باب فضل الوضوء
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} إلى قوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} [المائدة (6)].
----------------
يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا أرادوا القيام إلى الصلاة وهم محدثون أن يتوضؤوا، فيغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق، فيدخلوها في الغسل، ويمسحوا برؤوسهم، ويغسلوا أرجلهم، وإن كانوا جنبا أن يغتسلوا، وإن كان أحد منهم مريضا يخاف ضررا من استعمال الماء كفاه التيمم، أو كان مسافرا وخاف العطش جاز له التيمم. وقوله تعالى: {أو لامستم النساء}، أي: جامعتموهن {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا}، أي: طاهرا، {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة (6)]. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، قتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال: «إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا» ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه. متفق عليه. {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}، أي: ضيق، {ولكن يريد ليطهركم} من الأحداث والذنوب: {وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} نعمته فيزيدها عليكم.
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل». متفق عليه.
----------------
الغرة: في الوجه، والتحجيل: في اليدين والرجلين. قال الحافظ: وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: «محجلين» من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والمراد به هنا: النور أيضا.
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء». رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: التحريض على إطالة الغرة والتحجيل، وإطالة الغرة: أن يغسل جميع وجهه طولا وعرضا. وإطالة التحجيل: أن يغسل يديه حتى يشرع في العضدين، ويغسل رجليه حتى يشرع في الساقين
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: «من توضأ هكذا، غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة». رواه مسلم.
----------------
صفة الوضوء الذي ذكره عثمان، أنه دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا، ثم قال: «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا». ثم قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه». رواه البخاري ومسلم. وفيه: الحث على دفع الخواطر المتعلقة بأشغال الدنيا وجهاد النفس في ذلك، والترغيب في الإخلاص، وقد قال الله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود (114، 115)].
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب». رواه مسلم.
----------------
المراد بتكفير الخطايا هنا الصغائر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا». قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد». قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: «أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض». رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: جواز تمني الخير، ولقاء الفضلاء. وليس في هذا الحديث نفيا لأخوة الصحابة، ولكن ذكر مزيتهم بالصحبة. أي فأنتم أخوة صحابة والذين لم يأتوا بعد ليسوا بصحابة قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات (10)]. وفيه: بشارة لهذه الأمة بأن واردهم إلى الماء هو محمد - صلى الله عليه وسلم -. والفرط: هو المتقدم إلى الماء، قال الله تعالى: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه} [يوسف (19)]. والحوض: الكوثر.
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: « إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط؛ فذلكم الرباط». رواه مسلم.
----------------
إسباغ الوضوء في المكاره: إتمامه في نحو برد وقلة ماء، وأصل الرباط، الحبس على الشيء، فكأنه حبس نفسه على هذه الطاعة. وفي الحديث: استحباب إسباغ الوضوء، والتردد إلى المسجد، واستحباب الجلوس فيه للعبادة.
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:... «الطهور شطر الإيمان». رواه مسلم.
----------------
وقد سبق بطوله في باب الصبر. قوله: «الطهور شطر الإيمان»، أي: نصفه، لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرة، وباطنة. فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة. وقد جمع ذلك في حديث عمر بن الخطاب كما سيأتي. وفي الباب حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - السابق في آخر باب الرجاء، وهو حديث عظيم؛ مشتمل على جمل من الخيرات. الشاهد من حديث عمرو بن عبسة: (فقلت: يا رسول الله، فالوضوء حدثني عنه فقال: «ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض، ويستنشق، ويستنثر، إلا خرت خطايا وجهه، وفيه، وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمر الله، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه».).
باب فضل الوضوء
تطريز رياض الصالحين
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء». رواه مسلم.
----------------
وزاد الترمذي: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين». جمع في هذا الحديث بين طهارة الظاهر بالوضوء، وطهارة الباطن بالتوحيد، وسؤال التوبة، والتطهر من الذنوب والآثام، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن ثواب هذا العمل دخول الجنة من أي أبوابها شاء، وبالله التوفيق.