باب ذكر الموت وقصر الأمل
باب ذكر الموت وقصر الأمل
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون * ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} إلى قوله تعالى: {... كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسئل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون * أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون (99: 115)].
----------------
قوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون}، أي: ردوني إلى الدنيا {لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا}، ردع عن طلب الرجعة، واستبعاد لها {إنها كلمة هو قائلها}، لا محالة، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه {ومن ورائهم}، أي: أمامهم، {برزخ إلى يوم يبعثون}، {فإذا نفخ في الصور}، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل للبعث {فلا أنساب بينهم}، أي لا تنفع، {يومئذ ولا يتساءلون}، أي: لا يسأل قريب قريبه، بل يفرح أن يجب له حق ولو على ولده. {فمن ثقلت موازينه}، أي: موازين أعماله، {فأولئك هم المفلحون} الفائزون بالنجاة والدرجات، {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون} أي: عابسون، وهم الكفار، {ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون}. وأما المسلمون فمن خفت موازين حسناته فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ومصيره بعد ذلك إلى الجنة. {قالوا}، أي الكفار: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون * قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما}، نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب، وقيل: المراد السؤال عن مدة لبثهم في القبور؛ لأنهم أنكروا البعث. فقيل لهم لما قاموا من القبور: {كم لبثتم}، {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسئل العادين}، أي: الحاسبين، وهم الملائكة، {قال إن لبثتم إلا قليلا}، أي: ما لبثتم فيها إلا زمانا قليلا، {لو أنكم كنتم تعلمون}، أي: لما آثرتم الفاني على الباقي، {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا}، لعبا وباطلا. {وأنكم إلينا لا ترجعون}، أي: في الآخرة للجزاء، {فتعالى الله الملك الحق}، أي: تقدس، أن يخلق شيئا عبثا لا لحكمة، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك {لا إله إلا هو رب العرش... الكريم}.