النسمة التاسعة - الزائر الأخير - (3)
برقيات قبل الوصول: قد بعث إليك الموت " برقيات " تعلمك بقرب وصوله ودنو أجلك.. وها هى:
1. المرض: دخل الناس يعودون محمد بن واسع في مرض موته، فقال: يا إخوتي.. يا إخوتي..
هبوني وإياكم سألنا الله الجعة فأعطاكموها ومنعنيها.. فلا تخسروا أنفسكم.
ولما مرض عبد الملك بن مروان مرض الموت جعل يلوم نفسه ويضرب بيده على رأسه ويقول: وددت أنني أكتسب يوما بيوم مايكفيني، وأشتغل بطاعة الله، فذكر ذلك لأبي حازم فقال: " الحمد لله الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه، ولا نتمنى عند الموت ما هم فيه ". أستمعت.. أم لم تسمع؟! أفهمت.. أم لم تفهم؟!.
يا أخي.. من استبعد موته وأطال أمله ونسي قبره فليقرأ موعظة الحسن البصرى حين قال: من لم يمت فجأة مرض فجأة، فاتقوا الله واحذروا مفاجأة ربكم.
إن الطبيب بطبه ودوائه *** لا يستطيع دفاع نحب قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي *** قد كان أبرأ مثله فيما مضى
مات المداوي والمدواى والذي *** حمل الدواء وباعه ومن اشترى
2. الشيب: العمل في الشباب قبل حلول المشيب، فإنه إن حل فقد تقصر الهمة وتخور القوة وتضعف الإرادة ولا تسعف الطاقة، أحاديث فضائل الأعمال وتتمنى العمل بها فلا تستطيع.
يا مسكين.. أحين يعطيك القوة تنساه؟! وحين يسلبك إياها تذكره؟! أف لك.. أما تعلم أنه ما من شعرة تبيض إلا وهي تقول للتي تليها: أختي.. قد جاء الموت فاستعدي له.
أخي.. الشيب رسول الله إليك يخبرك بدنو أجلك فأعد لما بعده.
إذا الرجال ولدت أولادها *** وبليت من كبر أجسادها
وأصبت أمراضها تعتادها *** تلك زروع قد دنا حصادها
واعلم أنك على سفر، وأنك مغادر لامحالة.
وإذا رأيت بنيك فاعلم *** أنهم قطعوا إليك مسافة الآجال
وصل البنون إلى محل أبيهم *** وتجهز الآباء للترحال
رحم الله الحسن البصري حين أيقظ الشيوخ بقوله: يا معشر الشيوخ.. ما ينتظر بالزرع إذا بلغ؟! قالوا: الحصاد.
وأيقظ الشباب بقوله: يا معشر الشباب.. إن الزرع قد تبلغه العاهة قبل أن يبلغ.
استيقظ: سئل القاضي أبو المكارم شرف الدين الصفراوي الإسكندري عن سنه فأجاب ارتجالا:
يا سائلي عن جسمي وما فعلت *** فيه السنون ألا فاعلمه تبيينا
ثاء الثلاثين أحسست الفتور بها *** فكيف حالي عند ثاء الثمانينا
مختارات