الابتلاء واثره فى تحقيق النصر
بسم الله الرحمن الرحيم
{ أم حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة:214]
لو أن شركة من الشركات أرادت أن تولي شخصاً منصباً قيادياً بها فتقدم لها عدد من الناس وكل يدعي أهليته لهذا المنصب فماذا ستفعل تلك الشركة؟ لا شك أنها ستجري امتحاناً وتمحيصاً للمتقدمين حتى يتبين للجميع أن فلاناً هو الأحق والأجدر بهذا المنصب، هذا فيما يتعلق بمنصب قيادي في شركة.
فما بالكم بأمة يعدها ربها لقيادة العالم؟
وقد نص الله سبحانه على ذلك في كتابه بقوله جل شأنه: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3]
وقد يقول قائل لماذا الامتحان والتمحيص والله يعلم السرائر والبواطن؟ فنرد عليه بقول رب العالمين:
{ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}
{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب }.
يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية، التي لا تتغير ولا تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه، لا بد أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها، ومن السيادة آلتها.
ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله، بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده، فهو الكاذب في دعوى الإيمان، فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني، ومجرد الدعاوى، حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه.[تفسير السعدي]
وليس الابتلاء تعذيب من الله لعباده، وإنما هو تذكير وتنبيه لهم أن التمكين والنصرة إنما تأتي على أعتاب الابتلاء والتمحيص
قال أحد تلامذة الإمام الشافعي هل يُمكن العبد أو يُبتلى؟ قال الإمام الشافعي
لا يُمكن العبد حتى يُبتلى ثم تلا قول الله تعالى:
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة: 24]
فلنعلم أن كل ما يدور من حولنا من فتن وافتراءات، وتسلط الباطل على الحق وإيذائه له، إنما هي تنبيه من الله لنا لنعود إليه
وحينها{ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7] تنصروه باتباع شرعه والتزام أمره واجتناب نهيه
مختارات