علامات العارفين
قد يقوم الإنسان ببعض الطاعات من صيـام وقيـــام وغيرها من أعمال الجوارح، لكن دون حضور قلب.. فيظل ساكنًا في مكانه ولا يتقدَّم إيمانيًا.. بينما من يتعرَّف على الله عزَّ وجلَّ ويوجه بوصلة قلبه بشكل صحيح أثناء تأديته للطاعات، هو الذي يفوز بقصب السبق..
قال أبو سليمان الداراني " إن الله تعالى يفتح للعارف على فراشه، ما لم يفتح له وهو قائمٌ يصلي " [مدارج السالكين (3،341)]
فإذا كانت دعامة البيت أساسه، فإن دعامة هذا الدين هي::
1) المعرفة بالله تعالى.. 2) اليقين.. 3) العقل القامع..
فمعرفة الله تعالى ينشأ عنها اليقين، الذي ينتج عنه العقل القامع.. وهو العقل الزاجر، الذي يكفك عن المعاصي ويحثك على الطاعة..
فكيف تصل إلى معرفة الله عزَّ وجلَّ؟؟
طرق تحصيل المعرفة
أولاً: معرفة أسماء الله وصفـاته.. فلكي تتعرَّف على الله عزَّ وجلَّ، لابد أن تتدبر أسمائه وصفاته وبالأخص الأسماء والصفات الواردة في خواتيم الآيــــات..
فلا تشرد في صلاتك وتفاعل مع الآيــات التي تُتلى، وحينما تسمع قوله تعالى {.. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [الأحزاب: 235].. تعلم أن الله عزَّ وجلَّ يعلم ما يخطر ببالك وتُحدِث به نفسك.. ولكنه سبحانه وتعالى غفــور لمن يستدرك أمره، حليـــــــم على من شَرُد و بَعُد وأقتضى فعله العقوبة والغضب، فحَلُم َ الله تعالى عنه حتى يفيق..
وهكذا تتدبَّر الأسماء والصفات الواردة في خواتيم الآيـــات، والتي تأتي مع قوله تعالى {.. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ..}.. لكي تعلم من هو ربَّك عزَّ وجلَّ.
ثانيًا: صدق الله في المعاملة.. لأن الله عزَّ وجلَّ شكور، فإذا أقبلت عليه بصدق سيشكر عملك ويرزقك معرفته سبحانه وتعالى..
فتتعرَّف على الله الشكور، الحليم، الجواد، الكريم، الأكرم سبحـــانه وتعالى..
فاحرص على ألا يزيغ قلبك، ولا تخــــــادع ولا تتلوَّن..
إنما واجه وطَهِّر،،
ثالثًا: التنقي من الأخلاق الرديئة..
فالمشاكل والآفــات النفسية التي بداخلك، تقف حائلاً بينك وبين المعرفة والفهم عن الله عزَّ وجلَّ.. فينبغي أن تتخلَّص منها، حتى لا تقطع الطريق بينك وبين ربِّك..
إذًا، كيف تعرف إن كنت قد توَّصلت لمعرفة الله عزَّ وجلَّ أم لا؟؟
هناك علامات لمن عَرِف الله عزَّ وجلَّ، فكلما وجدت أثر لإحدى هذه العلامـات في قلبك، اعلم أنك تتقدم في الطريق..
فمن يتقدَّم، سيدنو ويتقرَّب.. وحينها سيتعرَّف..
علامـــات معرفة الله عزَّ وجلَّ
العلامة الأولى: تعظيم الله سبحانه وتعالى..
قال بعضهم " من إمارات المعرفة بالله: حصول الهيبة منه، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته " [مدراج السالكين (3،338)]
فلابد أن تُعظِّم جميع أوامره ونواهيه، وتستشعر من قلبِّك أن الله عزَّ وجلَّ هو الأعلى والأجل، الكبير، العلي، المُتعــال سبحانه وتعالى..
هل تُعَظِّم ربَّك جلَّ جلاله حقَّ التعظيم؟؟
العلامة الثانية: السكينة في القلب..
وقيل أيضًا " المعرفة توجب السكون، فمن ازدادت معرفته ازدادت سكينته " [مدراج السالكين (3،338)]
فتتعلم درس الانكسار والافتقار لله سبحانه وتعالى.. فتتخلَّص من تلك النفس التمردية التي كانت تدعوك للجدال والخلاف طوال الوقت، وتصير أكثر تواضعًا وخضوعًا ويغلب على حالك السكون والهدوء والطمأنينة.
هل تشعر بالأمان والطمأنينة والسكينة؟؟
العلامة الثالثة: محو العلائق..
قال الشبلي " ليس لعارفٍ علاقة، ولا لمحبٍ شكوى، ولا لعبدٍ دعوى، ولا لخائفٍ قرار، ولا لأحدٍ من الله فرار " [مدراج السالكين (3،338)]
فمن يتعرَّف على الله عزَّ وجلَّ، لا يتعلَّق قلبه بشيءٍ سواه سبحانه وتعالى.. ويتذوَّق البلاء بطعم آخر، فلا يشتكي لإنه مُحِب لله عزَّ وجلَّ.. ولو استشعر مقام العبودية، الذي يقتضي الحب التـــام والذل التـــام لله ربِّ العالمين.. سيعلم أنه عبدٌ فقير ذليل، فلا يدَّعي أن الله تعالى قد أختصه بشيء من دون الناس.. ومع هذا كله يكون خائف وَجِل ألا يُقبَل عمله، قال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]
هل تخلصت من العلائق التي تشغلك وتقطعك عن الله تعالى؟؟
العلامة الرابعة: التبرَّؤ والتفويض..
فمَنْ عَرِف الله تعالى، استشعر عجز نفسه ومدى تقصيرها، وعجز لسانه أن يُثني عليه سبحانه حقَّ الثناء.. كما في قوله ".. لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " [رواه مسلم]
وقال النبي لأم المؤمنين جويرية رضي الله عنها " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " [رواه مسلم].. فجمع في تلك الكلمات جميع الأمور التي يتضاعف بها الأجر؛ لأن العبد لا يستطيع بحال أن يوافي ربَّه حتى في مقام التنزية.
العلامة الخامسة: شدة الخوف..
قال تعالى {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].. فمعرفة الله عزَّ وجلَّ تقتضي الخشية، وحينها ستشتعر مراقبة الله تعالى لك في جميع أحوالك وستردع نفسك عن الوقوع في المعاصي في سرك وعلانيتك.
العلامة السادسة: ضيق الدنيــا بسعتها..
مَنْ عَرِفَ الله تضيق عليه الدنيــا؛ لأنها سجنه الذي يمنعه من التواصل عن قُرب مع ربِّه جلَّ وعلا.. فيكون مع الناس بجسده، لكن قلبه ليس معهم.. فهو يتطلَّع لعبور هذا الجسر للوصول إلى جنَّة الخُلد ومنها إلى يوم المزيد.. يوم يتجلى الله تبـــارك وتعالى للعبيــد.
العلامة السابعة: صفاء العيش وطيب الحيــــــاة...
يقول ابن القيم " مَنْ عَرِف الله صفا له العيش وطابت له الحياة، وهابه كل شيء وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله " [روضة المحبين ونزهة المشتاقين (27،14)]
فبينما الدنيا قد ضاقت عليه وتَعِبَ منها، توجد حيـــاة في قلبه.. ففي وجدانه يشعر برَغَد العيش وحلاوة الإيمــان ولذة القُرب والمناجــــــاة.. فيصفو له العيش مع الله عزَّ وجلَّ..
العلامة الثامنة: الحيـــــاء..
قال ابن عطاء " المعرفة على ثلاثة أركان: الهيبة والحيـــــاء والأنس " [مدراج السالكين (3،341)]
فلو عرفته حق المعرفة، ستستحي منه لا محــالة.. قال رسول الله " واستحي من الله استحياءك رجلاً من أهلك " [السلسلة الصحيحة (3559)]
العلامة التاسعة: تتبدى عليه أنوار الصفــات..
فمن آثار المعرفة، أن يتحلى العبد بصفات الجمــال التي وصف الله عزَّ وجلَّ بها نفسه.. فالله سبحانه وتعالى حليــــم، فينبغي أن تحلُم في معاملتك للناس.. وهو سبحانه وتعالى عفو غفور، فلا ترد مساويء الناس إلا بالإحسان.. قال تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: 60]
العلامة العاشرة: جمع الشمل والهم..
قال بعضهم " لا يكون العارف عارفًا حتى لو أعطي ملك سليمان لم يشغله عن الله طرفة عين " [روضة المحبين ونزهة المشتاقين (27،15)]
فمَنْ عَرِف ربَّه لا يرى غيره.. وأي موقف يمر به في حياته، يعلم أنه رسالةٌ له من الله سبحانه وتعالى.. ولا ينشغل عن ربِّه بأي أمر من أمور الدنيــا.
العلامة الحادية عشر: المبادرة للطـــاعـــات..
فمَنْ عَرِف الله تعالى، يُبادر للطاعــات ويُسارع في القُربـــات.. يطير قلبه، ليُحلِق في جنة المعرفة بربِّ الأرض والسماوات.
العلامة الثانية عشر: لذة التعبُّد..
فقد تبكي عينه من خشية الله، ولكن بداخل قلبه لذة واحساس بالسكينة والأمـــان.
العلامة الثالثة عشر: دوام الثنــاء والمحاسبة..
قال يحيى بن معاذ " يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربِّه " [الفوائد (1،34)]
وهذا بسبب معرفته بنفسه وعيوبه وآفاته، ومعرفته بربِّه وكماله وجلاله.. فهو شديد الازدراء على نفسه، لَهِج بالثناء على ربِّه.
العلامة الرابعة عشر: التخلُّص من حظ النفس..
قال أبو يزيد " إنما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم والوقوف مع ماله " [مدارج السالكين (8:96)]
فيُضيِّع حظوظ نفسه في سبيل تحقيق حقوق الله عزَّ وجلَّ.. كأن يُضيِّع شهوته في النوم والراحة، ليقوم ويقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ.
وأخيرًا: الأنس والوحشة..
قال ذو النون " لكل شيء عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله ".. وقيل " العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذل لله فأعزه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأحوجهم إليه " [مدارج السالكين (3:341)]
فهو مستأنس بربِّه، مستوحش ممن يقطعه عنه،،
تلك خمسة عشر علامة، عليك أن تتعرَّف على الله عزَّ وجلَّ من خلالها.. حتى لا تظل طوال عمرك تجري في مكانك، دون أن تتقدَّم في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى..
ومن تعرَّف، فقد فـــــــاز،،
مختارات