باب التوبة
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} [التحريم (8)]
----------------
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: التوبة النصوح أن يتوب من الذنب، ثم لا يعود إليه، كما لا يعود اللبن في الضرع. قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي. وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة، وإجماع الأمة على وجوب التوبة. التوبة: الرجوع عن معصية الله تعالى إلى طاعته، وطلب الاستحلال من المقذوف ونحوه إن بلغه ذلك، وإلا كفى الاستغفار، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كفارةمن اغتبته أن تسغفر له»
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»
----------------
في هذا الحديث: تحريض للأمة على التوبة والاستغفار. قال ابن بطال: الأنبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة، لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة، فهم دائبون في شكره، معترفون له بالتقصير.
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري - خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» وفي رواية لمسلم: «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح».
----------------
في هذا الحديث: محبة الله تعالى لتوبة عبده حين يتوب إليه، وأنه يفرح بذلك فرحا شديدا يليق بجلاله. وفيه: أن ما قاله الإنسان في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به. وفيه: ضرب المثل بما يصل إلى الأفهام من الأمور المحسوسة. وفيه: بركة الاستسلام لأمر الله تعالى.
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»
----------------
في هذا الحديث: طلب من اللطيف الرؤوف الغفار لعباده أن يتوبوا، ليتوب عليهم.
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه»
----------------
قبول التوبة مستمر ما دام بابها مفتوحا، فإذا أغلق لم تقبل. قال الله تعالى {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} [الأنعام (158)]، يعني: إذا طلعت الشمس من مغربها، لم ينفع الكافر إيمانه، ولا العاصي توبته.
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «إن الله - عز وجل - يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»
----------------
الغرغرة: وصول الروح الحلقوم. قال الله تعالى {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما} [النساء (18)]، وقال تعالى: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر (84، 85)].
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن زر بن حبيش، قال: أتيت صفوان بن عسال - رضي الله عنه - أسأله عن المسح على الخفين، فقال: ما جاء بك يا زر؟ فقلت: ابتغاء العلم، فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب. فقلت: إنه قد حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فجئت أسألك هل سمعته يذكر في ذلك شيئا؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفرا - أو مسافرين - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول... ونوم. فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال: نعم، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري: يا محمد، فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوا من صوته: «هاؤم» فقلت له: ويحك! اغضض من صوتك فإنك عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد نهيت عن هذا! فقال: والله لا أغضض. قال الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مع من أحب يوم القيامة». فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما - قال سفيان أحد الرواة: قبل الشام - خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه.
----------------
قوله: «حك»، أي: أثر. والهوى: الحب. وفي الحديث: فضل حب الله ورسوله والأخيار أحياء وأمواتا. وفيه: فضل العلم وأهله، وفي صحيح مسلم، قال أنس: «ما فرحنا فرحا أشد ما فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مع من أحب». وقال أنس: « أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بعملهم».
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري - رضي الله عنه - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه. فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مئة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا، مقبلا بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكما - فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة». متفق عليه. وفي رواية في الصحيح: «فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها». وفي رواية في الصحيح: «فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي،وإلى هذه أن تقربي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له». وفي رواية: «فنأى بصدره نحوها».
----------------
في هذا الحديث: فضل العلم على العبادة. وفيه: والهجرة من دار العصيان، ومقاطعة إخوان السوء، واستبدالهم بصحبة أهل الخير والصلاح. وفيه: دليل على أن القاضي إذا تعارضت الأقوال عنده، يحكم بالقرائن. وفيه: أن الذنوب وإن عظمت، فعفو الله أعظم منها. وأن من صدق في توبته، تاب الله عليه، ولو لم يعمل خيرا إذا عزم على فعله.
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب - رضي الله عنه - من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنه؛ إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة،والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا، واستقبل عددا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الديوان) قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به ما لم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر، فتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معه، فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحزنني أني لا أرى لي أسوة، إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذر الله تعالى... من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فبينا هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كن أبا خيثمة»، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون. قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من... سخطه... غدا؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أظل قادما، زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعا وثمانين رجلا، فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، حتى جئت، فلما سلمت تبسم تبسم المغضب. ثم قال: «تعال»، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: «ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» قال: قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر؛ لقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي،وإن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله - عز وجل -، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك». وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال ابن أمية الواقفي؟ قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة، قال: فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس - أو قال: تغيروا لنا - حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني،حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؟ فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط... أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت حين قرأتها: وهذه أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي إذا رسول... رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا، ولكن لا يقربنك» فقالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ ن السرور: «أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك» فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: «لا، بل من عند الله - عز وجل -»، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير... لك». فقلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي، قال: فأنزل الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} حتى بلغ: {إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} حتى بلغ: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}... [التوبة (117: قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا؛ إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله تعالى: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} [التوبة (95، 96)] قال كعب: كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك. قال الله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه
----------------
في هذا الحديث: فوائد كثيره منها: فضيلة الصدق، والحكم بالظاهر، وأن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ ضعيف الدين. وفيه: جواز هجران المذنب أكثر من ثلاث إذا ظهرت فائدته، ولم يترتب عليه مفسدة، واستحباب الصدقة عند التوبة
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي نجيد - بضم النون وفتح الجيم - عمران بن الحصين الخزاعي رضي الله عنهما: أن امرأة من جهينة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا رسول الله، أصبت حدا فأقمه علي، فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليها، فقال: «أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني» ففعل فأمر بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها. فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ قال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله - عز وجل -؟!»
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن الحد يكفر الذنب، وأنه يصلي على المرجوم. وفيه: بيان عظم التوبة، وأنها تجب الذنب وإن عظم. وفي رواية: «ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبه إياها، فقال: مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت». قال النووي: فيه: أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له، وظلاماتهم عنده، تكرار ذلك منه، وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها.
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب»
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن الإنسان لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت، ويمتلئ جوفه من تراب قبره، إلا من لطف الله به. قال الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون * والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم} الآيات [المعارج (19: 25)].
باب التوبة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيستشهد»
----------------
ختم المصنف الباب بهذا الحديث إشارة إلى أن الإنسان ينبغي له أن يتوب من الذنب الذي اقترفه وإن كان كبيرا، ولا يؤيسه ذلك من رحمة الله، فإن الله واسع المغفرة. قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر (53)].