باب: كراهية استقبال القبلة عند الحاجة
باب: كراهية استقبال القبلة عند الحاجة
كتاب الإيجاز في شرح سنن أبي داود - النووي [النووي]
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطيب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة "
قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم "، قيل فيه ثلاثة أقوال (١):
- أحدهما: قول الخطابي (٢): " إنه كلام بسط وتأنيس لهم (٣)؛ لئلا يحتشموه في السؤال عما يحتاجون إليه في أمر دينهم (٤).
ومعناه: لا تستحيوا من سؤالي عما تحتاجون إليه كما لا تستحيون من الوالدين، وأنا لا أستحييكم في ذلك كما لا يستحيي الوالد من ذكر ذلك لولده.
- والثاني: بمنزلة الوالد في الشفقة عليكم، والاعتناء بمصالحكم في الدين والدنيا، وبذل الوسع في ذلك كما يفعل الوالد.
- والثالث: إنه بمنزلة الوالد في المعنيين جميعا.
- والرابع: إن ذلك من باب التمهيد بكلام بين يدي المقصود لا سيما في ما يستحيى منه في العادة.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها ".
قال الخطابي (٥): " وأصل الغائط: المكان المطمئن (٦)، كانوايقصدونه لقضاء الحاجة (١)، فكنوا به عن نفس الخارج (٢) من الإنسان كراهة لذكره باسمه الصريح (٣)، وعادة العرب التعفف في ألفاظها (٤)، وصيانة الألسنة عما تصان عنه الأسماع والأبصار ".
وأما حكم استقبال القبلة واستدبارها بالبول أو الغائط، فجاء في هذا الحديث وفي حديث أبي أيوب بعده (٥) وغيرهما (٦) النهي عنه، وفي حديثي ابن عمر (٧) وجابر (٨) المذكورين في الباب إباحته، واختلف العلماء لذلك فيه على أربعة مذاهب (٩):
- أحدها: إن ذلك جائز في البنيان، حرام في الصحراء، وحملوا أحاديث النهي على الصحراء، والإباحة على البنيان، وممن قال بهذا: أبو العباس بن عبد المطلب