حينما كان السحر لصالحه بحث عنه {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} 79 يونس . وحينما رأى فرعون حجة موسى صار السحر عنده فرية {قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى} القصص 36 .

الظالمون يتهمون المصلحين بالسوء كذبا و يفعلونه صدقا ، إتهم فرعون موسى بالسحر ثم استعمله ضده {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} 79 يونس .

عند الظالمين تنقلب الموازين ، فيُصبح الإصلاح فساداً والإفساد صلاحاً {وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} الأعراف 127 .

من وسائل تشويه الحق اتهام أصحابه باختراعه واستحداثه ، حتى ينفر الناس منه ، وهكذا قال قوم نوح وموسى: {مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} المؤمنون 24 .

ينظرون إلى المصلح أنه غارق بآراء الوهم مندفع لها {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال 49 .

كل الأنبياء اتهمهم خصومهم (بالتشدد) في العقيدة مما يدل على أن خصوم الأنبياء في الجهة الأخرى وهي (الانسلاخ) لكن يختلفون في نوع انسلاخهم وحجمه .

يتهمون المصلحين بتخلّف الأمة ومصائبها : {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ} الأعراف 131.

ما من أمة أُهلكت إلا كان فيها ناصحون يُوصفون بالفتنة وشق الصف {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} الشعراء 208 .

فرعون هو الذي جمع السحرة من المدينة واحداً واحداً ليهزم موسى فلما خالفوه جعلهم خلية مؤامرة رئيسها موسى{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} طه 71 .

يقاتلون المصلحين حفاظاً على الرئاسة الخاصة ويستترون بحرب دخيل الأفكار {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} غافر 26 ، وحفظ الوطن {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} غافر 26 .

المصلحون يواجهون رؤوس الباطل والمبطلون يصورونه صراعاً مع الوطن وأهله ، موسى ينصح فرعون ، وفرعون يقول {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} الأعراف 110 .

إذا امتلأ قلب الإنسان بالجاه ، ظنّ أن المصلح ينافسه عليه ، قالوا عن نوح : { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} المؤمنون 24

يتعلّق قلب الظالم بالسيادة ، فيظنّ أن المصلحين ينازعونه إياها ، قالوا عن موسى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} يونس 78 .

يتهمون المصلح بأنه يطلب السيادة والدنيا .. قالوا عن موسى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} يونس 78 . - وحذروا من نوح :{يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } المؤمنون 24 .

اتهام المصلح بحب الظهور والقيادة تهمة جاهلية للأنبياء قال قوم نوحٍ له: {مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} المؤمنون 24 ، أي: غايته أن يفوقكم فضلاً .

أفضل أدوية ظلم الإنسان ، والافتراء عليه وعلى رسالته تجاهل المفترين وفريتهم وعدم التفكير بها فهذا أطهر لقلبه وأوفر لوقته {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} الأنعام 112 .

المصلح يظهر الحجة والظالم العاجز يُهيّج العامة والغوغاء ليستكثر بهم {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} الشعراء 53:55 .

تشويه المصلحين سنّة الظالمين إذا أعيتهم الحجج . قال ابن عباس: كان قوم شعيب يجلسون في الطريق ، فيقولون: شعيب كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم.

فرعون أقنعهم بأن موسى ساحر تشويها ليأخذوا موقفا من شخص موسى فيغلقوا باب السماع له {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} الأعراف 132 .

كل فكرٍ تريد تشويهه اجمع تشديداته من مواضع متفرقة واسردها على العقول في سياقٍ واحد وكرر ذلك في صور شتى ، تتبعك أسراب من العقول تمرداً عليه .

لا يستطيعون محاربة الإسلام بنفسه ، فيحاربونه تحت ستار محاربة تصرفات أهله ونقدها .. المنافقون في زمن النبوة سلكوا نفس المسلك .

يحرص المفسدون على تشويه المصلح لأن إسقاطه أهون من إسقاط حججه ، فينفر الناس من كل أقواله {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} الأعراف 132 .

يُشوهون عقيدة الحق وأصحابها ليتجمل قبح باطلهم ، وقد كانت العرب في الجاهلية إذا زوَّجوا الفتاة منهم وكانت قبيحة وضعوها في عُرسها بين جاريتين سوداوين .

أهل الباطل يهتمون بتقبيح الحق أكثر من تحسين باطلهم، لأن تشويه الحق أسهل من تحسين الباطل، فيتبع الناس الباطل لا قناعة به بل هروباً من الحق .

يربطون الفكر بالأفراد فيتشوه لديهم الحقّ تبعاً لما صنعوه من تشويه لأهل الحق {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} البقرة 13 .

لبعض العقول جربٌ كجرب الأبدان ، تستمتع بالرد كما يستمتع المجروب بالحك، وتزيد كلما زاد ، وطبها تركها .

أكثر الناس حسرة المستهزئون بالحق ، فرحة قصيرة يليها ندم طويل { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يس 30 .

الساخر بالحق يُسلّي نفسه ولكن لا يُغير الحق {إِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} المطففين 30 : 32 .

الاستهزاء غذاء البقاء لكل قليل الحجة ضعيف الدليل .

أضعف الناس يقيناً برأيه من يقابل الحجة بالاستهزاء ، {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} الفرقان 41 ، والاستهزاء ملاذ الضعفاء .

الجاهل يستهزئ ليستر جهله ، والعالم يتبرأ من الاستهزاء بعلمه {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} البقرة 67 .

الاستهزاء عند المناظرة ستار يستر به الجاهل جهله عن الأعين {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} البقرة 67 .

لا يذكر الله السخرية في القرآن إلا أسلوباً للعاجزين عن الحجة ، ولا تسوغ إلا عند المقابلة بالمثل {قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} هود 38 .

السخرية عند المناظرة سلاح العاجز ، لها نشوة تُشعر الساخر بنصر لا يراه إلا هو ، فإذا ذهبت سكرتها عنه استيقظ على الهزيمة .

الأنبياء يطرحون حجج النقل والعقل ، ويقابلون بلغة الاستهزاء والتحقير ، وهذه اللغة متى وجدت صرفت العقل عن تأمل عين الحجة إلى أشياء بعيدة عنها .

الاستهزاء استدراج للضال ليبقى على غيّه ، فللاستهزاء متعة تُعمي عن التأمل {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} البقرة 15 .

السخرية عند الحوار والمناظرة تحجب عن الإنسان التأمل في الحقيقة...{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} المؤمنون 110 .

أكثر الناس إنكارا للحق البيّن الساخرون لأن لذّة السخرية تحجب عنهم لذة المعنى {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ} الصافات 12 ، 13 .

لم يسلم نبي من الساخرين، ومن سلِمت رسالته من ساخرٍ بها ففيه أو فيها قصور عن منهاج النبوّة {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} الحجر 11 .

لا تدع الحقّ لأجل الاستهزاء به ، فمن علامات الحقّ سخرية أهل الباطل منه ومن صاحبه {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} الحجر 11 .

الاستهزاء لا يليق بالصادقين ، ولكنه نعمة يُخرج الله به عقائد المنافقين {قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} التوبة 64 .

الاستهزاء والسخرية لم تمدح في القرآن إلا عند المقابلة بالمثل {إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} هود 38 .

أعظم خصلة يتفق عليها أعداء الحق الانشغال بذات القائل عن رسالته والاستهزاء به {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} يس 30 .