باب الإخلاص وإحضار النية
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة (5)].
----------------
أي: وما أمر أهل الكتاب وغيرهم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحنفاء هم: المائلون عن جميع الأديان إلى دين الإسلام. {وذلك دين القيمة}، أي: الملة المستقيمة.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [الحج (37)].
----------------
أي: لن يصل إلى الله لحوم الهدايا والضحايا، ولا دماؤها، ولكن يصله منكم النية والإخلاص. قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يلطخون البيت بدماء البدن، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فنزلت هذه الآية.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»
----------------
قوله: «إنما الأعمال بالنيات»، إنما للحصر، أي: لا يعتد بالأعمال بدون النية. «وإنما لكل امرئ ما نوى». قال ابن عبد السلام: الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية لبيان ما يترتب عليها. انتهى. والنية: هي القصد، ومحلها القلب. قوله: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله»، أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا، فهجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا. «ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا، فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة، بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة. والله أعلم.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم». قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! قال: «يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم»
----------------
في هذا الحديث: التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم، وأن العقوبةتلزمه معهم، وأنه يعامل عند الحساب بقصده من الخير والشر. وفي حديث ابن عمر مرفوعا: «إذا أنزل الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نياتهم»
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»
----------------
معناه: لا هجرة من مكة لأنها صارت دار إسلام. قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضا في أول الإسلام على من أسلم؛ لقلة المسلمين بالمدينة، وحاجتهم إلى الاجتماع. فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد، والنية على من قام به، أو نزل به عدو. وقال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها؛ لما يترجى من دخول غيره في الإسلام. قال الحافظ: كانت الحكمة في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم إلى أن يرجع عن دينه.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فقال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم حبسهم المرض». وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر» ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا، إلا وهم معنا؛ حبسهم العذر».
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن من صحت نيته، وعزم على فعل عمل صالح وتركه لعذر، أن له مثل أجر فاعله.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس - رضي الله عنهم - وهو وأبوه وجده صحابيون قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها. فقال: والله، ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن»
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن من نوى الصدقة على محتاج، حصل له ثوابها، ولو كان الآخذ ممن تلزمه نفقته، أو غير أهل لها، كما في قصة الذي تصدق على ثلاثة.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري - رضي الله عنه - أحد العشرة المشهود لهم بالجنة - رضي الله عنهم - قال: جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله! إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا»، قلت: فالشطر يا رسول الله؟ فقال: «لا»، قلت: فالثلث يا رسول الله؟ قال: «الثلث،والثلث كثير - أو كبير - إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك»، قال: فقلت: يا رسول الله، أخلف بعد أصحابي؟ قال: «إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة». يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات بمكة.
----------------
في هذا الحديث: مشروعية عيادة المريض. وفيه: الإنفاق على من تلزمه مؤنتهم، والحث على الإخلاص في ذلك. وفيه: أن من ترك مالا قليلا، فالاختيار له: ترك الوصية، وإبقاء المال للورثة، ومن ترك مالا كثيرا، جاز له الوصية بالثلث فما دون. والله أعلم.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم»
----------------
في هذا الحديث: الاعتناء بحال القلب وصفاته، وتصحيح مقاصده، وتطهيره عن كل وصف مذموم؛ لأن عمل القلب هو المصحح للأعمال الشرعية، وكمال ذلك بمراقبة الله سبحانه وتعالى.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - قال: سئل... رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله»
----------------
قال ابن عباس: كلمة الله: «لا إله إلا الله». وفي هذا الحديث: أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة. وفيه: ذم الحرص على الدنيا، وعلى القتال لحظ النفس في غير الطاعة. وفيه: أن الفضل الذي يورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإعلاء دين الله. قال ابن أبي جمرة: إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه. قال الحافظ: القتال يقع بسبب خمسة أشياء: طلب المغنم، وإظهار الشجاعة، والرياء، والحمية، والغضب، وكل منها يتناوله المدح والذم، فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:... «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار». قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصا على قتل صاحبه»
----------------
في هذا الحديث: العقاب على من عزم على المعصية بقلبه، ووطن نفسه عليها.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة: لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه».
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ينهزه» هو بفتح الياء والهاء وبالزاي: أي يخرجه وينهضه. قوله: «لا يريد إلا الصلاة»، أي: في جماعة، وفيه: إشارة إلى اعتبار الإخلاص. وفي هذا الحديث: إشارة إلى بعض الأسباب المقتضية للدرجات، وهو قوله: «وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة». ومنها: الاجتماع والتعاون على الطاعة، والألفة بين الجيران، والسلامة من صفة النفاق، ومن إساءة الظن به. ومنها: صلاة الملائكة عليه، واستغفارهم له، وغير ذلك.
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة،وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة»
----------------
هذا حديث شريف عظيم، بين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدار ما تفضل الله به عز وجل على خلقه من تضعيف الحسنات، وتقليل السيئات. زاد مسلم بعد قوله: «وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة». «أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك». قال ابن مسعود: ويل لمن غلبت وحداته عشراته. قال العلماء: إن السيئة تعظم أحيانا بشرف الزمان أو المكان، وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته، كما قال تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما} [الأحزاب (30، 31)].
باب الإخلاص وإحضار النية
تطريز رياض الصالحين
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت - والقدح على يدي - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه. قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، كانت أحب الناس إلي -... وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء - فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها - وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله، أد إلي أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون»
----------------
في هذا الحديث: فضل الإخلاص في العمل، وأنه ينجي صاحبه عند الكرب. وفيه: فضل بر الوالدين وخدمتهما، وإيثارهما على الولد والأهل، وتحمل المشقة لأجلهما. وفيه: العفة والانكفاف عن الحرام مع القدرة. وفيه: فضل حسن العهد وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة.