الإمام العادل
" الإمام العادل "
الإمام العادل هو:الذي يتبع أمر الله بوضع كل شئ في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وهو العدل في نفسه العادل في حكمه
قال تعالى:
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١الحج
المراد بالإمام العادل:
والإمامة هنا الإمامة الكبرى وهى ولاية الأمر العام على المسلمين.
والإمام العادل مسئول أمام الله عن سياسة الدنيا وحراسة الدين
كما في الحديث (أهل الجنة ثلاثة: سلطان مقسط، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل غني عفيف متصدق). رواه مسلم عن عياض بن حمار
وهو راع ومسئول عن رعيته كما في الحديث (إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ عَنِ الإِمَارَةِ وَمَا هِيَ؟ وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: أَوَّلُهَا مَلامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَنْ عَدَلَ) رواه البزار والطبراني، وحسنه الألباني.
ولذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول للبعير الأجرب من إبل الصدقة وهو يطليه ويداويه: " إني أخاف أن أسأل عنك يوم القيامة ".
و قال الحافظ ابن رجب في الفتح:وأول هذه السبعة: الإمام العادل.وَهُوَ أقرب النَّاس من الله يوم القيامة، وَهُوَ عَلَى منبر من نور عَلَى يمين الرحمن - عز وجل -، وذلك جزاء لمخالفته الهوى، وصبره عَن تنفيذ مَا تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه، مَعَ قدرته عَلَى بلوغ غرضه من ذَلِكَ ؛ فإن الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها، فقالَ: إني أخاف الله رب العالمين.
وهذا أنفع الخلق لعباد الله، فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها.وقد روي أَنَّهُ ظل الله فِي الأرض ؛ لأن الخلق كلهم يستظلون بظله، فإذا عدل فيهم أظله الله فِي ظله)اهـ.وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم بتوقيره وإجلاله،)من أجلَّ سلطان الله أجله الله يوم القيامة) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
و دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)رواه مسلم.
- وجعل الله له دعوة مستجابة(ثلاثة لا يرد الله دعاءهم: الذاكر الله كثيرًا والمظلوم والإمام المقسط) رواه البيهقي، وحسنه الألباني.
- ورغبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء له، فقال (أَلا أُخْبِرُكم بِخِيارِ أُمَرَائِكُم وَشِرَارِهم؟ خيَارُهم: الذين تُحِبُّونَهم، ويُحِبُّونَكُم، وَتَدْعُونَ لَهُمْ ويَدْعُونَ لَكُمْ، وشِرَارُ أُمَرائِكم: الذين تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكم، وَتَلْعَنُونَهُمْ، ويَلْعَنُونَكُمْ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه كولاية رب الأسرة على بيته وولاية رئيس العمل على مرؤوسيه(أفاده ابن حجر بمعناه كما في فتح الباري)
ويفسر هذا ويؤيده قوله عليه الصلاة السلام: " إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا " رواه مسلم عن ابن عمر
حتى قالوا من لزمه الحكم بين اثنين فعدل بينهما كان ممن يظلهم الرحمن في ظل عرشه كما في الحديث (ما من أمير عشرة، إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور(.رواه أحمد وصححه الألباني
انتبه أيها الأب في البيت! ويا أيها الرئيس في القسم! ويا أيها الصاحب للعمل وتحته عمال! (ما من أمير عشرة...)
و(إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) رواه ابن حبان، وقال الألباني: حسن صحيح
صفات الإمام العادل:
أولا /هو الذي يشمل عدله كل الرعية ولا يختص بشخص أو بأسرة أو جماعة
قال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦) ص
وقال تعالى مخاطبا جموع المسلمين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥) النساء
وقدوته في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة أن قريشاً أهمّهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله، ومن يجترىء عليه إلا أسامة، فكلمه أسامة، فقال الرسول: أتشفع في حد من حدود الله، ثم خطب فقال: إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، فأمر النبي بقطع يدها.رواه البخاري ومسلم
بل وكان يقتص من نفسه فقد كان صلى الله عليه وسلم في بدر يعدل الصفوف ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، فرأى رجلاً اسمه سواد بن غزية، وقد خرج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه، وقال له: «استوِ يا سواد» فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله بخير.
- دخلت فاطمة بنت عبد الملك على زوجها عمر بن عبد العزيز وهو يبكي، فسألته عن سرِّ بكائه، فقال:
إني تَقَلَّدْتُ(توليت) من أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أسودها وأحمرها، فتفكرتُ في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري والمجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذوي العيال الكثيرة، والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمتُ أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة، فخشيتُ ألا تثبتَ لي حجة فبكيتُ.
ثانيا /حرصه على أموال المسلمين:
فهو مؤتمن عليها لا يمنع ويقتر على رعيته ولا يسرف إسرافا بينا فيما لا نفع فيه
طُلب من عمر بن عبد العزيز أن يأمر بكسوة الكعبة،كما جرت العادة بذلك كل عام، فقال: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة،فإنه أولى بذلك من البيت.
وترك عمر زينة الحياة الدنيا، ورفض كل مظاهر الملك التي كانت لمن قبله من الخلفاء، وأقام في بيت متواضع بدون حـرس ولا حجاب، ومنع نفسه التمتع بأمواله، وجعلها لفقراء المسلمين،
كما جرَّد زوجته فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان من حليها وجواهرها الثمينة، وطلب منها أن تعطيها لبيت المال، فقال لها:اختاري..إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت ومعك هذه الجواهر في بيت واحد، فأنت تعلمين من أين أتى أبوك بتلك الجواهر، فقالت: بل أختارك يا أمير المؤمنين عليها وعلى أضعافها لو كانت لي، فأمر عمر بتلك الجواهر فوضعت في بيت المال.
وبلغه أن أحد أولاده اشترى خاتمًا له فصٌّ بألف درهم، فكتب إليه يلومه، ويقول له: بِعه وأشبع بثمنه ألف جائع، واشترِ بدلاً منه خاتمًا من حديد، واكتب عليه: رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
وبعد فترة حكمه التي دامت تسعة وعشرين شهرًا، اشتد عليه المرض، فجاءه ابن عمه مسلمة بن عبد الملك، فقال له: يا أمير المؤمنين، ألا توصي لأولادك، فإنهم كثيرون، وقد أفقرتهم، ولم تترك لهم شيئًا؟!فقال عمر: وهل أملك شيئًا أوصي لهم به، أم تأمرني أن أعطيهم من مال المسلمين؟ والله لا أعطيهم حق أحد، وهم بين رجلين: إما أن يكونوا صالحين فالله يتولاهم، وإما غير صالحين فلا أدع لهم ما يستعينون به على معصية الله، وجمع أولاده، وأخذ ينظر إليهم، ؛ حتى ملئت عيناه بالدموع، ثم قال: يا بَنِي، إن أباكم خُيِّر بين أمرين: بين أن تستغنوا)أي تكونوا أغنياء) ويدخل أبوكم النار، وبين أن تفتقروا، ويدخل أبوكم الجنة، فاختار الجنة.. يا بَنِي، حفظكم الله ورزقكم، وقد تركتُ أمركم إلى الله وهو يتولى الصالحين.
ثالثا / يرد المظالم ويمنع وقوع الظلم وكل الناس عنده سواء
قال أبو بكر في أول خطاب له بعد مبايعته بالخلافة:
(أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لايدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قومٍ إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ماأطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله.)
وقصة عمر رضي الله عنه وجبلة بن الأيهم من الأمثلة التاريخية الهامة التى نستدل بها على عدم الهوادة عند الإمام العادل في تطبيق المساواة.
كان جبلة (آخر أمراء بني غسان وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت إمرة دولة الروم ثم مع انتشار الإسلام انضمت للمسلمين) أسلم وفرح عمر بإسلامه وقدومه، إلى المدينة،ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير الغساني لذلك- وهو حديث عهد بالإسلام- فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، فأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، فأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث، فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب بأنه قد ترفق كثيرا بهذا البدوي وأنه لولا حرمة البيت الحرام لقتله، فقال له عمر: لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقتص له منك.
قال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك.
فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما.
فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية.
فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم تُرضِ الرجل اقتصصت له منك.
فقال جبلة: إذا أتَنَصّر.
فقال عمر: إذا تنصرت ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك.
وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح الظلام، وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصرا.
وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعا حيا وليس مجرد كلمات توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة.
رابعا /صلاح الرعية وانتشار الأمن بينها:
- وقد جاء عن الإمام أحمد: " لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان؛ لأنه بصلاحه صلاح الأمة ". وقال سفيان الثوري -رحمه الله: " صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة: السلطان والعلماء
صفة الإمام العادل
كتـب عمر بن عبد العـزيز رضي اللـه عنه لما وليَ الخلافة إلى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل فكتب إليه الحسن رحمه اللـه:أعلم يا أمير المؤمنين أن اللـه جعل الإمام العادل قَوامَ كل مائل وقصـد كـل جائر، وصـلاح كل فاسـد، وقوة كل ضـعيف، ونَـصَـفَـةَ كل مظلوم، ومَفْزَعَ كل ملهوف.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع الهَلَكة، ويحميها من السباع، ويكنُّها من أذى الحَرّ والقُرَ.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته ويدّخر لهم بعد مماته.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البَرّة الرفيقة بولدها، حملته كُرْهاً ووضعته كرهاً، وربّته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتمّ بشكايته.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين، وصيّ اليتامى، وخازن المساكين، يربّي صغيرهم، ويُمَوِّنُ كبيرَهم.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين، هو القائم بين اللـه وبين عباده، يسمع كلام اللـه ويسمعهم، وينظر إلى اللـه ويريهم، وينقاد إلى اللـه ويقودهم.
فلا تكنْ يا أمير المؤمنين فيما ملكك اللـه عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وفرق ماله.......)الخ ما قال
حكم طلب المناصب:
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) رواه مسلم.
وحديث (لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) متفق عليه..
وسلفنا كانوا أزهد الناس في ذلك:
فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: (كان سعد في إبلٍ له وغنم فأتاه ابنه عمر فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب!!!
فلما انتهى إليه قال: يا أبت! أرضيتَ أن تكون أعرابياً في إبلك وغنمك والناس يتنازعون في الملك؟!
قال: فضرب سعدٌ صدر عمر وقال: اسكت يا بني فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)
وقال بعض السلف: ما أحب أحدٌ الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب، ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحداً عنده بخير
والعلماء على أنه يجوز طلب الإمارة إذا تعين ذلك على الإنسان، وعلم من نفسه أنه قادر على القيام بذلك،وخاصة إذا تولاها غيره فأفسد فيها أو ظلم وعدم وجود الكفء الذي يتحمل المسؤولية كما طلبها يوسف عليه الصلاة والسلام: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)يوسف:55
بل لو كان هناك ظالم أو خائن، ربما يأثم لو لم يتقدم لإنقاذ الأمر، لأنه يريد مصلحة المسلمين، لا مصلحته الشخصية
وأما قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74]
فقد قال العلماء معناها:واجعلنا أئمة يقتدى بنا من بعدنا، اجعلنا على درجة من العمل الصالح والخير حتى نكون قدوة للناس بأعمالنا، فهم لا يقولون للناس: يا أيها الناس! هلمُوا إلينا، قلدونا، اعملوا مثلنا.
وإنما يطلبون من الله، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً أئمة في الخير يقتدى بنا من بعدنا
تقدموا يا أصحاب الأيدي المتوضئة
نعم تقدموا لهذه المناصب التي شغلها المفسدون فأفسدوا وضيعوا وخربوا فإذا تولى المفسدون وتأخر المصلحون عن دورهم فهذا معناه دوام الفوضى في بلادنا
نسأل الله أن يولى أمورنا خيارنا وألا يولي أمورنا شرارنا
العدل مع الزوجة
وينبغي على الرجل أن يعدل في معاملته لزوجته وأن يعلم أن القوامة ليست هي ضرب الزوجة وإهانتها أو التضييق عليها أو الطلاق والتفريق بينها وبين أولادها
فكل هذا من الظلم الذي لايرضي الله
العدل مع الأولاد:
أجمع العلماء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية، فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخرين. لما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير أن أباه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: " أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال عليه الصلاة والسلام فأرجعه ". وفي لفظ لهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: فاتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم، قال فرجع فرد عطيته.
و التفضيل بين الأولاد يفضي كثيراً إلى التباغض وقطع الأرحام والعقوق، وقطع الرحم والعقوق محرمان، فما يؤدي إليهما يكون محرماً. و لا يجب على الوالد التسوية في النفقة والكسوة، بل الواجب الإنفاق على المحتاج كل فيما يخصه حسب كفايته وحاجته؛ لأنها إنما شرعت لدفع الحاجة، وهذا في الحاجة المعتادة، أما في الحاجة غير المعتادة فإنه يكون بالمعروف، فإذا زاد عن المعروف فلا يجوز.
و العدل بين الأولاد مطلوب حتى في الأمور غير المالية، والتي تدل على التفضيل كتقريب بعضهم في المجلس أو تخصيصه بالكلام من غير حاجة، أو تخصيص بعضهم فيما إذا كانوا صغاراً بالتقبيل، لما ينجم عن التفضيل من العداوة وقطيعة الرحم بينهم وبين والديهم.
مختارات