اليقظة و الغفلة و الخيانة
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فالأول: مثال أهل اليقظة، والاستعداد لما خلقوا له. و الثـاني: مثال أهل الخيانة. و الثـالث: مثال لأهل الغفلة. فالأول: إذا تحرّك أو سَكَن، أو قام أو قعد، أو أكل أو شرب، أو نام، أو لبس، أو نطق، أو سكت كان كلِّه له لا عليه، و كان في ذكر و طاعةٍ و قربة و مزيد. و الثاني: إذا فعل ذلك كان عليه لا له، و كان في طردٍ و إبعادٍ و خُسران. و الثـالث: إذا فعل ذلك كان في غفلة و بطالةٍ و تفريطٍ. فالأول: يتقلَّب فيما يتقلب فيه بحكم الطاعة و القربة. و الثاني: يتقلب في ذلك بحكم الخيانة و التعدِّي، فإن الله لم يملِّكه ما ملّكه ليستعين به على مخالفته، فهو جانٍ متعد خائن لله تعالى في نعمه عليه معاقبٌ على التنعُّم بها في غير طاعته. و الثالث: يتقلب في ذلك و يتناوله بحكم الغفلة و الهوى و نهمة النفس و طبعها، لم يتمتع بذلك ابتغاء رضوان الله تعالى و التقرب إليه، فهذا خسرانه بيَّن واضح، إذ عطّل أوقات عمره التي لا قيمة لها عن أفضل الأرباح و التجارات. فدعا الله عباده المؤمنين الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس، رحمة منه بهم، و هيأ لهم فيها أنواع العبادة ؛ لينال العبد من كلِّ قول و فعل و حركة و سكون حظه من عطاياه.