باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
تطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {إن المتقين في مقام أمين * في جنات وعيون * يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين * كذلك وزوجناهم بحور عين * يدعون فيها بكل فاكهة آمنين * لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم * فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم} [الدخان (51: 57)].
----------------
قال ابن كثير: إن المتقين، أي: لله في الدنيا {في مقام أمين}، أي: في الآخرة، وهو الجنة، قد آمنوا فيها من الموت، والخروج من كل هم وحزن، وجزع وتعب ونصب، ومن الشيطان وكيده، وسائر الآفات والمصائب {في جنات وعيون}، وهذا في مقابلة ما الأشقياء فيه من شجرة الزقوم وشرب الحميم. وقوله تعالى: {يلبسون من سندس} وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها {وإستبرق} وهو ما فيه بريق ولمعان، وذلك كالرياش وما يلبس على أعالي القماش {متقابلين}، أي: على سرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره. قوله تعالى: {كذلك وزوجناهم بحور عين}، أي: هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحور العين الحسان، اللاتي لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كأنهن الياقوت والمرجان. وذكر حديث أنس: «لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك الماء، لعذوبة ريقها». وقوله عز وجل: {يدعون فيها بكل فاكهة آمنين}، أي: مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم، وهم آمنون من انقطاعه، وامتناعه، بل يحضر إليهم كلما أرادوا. وقوله: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} هذا استثناء يؤكد النفي، فإنه استثناء منقطع، ومعناه: أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدا. كما ثبت في الصحيحين، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت. ويا أهل النار خلود فلا موت». وذكر أحاديث منها: ما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من اتقى الله دخل الجنة، ينعم فيها ولا ييأس، ويحيا فيها فلا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه». وحديث جابر رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، هل ينام أهل الجنة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون». وقوله تعالى: {ووقاهم عذاب الجحيم}، أي: مع هذا النعيم العظيم المقيم، وقد وقاهم وسلمهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم في دركات الجحيم، فحصل لهم المطلوب، ونجاهم من المرهوب ولهذا قال عز وجل: {فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم}، أي: إنما كان هذا بفضله عليهم، وإحسانه إليهم. كما ثبت في الصحيح، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «اعملوا وسددوا، وقاربوا، واعلموا أن أحدا لن يدخله عمله الجنة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»