باب ذكر الموت وقصر الأمل
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران (185)].
----------------
في هذه الآية: وعد للمصدقين والمتقين ووعيد للمكذبين والعاصيين، وأن الفائز من نجي من النار، وأدخل الجنة، وأن من اغتر بالدنيا فهو مغرور خاسر.
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} [لقمان (34)].
----------------
قال قتادة: أشياء استأثر الله بهن فلم يطلع عليهن ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، {إن الله عنده علم الساعة}، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة، أو في أي شهر، {وينزل الغيث}، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أو نهارا، {ويعلم ما في الأرحام}، أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، وما هو، {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} أخير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت، لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا، {وما تدري نفس بأي أرض تموت}، أي ليس من أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر، أم في بر، أو سهل، أو جبل. وروى الطبراني عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما جعل الله منية عبد بأرض إلا جعل الله له فيها حاجة». وقال أعشى همدان: فما تزود مما كان يجمعه...؟؟... سوى حنوط غادة البين مع خرق...؟؟؟ وغير نفحة أعواد تشب له...؟؟... وقل ذلك من زاد لمنطلق...؟؟؟؟ لا تأسين على شيء فكل فتى...؟؟... إلى منيته سيار في عنق...؟؟؟ وكل من ظن أن الموت يخطئه...؟؟... معلل بأعاليل من حمق...؟؟؟ بأيما بلدة تقدر منيته...؟؟... إلا يسير إليها طائعا شبق...؟؟؟
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} [المنافقون (9: 11)].
----------------
في هذه الآيات: النهي عن الاشتغال بالأموال، والأولاد عن طاعة الله، والأمر بالإنفاق قبل الموت، والحض على المبادرة بالأعمال الصالحة، والتوبة قبل حضور الأجل.
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون * ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} إلى قوله تعالى: {... كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسئل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون * أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون (99: 115)].
----------------
قوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون}، أي: ردوني إلى الدنيا {لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا}، ردع عن طلب الرجعة، واستبعاد لها {إنها كلمة هو قائلها}، لا محالة، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه {ومن ورائهم}، أي: أمامهم، {برزخ إلى يوم يبعثون}، {فإذا نفخ في الصور}، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل للبعث {فلا أنساب بينهم}، أي لا تنفع، {يومئذ ولا يتساءلون}، أي: لا يسأل قريب قريبه، بل يفرح أن يجب له حق ولو على ولده. {فمن ثقلت موازينه}، أي: موازين أعماله، {فأولئك هم المفلحون} الفائزون بالنجاة والدرجات، {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون} أي: عابسون، وهم الكفار، {ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون}. وأما المسلمون فمن خفت موازين حسناته فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ومصيره بعد ذلك إلى الجنة. {قالوا}، أي الكفار: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون * قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما}، نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب، وقيل: المراد السؤال عن مدة لبثهم في القبور؛ لأنهم أنكروا البعث. فقيل لهم لما قاموا من القبور: {كم لبثتم}، {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسئل العادين}، أي: الحاسبين، وهم الملائكة، {قال إن لبثتم إلا قليلا}، أي: ما لبثتم فيها إلا زمانا قليلا، {لو أنكم كنتم تعلمون}، أي: لما آثرتم الفاني على الباقي، {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا}، لعبا وباطلا. {وأنكم إلينا لا ترجعون}، أي: في الآخرة للجزاء، {فتعالى الله الملك الحق}، أي: تقدس، أن يخلق شيئا عبثا لا لحكمة، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك {لا إله إلا هو رب العرش... الكريم}.
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد (16)].
----------------
{ألم يأن} ألم يحن، أي: أما آن للمؤمنين {أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} أي: تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهم، وتنقاد له. قال ابن عباس: إن الله استبطأ المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أول ما يرفع من الناس الخشوع». وقال ابن مسعود: إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، فقالوا: تعالوا ندعوا بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، ومن كره أن يتابعنا قتلناه، ففعلوا ذلك. وروي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك، وكسر العود، وجاءه التوفيق والخشوع. {وكثير منهم فاسقون} أي: خارجون عن طاعة الله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتتبعن سنن من كان قبلكم».
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.
----------------
الإنسان في الدنيا غريب ووطنه الحقيقي الجنة، وهي التي أنزل الله بها الأبوين ابتداء، وإليها المرجع إن شاء الله تعالى بفضل الله ورحمته، وهو مسافر في الدنيا بالأعمال الصالحة، وترك الأعمال السيئة، والمسافر لا يأخذ من المتاع إلا ما تدعوا إليه ضرورته، فإن الدنيا دار ممر، والآخرة هي دار المقر، فتزودوا من ممركم لمقركم، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار. قال الشارح محمد بن علان رحمه الله تعالى: إذا أمسيت فابتدئ الفلاحا...؟؟... ولا تهمله تنتظر الصباحا...؟؟؟ وتب مما جنيت فكم أناسا...؟؟... قضوا نحبا وقد باتوا صحاحا...؟؟
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده». متفق عليه، هذا لفظ البخاري.
----------------
وفي رواية لمسلم: «يبيت ثلاث ليال» قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك إلا وعندي وصيتي. فيه: استحباب الوصية، واستحباب كتابتها، فإن كان عليه دين أو عنده أمانة وجب كتابتها. وفيه: أنه لا ينبغي للمسلم أن يغفل عن الموت والاستعداد له.
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: «هذا الإنسان، وهذا أجله محيطا به - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا، نهشه هذا، وإن أخطأه هذا، نهشه هذا». رواه البخاري.
----------------
ذكر فيه صور كثيرة، وأقربها هكذا -، فالخط الأوسط هو الإنسان، والمربع: أجله، والصغار: الآفات تعرض له، والخارج من المربع أمله. وفي الحديث: التحريض على قصر الأمل والاستعداد لبغتة الأجل.
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين/ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر»؟!. رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
في الحديث: الأمر بالمسارعة إلى الأعمال الصالحة، قبل حصول واحدة من هذه النوازل التي تذهل الإنسان من التوجه إلى العبادات.
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكثروا ذكر هاذم اللذات» يعني: الموت. رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
هاذم اللذات بالمعجمة، أي: قاطعها. وروي بالمهملة أي مزيلها من أصلها. وفي حديث أنس مرفوعا: «أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها... عليه».
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل قام، فقال: «يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه» قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: «ما... شئت» قلت: الربع، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» قلت: فالنصف؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» قلت: فالثلثين؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
في هذا الحديث: تنبيه الناس من سنة الغفلة وتحريضهم على الطاعات. والراجفة: هي النفخة الأولى. والرادفة: الثانية. قال الله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر (68)]. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «جاء الموت بما فيه». أي: من الأهوال عند الاحتضار، وفي القبر وأهواله. وقوله: فكم أجعل لك من صلاتي، أي: من دعائي. وفيه: جواز ذكر الإنسان صالح عمله، لغرض كالاستفتاء ونحوه.