قول الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
ويقول الله تعالى: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ [الذاريات 56])
----------------
(وما خلقت) أي: أوجدت. (الجن): هو عالم غيبي مستتر عن الأنظار. (والإنس): هم بنو آدم، وسمـّوا بذلك لأنهم لا يعيشـون بدون إينـاس، فهم يأنس بعضهم ببعض، ويتحرك بعضهم ببعض (إلا ليعبدون) أي: يوحدون، روي ذلك عن ابن عباس. والعبادة: قال شيخ الإسلام: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. المعنى الإجمالي للآية: يخبر الله تعالى أنه ما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، فهذا هو الحكمة من خلقهم، ولم يرد منهم ما تريده السادة من عبيدها من الإعانة لهم بالرزق والإطعام، ولهذا قال تعالى: ﴿ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ﴾ بل هـو سبحـانه الرازق ذو القـوة المتين، الذي يُطْعِمُ ولا يُطْعَم، كما قال تعالى: ﴿ قل أغير الله أتخذ ولياً فاطـر السـموات والأرض وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَم قل إني أمـرت أن أكـون أول من أسـلم ولا تكوننَّ من المشركين ﴾. [الأنعام 14] ولما كانت الحكمـة من خلق الإنسـان هي عبادته سبحانه، أعطى البشـر عقولاً، وأرسل إليهم رسلاً، وأنزل عليهم كتباً، ولو كان الغرض من خلقهم كالغرض من خلق البهائم لضاعت الحكمة من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، لأنه في النهاية يكون كشـــجرة نبتت ونمت وتحطمت
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
قال تعالى ﴿ ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾
----------------
﴿ بعثنا ﴾ أرسلنا. ﴿ أمة ﴾ طائفة من الناس، وتطلق الأمة في القرآن على أربعة معان: 1. الطائفة: كما في هذه الآية. 2. الإمام: كقوله تعالى ﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله ﴾. 3. الملّة: ومنه قوله تعالى ﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة ﴾. 4. الزمن: ومنه قوله تعالى ﴿ وادكر بعد أمة ﴾. ﴿ رسولاً ﴾: هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، ورسول هنا نكره تعم جميع الرسل. ﴿ أن اعبدوا الله ﴾: أي تذللوا له بالعبادة. ﴿ اجتنبوا ﴾: أي ابتعدوا عنه. ﴿ الطاغوت ﴾: الطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، كما في قوله تعالى: ﴿ إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ﴾، أي تجاوز حده،. وأجمع ما قيل في تعريفه، ما قاله ابن القيم: وهو أن الطاغوت: (ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع).أ.ﻫ. ومراده رحمه الله أن من كان راضياً بذلك، أو يقال طاغوت باعتبار عابده وتابعه ومطيعه، لأنه تجاوز به حده، حيث نزّله فوق منزلته التي جعلها الله له. فالمتبوع مثل: الكهان، السحرة، علماء السوء. والمعبود مثل: الأصنام. والمطاع مثل: الأمراء الخارجين عن طاعة الله، فإذا اتخذوهم أرباباً يحل ما حرم الله من أجل تحليلهم له، ويحرم ما أحل الله من أجل تحريمهم له، فهؤلاء طواغيت.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
قوله: ﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ﴾.
----------------
﴿ وقضى ﴾: قال مجاهد يعني وصى، وكذلك أقر أبي بن كعب وابن مسعود. وروى ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وقضى ﴾: وأمر. ﴿ أن لا تعبدوا إلا إياه ﴾: والمعنى أن تعبدوه ولا تعبدوا غيره. وهذا معنى لا إله إلا الله. ﴿ وبالوالدين إحساناً ﴾: أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً كما قضى بعبادته وحده لا شـريك له. المعنى الإجمالي للآية: أخبر الله سبحانه وتعالى وأمر ووصى على ألسنة رسله أن يعبد وحده دون ما سواه وأن يحسن الولد إلى والديه إحساناً بالقول والفعل ولا يسيء إليهما لأنهما اللذان قاما بتربيته في حال صغره وضعفه حتى قوي واشتد. مناسبة الآية للباب: أن التوحيد هو آكد الحقوق وأوجب الواجبات، ولأن الله بدأ به في الآية ولا يبتدأ إلا بالأهم فالأهم.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ﴾
----------------
قال ابن كثير: في هذه الآية يأمر الله تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، فإنه الخالق الرازق، المنعم المتفضل على خلقه في جميع الحالات، وهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته. أ.ﻫ ـ وقرن الأمر بالعبادة التي فرضها بالنهي عن الشرك الذي حرمه. فدلت على أن اجتناب الشرك شرط في صحة العبادة ﴿ شيئاً ﴾، نكرة في سياق النهي فتعم كل شيء، لا نبياً ولا ملكاً ولا ولياً ولا أمراً من أمور الدنيا، فلا يجعل الدنيا شريكاً مع الله، والإنسـان إذا كان همه الدنيا كان عابداً لها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة) رواه البخاري. ﴿ واعبدوا ﴾ دليل على أن التوحيـد هــو أول واجب على المكلـف، لا النظـر ولا القصد إلى النظـر ولا الشـك في الله، كما هي أقـوال لمن يدر ما بعث الله به رسوله من معاني الكتاب والحكمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ـ وفي رواية ـ أن يوحدوا الله). متفق عليه.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
قوله: ﴿ قل تعالوا أتلو ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً)
----------------
قال ابن كثير: (يقول الله تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله، وحرموا ما رزقهم الله، وقتلوا أولادهم، كل ذلك فعلوه بآرائهم الفاسدة، وتسويل الشيطان لهم. ﴿ تعالوا ﴾ أي: هلمّوا وأقبلوا. ﴿ أتلُ ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي: أقصص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقاً، لا تخرُّصاً ولا ظنّاً. ﴿ ألا تشـركوا به شـيئاً ﴾ قال: وكأن في الكلام محذوفاً دل عليـه السـياق، وتقديره: وصـاكم ألا تشركوا به شيئاً) وابتدأ الله تعالى هذه الآيات المحكمات بتحريم الشرك والنهي عنه، فدل أن التوحيد أوجب الواجبات، وأن الشرك أعظم المحرمات. ولفظ الشرك يدل على أن المشركين كانوا يعبدون الله، ولكن يشركون به غيره من الأوثان والصالحين والأصنام، ولهذا سئلوا عما يقول لهم، قالوا: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، كما قاله أبو سفيان.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
(قال ابن مسـعود: من أراد ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى: ﴿ قل تعالـوا أتلو ما حـرم ربكم عليكم ألا تشـركوا به شيئاً... إلى قوله: وأن هذا صـراطي مستقيماً ﴾. رواه الترمذي وحسنه
----------------
معنى هـذا الأمر: من أراد أن ينظر إلى الوصية التي كأنها كتبت وختم عليها، فلم تُغيَّر ولم تُبدَّل فليقرأ قوله تعالى: ﴿ قل تعالوا... ﴾ إلى آخر الآيات. شبهها بالكتاب الذي كتب ثم ختم، فلم يزاد فيه ولم ينقص، فإن النبي لم يوصي إلا بكتاب الله سبحانه وتعالى، كما قال فيما رواه مسلم: (وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله). فابن مسعود يرى أن هذه الآيات قد شملت الدين كله، فكأنها الوصية التي ختم عليها النبي وأبقاها لأمته.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
(وعن معاذ بن جبل قال: كنت رديف رسول الله، فقال لي: " يا معاذ ! أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ " قلت الله ورسـوله أعلم، قال: " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً "، قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: " لا تبشرهم فيتكلوا "). رواه البخاري (128) ومسلم (30)
----------------
أراد النبي أن يبين وجوب التوحيد على العباد وفضله فألقى ذلك بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم، فلما بيّن لمعاذ فضل التوحيد، استأذنه معاذ أن يخبر بذلك الناس ليستبشروا، فمنعه النبي من ذلك خوفاً من أن يعتمد الناس على ذلك فيقللوا من الأعمال الصالحة.