" تأثر الحجر الأسود بالذنوب "
" تأثر الحجر الأسود بالذنوب "
أخي القارئ: ألا ترى أن الحجر الأسود مع صلابته وقساوته قد تأثر بذنوب بني آدم وخطاياهم، وكان عند نزوله من الجنة أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم، كما ورد ذلك في الحديث المروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن؛ فسودته خطايا بني آدم» (رواه أحمد والترمذي).
أي صارت ذنوب بني آدم الذين يمسحون الحجر سببا لسواده، والأظهر حمل الحديث على حقيقته إذ لا مانع نقلا ولا عقلا، وقال بعض الشراح، والمعنى: أن الحجر الأسود لما فيه من الشرف والكرامة وما فيه من اليمن والبركة شارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها، وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض منه أسودا فكيف بقلوبهم أو لأنه من حيث أنه مكفر للخطايا محَّاءٌ للذنوب كأنه من الجنة، ومن كثرة تحمله أوزار بني آدم صار كأنه ذو بياض شديد فسودته الخطايا.
ومما يؤيد هذا أنه كان فيه نُقَط بيض ثم لا زال السواد يتراكم عليها حتى عمَّها، وفي الحديث: «إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب نكتت فيه نكتة أخرى وهكذا حتى يسود قلبه جميعه ويصير ممن قال فيهم: " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (سورة المطففين: 14)، والحاصل أن الحجر بمنزلة المرآة البيضاء في غاية الصفاء ويتغير بملاقاة مالا يناسبه من الأشياء حتى يسود لها جميع الأجزاء، وفي الجملة الصحبة لها تأثير بإجماع العقلاء.
قال الحافظ ابن حجر: واعترض بعض الملحدين على هذا الحديث فقال: كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد؟ وأجيب بما قال ابن قتيبة: لو شاء الله لكان ذلك، وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس من البياض. وقال المحب الطبري: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة: فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد، ويروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة، فإن ثبت فهذا هو الجواب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع فاستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الرَّان الذي ذكره الله».
أخي في الله: إذا كان هذا حال الحجر الصلد الصلب مع حجارته وقساوته يتأثر من خطايا بني آدم فكيف بمضغة لحم لا يتأثر من الأوساخ الشركية والبدعية وبخطايا بني آدم ولا يُران عليه؟ ثم كيف لا يحتاج إلى اغتساله وذهاب أوساخه بالاستغفار والتوبة إلى الله؟ وفقنا الله لذلك آمين.
مختارات