باب النهي عن التجسس
باب النهي عن التجسس
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب (58)
----------------
قال الشارح: الآية مطابقة لعجز الترجمة؛ لأن المتجسس على المعايب مؤذ لصاحبها بما اكتسب لما أخفى ذلك ولم يتجاهر به، نهي عن التطلع إلى أمره والتوصل إليه، طالبا للستر بحسب الإمكان.
باب النهي عن التجسس
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا التقوى ها هنا» ويشير إلى صدره «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله. إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وفي رواية: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا». وفي رواية: «لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا» وفي رواية: «لا تهاجروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض». رواه مسلم بكل هذه الروايات، وروى البخاري أكثرها.
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والظن». قال القرطبي: أي: التهمة التي لا سبب لها، كمن يتهم بفاحشة من غير ظهور مقتضيها، ولذا عطف عليه: {ولا تجسسوا}، وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة، فيريد تحققه فيتجسس ويبحث فنهي عن ذلك، وهذا موافق لقوله تعالى: {اجتنبوا كثيرا من الظن} الآية [الحجرات (12)]. ودل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال: ابحث لأتحقق، قيل له: {ولا تجسسوا}. فإن قال: تحققت من غير تجسس، قيل له: {ولا يغتب بعضكم بعضا}. قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تحسسوا، ولا تجسسوا» إحداهما: بالجيم. والأخرى: بالحاء المهملة. قال الخطابي: أي: لا تجسسوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها. وأصله بالمهملة من الحاسة، إحدى الحواس الخمس، وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشيء باليد، وهي إحدى الحواس الخمس، فتكون التي بالحاء أعم. وقيل: هما بمعنى وذكر الثاني تأكيدا كقولهم بعدا وسحقا. وقيل: بالجيم، البحث عن العورات، وبالمهملة استماع حديث القوم. وقيل: بالجيم، البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يكون في الشر، وبالمهملة عما يدرك بحاسة العين أو الأذن، ورجحه القرطبي. قوله: «ولا تنافسوا»، أي: في أمور الدنيا، فأما أمور الآخرة فقد أمر الله بالتنافس في أعمالها. قال تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين (26)]. قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم»، أي: اكتسبوا ما تصيرون به إخوة من التآلف والتحابب، وترك هذه المنهيات. قوله: «المسلم أخو المسلم»، لاجتماعهما في الإسلام. «لا يظلمه في نفس، ولا مال، ولا عرض». «ولا يخذله»، أي: «لا يترك نصرته، وإعانته». «ولا يحقره»، أي: يهينه ولا يعبؤ به. «التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا» ويشير إلى صدره، أي: «أن محلها القلب.» «بحسب امرئ من الشر» لعظمه وشدته عند الله. «لأن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله». قوله: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، وأعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم». قال الله تعالى في ذم المنافقين: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة} الآية [المنافقون (4)]. وفي رواية عند مسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم، وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». فإذا كان العمل خالصا لله تعالى صوابا على سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قبله الله. قوله: «ولا تناجشوا»، النجش: الزيادة في السلعة لا لرغبة، بل ليضر غيره ويخدعه. قوله: «ولا يبع بعضكم على بيع بعض». ومثله الشراء على شرائه، والسوم على سومه، بعد استقرار الثمن والرضا به.
باب النهي عن التجسس
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنه أتي برجل فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء، نأخذ به. حديث حسن صحيح، رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم.
----------------
قوله: «إنا قد نهينا عن التجسس». قال الشارح: يحتمل أن يكون مراده النهي عن ذلك في القرآن أو السنة. أي سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا، إن يظهر لنا شيء نأخذ به ونعامله بمقتضاه من حد أو تعزير.