فوائد من تفسير الشيخ صالح المغامسى
آية
الفرق بين البأساء والضراء: قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّا وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة 214) الفرق بين البأساء والضراء البأساء: ما يُصيب الإنسان في غير ذاتهِ مثل: التهديد الأمني، الإخراج من الديار، نهب مالهِ، هذا كله يسمى بأساء. والضراء: ما يُصيب المرء في نفسهِ، مثل: الأمراض، والجراح، والقتل.
آية
كلمة (الفلك) في القرآن قال الله جل وعلا: (هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14) (الْفُلْكَ) هي السفن وقد جاءت في كتاب الله مذكرة ومؤنثة، وجاءت في كلام الله مذكرة ومؤنثة وبالاستقراء إذا ذكرها الله مفردة أراد بها السفينة بعينها واحدة تُذكّر، وإذا أراد الله بها جمع السفن تؤنث، أي أن كلمة (الْفُلْكَ) تطلق على المفرد وتطلق على الجمع، فإذا أراد الله بها مفردة جاء بها مذكر، وإذا أرادها جمعاً جاء بها مؤنثة... الدليل: قال الله جل وعلا في سورة يس: (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ**وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) (مِّن مِّثْلِ) الهاء في (مِّثْلِهِ) عائدة على الفلك والفلك هنا: سفينة نوح وقال جل وعلا في سورة البقرة: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ) فجاء بتاء التأنيث (تَجْرِي) الداخلة على الفعل المضارع لأن الفلك هنا جاءت على صيغة الجمع..
آية
فائدة فقهية قال الله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (النحل:5) {الأنعام} هنا هي بهيمة الأنعام وهي ثلاثة من حيث الجملة أربعة من حيث التفصيل؛ أما ثلاثة من حيث الجملة فهي: الإبل والبقر والغنم، وأما أربعة من حيث التفصيل فإن الغنم تنقسم إلى قسمين: ضأن ومعز، وهذا التفصيل ذكره الله في سورة الأنعام قال الله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ...} وقال بعدها: {وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ....} فهذه بهيمة الأنعام التي لا تجوز الأضاحي إلا بها ولا العقيقة إلا بها، فلا يجوز لأحد أن يضحي أو يهدي للبيت أو يعق إلا من بهيمة الأنعام..... لكن السؤال: ما الذي يجوز في الأضاحي ولا يجوز في العقيقة؟ هذه فائدة فقهية: الأضاحي يجوز فيها الاشتراك؛ يشترك سبعة في بدنة (جمل أو ناقة) ويشترك سبعة في بقرة فهذا يجزيء، لكن لا يجوز في العقيقة أن يشترك سبعة ولا أقل في البدنة ولا سبعة ولا أقل في البقرة.... هذه هو الفرق ما بين العقيقة والأضحية...
آية
الفعل (يهدي) قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213 هنا (يهدي) تعدت بحرف الجر (إلى) {وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} والله جل وعلا يقول في سورة الشورى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وقال في سورة الفاتحة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } غير متعدٍ بحرف جر..... والفرق بينهما: * أنهُ إذا كان الحديث عن نقل الناس من الظلمات إلى النور، أو من الكفر إلى الإيمان، أو من حالةٍ سيئة إلى حالةٍ حسنة، في هذه الحالة يتعدى الفعل (يهدي) بحرف الجر (إلى). * أما إذا كان المقصود من إمرار الفعل وذكرهِ الزيادة في الطاعة والزيادة في الهداية، فلا يتعدى بحرف جرٍ؛ إنما يتعدى بنفسهِ، ومنه قول الله جل وعلا: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} فلا يوجد حرف جر في الآية، لأن الذي يقرأها ويتلوها مؤمن إنما يُريد زيادة في الهداية، فالآية تتكلم عن فئةٍ تتلو القرآن وتُقيم الصلاة وتُريد الزيادة في الهداية.
آية
(لم) و(لما) قال جل وعلا: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّا وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) (لَمَّا) أختٌ لـ(لم) إلا أن الفرق بينهما: أن (لم) نفيٌ للشيء الذي لا يُترقب وقوعه، في حين أن (لمّا) نفيٌ لحصول الشيء الذي يُترقب وقوعه، فكون هذه الأمة ستُبتلى بالبأساء والضراء مما يُترقب وقوعهُ.
آية
الفعل (جعل) قال تعالى في سورة الزخرف: (حم *وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) هذه الآية تمسك بها المعتزلة بأن القرآن مخلوق إذ قالوا بأن: " جعل " بمعنى " خلق " واحتجوا بأن الله جل وعلا قال: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور) والمعنى: خلق الظلمات والنور، وهذا القول الذي ذهبوا إليه باطل من وجوه: وهو أنه قبل أن نشرع في بيانها نأخذ نظير لها ثم نطبق هذا النظير على هذه الآيات التي بيننا، ثمة أفعال لا يتضح معناها إلا من سياقها، فمثلا قال الله جل وعلا: (انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) وأخبر الله بهذا والمقصود به العين الباصرة، لأن الفعل " نظر " هنا تعدى بحرف جر، قال الله جل وعلا: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فالفعل " نظر ": * إذا تعدى بحرف الجر " إلى " المعنى منه النظر بالعين الباصرة، *وإذا تعدى بحرف الجر " في " فإن المقصود به التدبر والتأمل، يقول أحدكم: نظرت في أمري أي تفكرت فيه، ولو كان لا يرى بالعين في المعنويات، * وقال الله جل وعلا عن أهل النفاق أنهم يقولون يوم القيامة: (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ) فلم يتعدى الفعل هنا لا بحرف الجر لا بـ " إلى " ولا بـ " في "، فيصبح معناه " انظرونا " أي أمهلونا، من هنا نفهم أن الفعل أمهات الأفعال لا تعرف إلا في سياقها وما تعدت به، وكذلك الفعل " جعل " جاء في القرآن على أضرب عدة: * جاء بمعنى سمى قال الله جل وعلا: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً) أي سموا الملائكة إناثا، ويدل عليه قول الله جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى). *ويأتي بمعنى صير، منه قول الله جل وعلا حكاية عن القرشين في " ص ": (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً) فجاء الرب هنا بالفعل جعلومعلوم أن القرشين لا يقصدون بقولهم عن نبينا صلى الله عليه وسلم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً) أنه خلقها، وإنما قصدوا أنه صيرها ألها واحدا. * وجاء جعل في القرآن بمعنى خلق قال الله جل وعلا: (وَجَعَلَ مِنْهَا زوجها) أي وخلق. يتحرر من هذا وفق قواعد العرب، أن الفعل " جعل " إذا تعدى إلى مفعولين يكون بمعنى التصيير، وإذا تعدى إلى مفعول واحد يكون بمعنى الخلق، فقول الله جل وعلا هنا: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) تعدى إلى مفعولين فلا يكون بمعنى الخلق، فلا يصبح هناك حجة لمن زعم أن القرآن مخلوق، هذا إذا استصحبنا كذلك الأصل العظيم وهو أن الله جل وعلا أخبر في قرآنه في آيات غير معدودة في آيات عديدة أن هذا القرآن منزل من عند ربنا تبارك وتعالى.
آية
فائدة في التقديم والتأخير قال الله تعالى عن طعام أهل الجنة: (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) {الواقعة:21-20} قدم الفاكهة على اللحم ومعروف أن سنن الناس في طعامها أنهم يقدمون اللحم على الفاكهة، لكن الفرق بين الحالين أن أهل الدنيا إنما يأكلون في الأصل لسد الجوع، أما في جنات النعيم؛ فإن أهل الجنة لا يأكلون لسد الجوع وإنما يأكلون للتلذذ؛ لأن الجنة لا جوع فيها، فلا يأكلون لسد الجوع وإنما يأكلون للتفكه والتلذذ، فلما كان أكلهم الأصل فيه أنه للتلذذ والتفكه جعل الله جل وعلا الفاكهة مقدمة على عين الطعام قال تعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ). ونص ربنا وخص لحم الطير دون غيره؛ لأن الناس جرت أعرافهم وتقاليدهم على أنهم يأكلون من بهيمة الأنعام، ولحم الطير عزيز لا يناله كل أحد، إنما يحصل للملوك غالبا إذا نزهوا أو ذهبوا للصيد، فأخبر الله جل وعلا أن ذلك الشيء الممتنع في الدنيا عند البعض، إنما هو متاح للكل لمن دخل الجنة. وقفات مع آيات / سورة الواقعة
آية
التحريم في القرآن التحريم في القرآن على نوعين: تحريم شرع، وتحريم منع. فالثواب والعقاب يتعلق بتحريم الشرع: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) [النساء:23]، (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [المائدة:3]، (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) [الأنعام:119]، هذا الذي يتعلق به الثواب والعقاب. أما تحريم المنع فلا ثواب ولا عقاب عليه؛ لأنه أمر كوني قدري ليس أمرا شرعيا، قال الله جل وعلا: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) [القصص:12] أي: منعنا شفتيه من أن تقبل أثداء النساء، فالمعنى هنا تحريم منع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " أي: منع الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وليس معنى حرم بمعنى شَرَّع؛ لأن الأرض غير مكلفة بالاتفاق، لكن المقصود أن الله جل وعلا منعها أن تصل إلى أجساد الأنبياء، ومنه أيضا أن الله جل وعلا حرم على النار أن تأكل من ابن آدم مواضع السجود، رغم أنها تتسلط على بدنه كله، لكن النار تتسلط على بدنه كله بقدر الله، وتمتنع عن أعضاء السجود بقدر الله؛ لأن النار كلها مخلوقة من مخلوقات الله لا يمكن لها و لا لغيرها من المخلوقات أن يخرج عن مشيئته وقدرته جل وعلا طرفة عين ولا أقل من ذلك.
آية
القرآن مليء وغني باللطائف يقول لله جل وعلا (عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى(2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3) الإنسان إذا قرأ هذه الآية يقع في نفسه شيء من الالتباس..ما الالتباس أن لله يقول (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) فلماذا عبر القرآن في وصف عبد لله ابن أم مكتوم بالأعمى؟! كان بالإمكان أن يأتي قائل ويقول لماذا لم يقل الله مثلاً عبس وتولى أن جاءه صاحبه أن جاءه عبد الله ابن أم مكتوم أن جاءه السائل لماذا قال الله الأعمى مع أن الكفيف يتضجر إذا نادينها بالأعمى فلا بد أن يكون هناك عله خفية هذه مهمة العلماء والعلة الخفية هنا أن لله أراد أن يمدح عبد لله ابن أم مكتوم بهذا الوصف كيف يكون هذا مدح له؟؟ يكون إذا عرف القارئ أن هذا الذي اقتحم على النبي صلى لله عليه وسلم وهو يحاور صناديد قريش كان كفيف البصر وجد له عذراً فعبد الله ابن أم مكتوم الذي جعله يدخل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين صناديد قريش وهو يدعوهم للإيمان كونه لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منشغل بأولئك القوم فكان كونه كفيف البصر عذراً له بأن يقتحم على النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه وأخذ يلح ويطلب في السؤال فلهذا عبر الله جل وعلا بقوله (عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى(2) لأن الله قرر في كتابه أنه ليس على الأعمى حرج فيرتفع الحرج عن الأعمى فتكون كلمة الأعمى هنا منقبة في ذكرها لعبد لله ابن مكتوم رضي لله عنه
آية
يعدلون به ويعدلون عنه قال ربنا تبارك وتعالى مستفتحا سورة الأنعام: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) اختلف العلماء هنا في معنى كلمة (يعدل) فعلها الأصل الجذر (عدل)، (عدل) تأتي على معنيين: * إذا قلنا عدل عن الشيء أي مال عنه وانحرف، * وإذا قلنا عدل به أي ساواهُ بغيره.. إذا قلنا عدل عن الشيء يعني انحرف ومال، وإذا قلنا عدل به أصبح ساواه بغيرهِ وبنظيرهِ وبمثيلهِ أي جعله نداً ومثيلاً لغيره... فأي المعنيين أراد الله؟ أيُ المعنيين اخترت فهو صحيح لأن أهل الإشراك عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة غيره فهذا المعنى الأول، وعدلوا مع الله غيره أن جعلوا له شركاء وأندادا، فكلا الأمرين وقعا من أهل الإشراك، وتحرير الكلام علمياً: نأتي على كلمة (بِرَبِّهِم) فالباء هنا هل هي للإلصاق أو بمعنى (عن)؟ فإذا أخذنا أن عدل بمعنى انحرف ومال تُصبح بمعنى (عن) يصبح معنى الآية: ثم الذين كفروا عن ربهم يعدلون، وقد جاء في القرآن وفي كلام العرب أن الباء تأتي بمعنى (عن) جاء في القرآن في قوله جل وعلا في سورة المعارج: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) (المعارج:1) والمعنى: سأل سائل عن عذابٍ واقع فالباء هنا بمعنى (عن)، وجاء في لغة العرب قال عنترة - الشاعر الجاهلي المعروف - قال: هلاّ سألت الخيل يا ابنة مالكٍ */* إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي - ابنة مالك عبلة محبوبته ابنه عمه - جاهلةً خبر لكان، بما لم تعلمي أي: عمّا لم تعلمي أي بمعنى عن وهو الذي نبحث عنه الآن.. فـ (عدل) إذا قلنا أنها بمعنى مال وانحرف تصبح الباء بمعنى (عن).... * وإذا قلنا أن (عدل) بمعنى أن أهل الإشراك يجعلون مع الله نداً فتبقى الباء على أصلها.
آية
الفرق بين (المودة) و(المصاحبة) و(المعايشة) و(المداهنة) قال الله تعالى في سورة القلم: (فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون) قال الشيخ حفظه الله:والدُّهن إلى يومنا هذا يستخدم في تليين الأشياء، والمعنى: ود القرشيون ود خصومك من أهل الكفر لو أنك تلين فيلينوا، لكن يجب أن تحرر المسألة: هناك أربعة أمور: * مودة * ومصاحبة * ومعايشة * ومداهنة * المودة واجبة مع أهل الإيمان تحب المؤمن ويحبك * والمصاحبة تجوز مع الكافر الذي له حق كالوالدين (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * والمعايشة تجوز إذا كان للمسلمين مصلحة حتى مع أهل الكفر لكنها تتأكد في الأمور العامة، مثل أن اليهود إذا كانوا جيران للنبي صلى الله عليه وسلم ويبيع ويشتري منهم هذا يسمى معايشة ولم يكن هناك مودة بينه وبينهم _ معاذ الله ـ لكن هذا الوضع يسمى معايشة وهذا أحيانا تحتاجه خاصة إذا قدر لك أن تخرج إلى خارج البلاد كمن يطلب علما غير موجود هنا فيضطر إلى أن يعايش القوم وإن كانوا كفارا هذه تسمى معايشة. * أما المداهنة فهذه لا تجوز بأي حال من الأحوال وهي: التنازل عن أمر عقدي، ولأنه لا توجد مفسدة أعظم من مفسدة ترك العقيدة فلهذا المداهنة لا تجوز بأي حال من الأحوال قال الله جل وعلا لنبيه في سورة الإسراء: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) إذا ضممنا هذه الآية (آية الإسراء) مع آية القلم علمنا قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلن ولم يداهن ولم يركن لأن الله جل وعلا ثبته...
آية
مقارنة بين آيات الصيام وآيات الحج في سورة البقرة قال الله جل وعلا وهو أصدق القائلين: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة:197) ومعنى الآية: وقت الحج أشهرٌ معلومات، تلحظ أن الله جل وعلا هنا لم يذكر لنا ما هي أشهُر الحج واكتفى بقولهِ جل شأنهُ: (أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) جمع معلومة أي معروفة لا يكاد يجهلها أحد.... في حين أن الله جل وعلا لما ذكر الصيام قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) ثم قال بعدها بآيات قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ) لماذا عين؟ هنالم يقل: شهر شوال شهر ذو القعدة شهرُ ذو الحجة لأن رمضان لم يكُن معروفاً آنذاك بأن يُصام فالعربُ لا تعرفُ صيام رمضان في الجاهلية لكن العرب في الجاهلية تعرف الحج وكانت تحج وتعتمر لكن كانت لهم شركيات مع أصل حجهم الذي أخذوه إرثاً عن إبراهيم عليه السلام، فقول الله جل وعلا: (أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) يُحيل إلى شيءٍ معروف في الذهن...
آية
وقفة لغوية مع معاني السعي في القرآن قال تعالى في سورة البقرة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) البقرة (204-209) حقيقة السعي: المشي الحثيث، ومن هنا سُمي المشي بين الصفا والمروة سعيا لأنه مشي حثيث، هذا حقيقة الكلمة وأصلها، ثم إن الفعل (سعى) يُستخدم في اللغة بحسب تعبير القرآن وتعبير اللغة في أمور عدة منها ما يلي: • يطلق السعي على كسب الإنسان وعمله، قال ربنا جل جلاله: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا) أي قام بالعمل والكسب الذي يؤدي الآخرة، (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا) هذا دليل على أن السعي يكون بمعنى الكسب والعمل. • كما يأتي السعي بمعنى الإصلاح بين الناس ورفع الإضرار، قال عمرو بن كلثوم: وأنا منا الساعي كُليبٌ... ومقصوده بالساعي كليب أن كليبا كان يصلح بين الناس، أن كليبا كان يسعى في الصلح بين الناس ورفع الإضرار عنهم. • كما يأتي السعي بمعنى العزم على تحصيل الشيء، ومنه قوله تعالى في حق فرعون: (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى) أي يعزم على تحقيق مراده.
آية
في قول الله جل وعلا: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54) تحرير معنى الضعف ومعنى القوة والشيبة في هذه الآية الكريمة وابتداءً نقول أن الله تبارك وتعالى خلق خلقه أطوارا وصرفهم جل وعلا كيفما شاء عزه واقتدارا أما معنى الآيات فيجب التنبه إلى ما يلي:يقول الله جل وعلا (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم) أي الله الذي يستحق منكم العبادة، أوجدكم معشر الإنسان من ضعف ؛ضعف هنا بمعنى: من أصل ضعيف وهو النطفة أو التراب إذا قلنا على تأويل المصدر باسم فاعل، والضعف عقلا ونقلا هو خلاف القوة (ثُمَّ): وهي للتراخي في الزمان (جَعَلَ):أي خلق، لأنه عُدّي لمفعول واحد (مِن بَعْدِ ضَعْفٍ): المقصود هو أن الضعف هنا غير الضعف الأول الموجود في قوله جل وعلا: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ) فليست المسألة مسألة تكرير ؛ هذا الضعف الآخر ليس الضعف الذي قلنا في الأول عنه بأنه من النطفة والتراب لكنّه الضعف الموجود في الجنين والطفل يقول الله جل وعلا: (مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) القوة هي القوة التي تجعل للطفل من التحرك ودفعه الأذى عن نفسه بالبكاء وأمثاله ونحوه، ثم قال ربنا: (قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ) وقوه هنا تختلف عن القوه المذكورة قبل قليل... (ثُمّ)َ للتراخي في الزمان (جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ) أي قوة أخرى هي التي بعد البلوغ وهي قوة الشباب (ضَعْفاً) وهذا الضعف - أيها المبارك - ضعف آخر وهو ضعف الشيخوخة والكبر، ثم قال جل وعلا: (وَشَيْبَةً) أي شيبة الهرم والشيب والمشيب بياض الشعر ويدل على أن كل واحد من:قوله(ضَعْفٍ) وقوله(قُوَّةً) إشارة إلى حاله غير الحالة الأولى ذكره مُنَكَرَا ؛ والمََُنَكر. -أيها المباركون - متى أُعيد ذكره معرفا أًريد به ما تقدم كقولك: رأيت رجلا فقال لي الرجل كذا. ومتى أعيد مَُنَكر كما هو سياق القران في هذه الآية أُريد به غير الأول ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله جل شأنه: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قال رضي الله عنهما ":لن يغلب عسر يسرين " هكذا حققه الإمام الراغب وتبعه أجلاء المفسرين، وهو الموافق للقاعدة المشهورة عند العلماء التي نظمها السيوطي رحمه الله في عقود الجمان يقول: ثم من القواعد المشتهرة
----------------
إذا أتت نكره مكرره تغايرت وان يعرّف ثاني *** توافقا كذا المعرفان فهذه القاعدة إجمال لما بينّاه من قبل ولما حررناه آنفا من أن الضعف المكرر في الآية بأنه كرر مع الإبقاء على التنكير فالضعف الأول:هو ضعف التراب والنطفة والضعف الثاني:هو ضعف الإنسان وهو الجنين في بطن أمه والضعف الذي بعد ذلك الذي يعقب القوة هو ضعف الشيبة والكبر كما أن القوه في الأول هي قوه الطفل وقدرته في المراحل الأولى من حياته على دفع الأذى عن نفسه. أما في الثانية فإنها قوه الشباب والبلوغ على هذا يتضح أن تنقُل الإنسان في أطوار الخلق حال بعد حال من ضعف إلى قوه ثم من قوة إلى ضعف دليل على قدرة الخالق الفعّال لما يشاء الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولا يعجزه أن يعيدكم مرة أخرى ولهذا ناسب جل وعلا أن يقول بعد ذلك: " يَخْلُقُ " أي سبحانه وتعالى " مَا يَشَاءُ " أي " يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ " تبارك وتعالى ولا ملزم عليه من ضعف وقوه وشباب أن يخلق الأشياء كلها التي من جملتها الضعف والقوة والشباب فليس هذا كله طبعا بل بمشيئة الله سبحانه وتعالى " وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ " أي انه العليم بتدبير خلقه، القدير على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء أراده.
آية
الغرض من آيات السؤال في القرآن السؤال في القرآن يأتي دائما بحسب سائله، ولما كان السائلون يختلفون كان لابد أن يكون الغرض من السؤال يختلف بحسب سائله... * فلما سألت اليهود عن الروح هذا سؤال للتعنت، وهذا أول مقاصد السؤال، سؤال تعنت وهو سؤال اليهود مثل قوله تعالى في سورة الإسراء: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) هذا للتعنت لأن السائلين هنا هم اليهود. * وسؤال للاحتجاج وهو سؤال أهل الإشراك مثل قول الله جل وعلا في سورة البقرة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيه) فإذا انتهينا من أسئلة اليهود وأسئلة أهل الإشراك لم يبقى إلا أسئلة أهل الإيمان.... * وأهل الإيمان يسألون للاسترشاد؛ حتى يكونوا على بينة من أمرهم عندما يأتيهم الجواب الإلهي مثل فول الله جل وعلا فس سورة البقرة: (يَسْأَلُونَكَ مَاذا يُنفقُون)وقوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر) وقوله جل وعلا: (ويسألونك عن المحيض) فهذه أسئلة المؤمنين الذين كانوا يحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فهذه أسئلة للاسترشاد.
آية
التغاير في الصفات لا في الذوات من كان يستوعب التفسير كاملا يدخل عليه إشكال يجب الرد عليه أين الإشكال؟ أننا قلنا في قول الله تعالى في سور كثيرة مثل قول الله جل وعلا: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قلنا إن تكرار اليسر نكرة مرتين يدل على أن اليسر الثاني خلاف اليسر الأول، وأنتم تقولون إن النكرة إذا تكررت تغايرت، ثم من القواعد المشتهرة كما قال السيوطي في منظومته أن النكرة إذا تكررت تغايرت. فنقول فهو يقول على هذا تصبح - على المعنى هذا - آية الزخرف: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) أن هناك إلهين وفق القاعدة، لكن نقول لا يلزم من هذا أبداً أولاً: لوجود الأصل نعم أن الله إلهٌ واحد. والأمر الثاني: القواعد تقول أن هذا تغيرُ في الصفات لا في الذوات، فالذات واحدة هي ذات الله، من صفاته أنه يعبدهُ أهل السماء ومن صفاته الأُخر أنه يعبدهُ أهل الأرض، فيُفرق ما بين التغيير في الذوات والتغيير في الصفات.. قال ربُنا يثني على نفسه: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى1) ثم قال: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (الأعلى2) وقال: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى3) فليست (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) صفةٌ لغير الله إنما هي صفةٌ أخرى لله فالعطف بالواو يقتضي المغايرة لكن هذه المغايرة في الصفات وليست في الذات، ويحتاط المرء عندما يفهم أن التغاير يكون في الصفات لا يكون التغاير في الذوات....
آية
(لولا) و(لو ما) (لو) إذا اتبعت بالنفي فأصبحت (لولا) أو(لو ما): * إذا جاء بعدها الفعل المضارع فإنه يقصد بها الحث أو الحض على الشيء كقوله تعالى: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ} (الحجر6-7) وقوله جل وعلا: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} (الأنعام:Cool *وإذا جاء بعدها الفعل الماضي غالباً فإنما يراد بها التوبيخ كقول الله تبارك وتعالى:{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً} (الأحقاف28) وقول الله جل وعلا: {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} (النور:13) فهذا كله باب توبيخ
آية
معاني الضلال في القرآن يأتي (الضلال) في القرآن على ثلاثة معاني: * الضلال بمعنى الكفر فيكون ضد الهداية والإيمان وهذا أكثر استعمال القرآن لهذا اللفظ * ويأتي بمعنى الاضمحلال والذهاب قال الله جل وعلا: (ألم يجعل كيدهم في تضليل) وقال الله على لسان القرشيين: (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض) أي ذهبنا فيها. * ويأتي بمعنى التوقف وعدم إصابة عين الشيء وهو المقصود في قوله تعالى في سورة الضحى: (ووجدك ضالاً فهدى).
آية
الفرق بين اللعب واللهو قال الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأنعام32 اللعب ما يشتغل به المرء ويعلم أن لا عاقبة له كلعب الصبيان فالصبيان يلعبون وهم يعلمون أنه ليس وراء هذا عاقبة، أما اللهو فهو الاشتغال بما لا ينفع عما ينفع، وهما متقاربان لكن اللهو فيما يبدو أعم.
آية
الفرق بين الإسراف والتبذير قال الله جل وعلا في سورة الإسراء: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27)} الإسراف: الزيادة في الإنفاق أو البذل في الشيء الذي له أصل، أي أن الشيء في أصله يكون صوابا فإذا زدت فيه عن حده سمي إسرافاً. أما التبذير: هو الإنفاق أو البذل في شيء لا أصل له، أي أن الشيء في أصله باطل والتبذير أعظم من الإسراف ولهذا قال الله جل وعلا: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31)، وقال في حق التبذير: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (الإسراء:27)
آية
قول الله (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) قال الله (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) والاسم الآخر ما هو؟ مكة، فهل بكة ومكة بمعنى واحد أو مختلف؟ قال بعض العلماء إن الباء والميم في اللغة كثيرة الإبدال بعضها عن بعض، يقولون هذا طين لازب وطين لازم، والمعنى واحد، على هذا القول يصبح بكة ومكة معنى واحد يصبح الباء والميم بينهما بدل. القول الثاني: إن بكة المقصود بها الحرم المسجد نفسه ومكة المقصود بها الحرم كله، هذا قول لكن القولين لا يمكن تنافي بينهما ولا يتعلق بهما كبير اختلاف
آية
كلمة (زوج) في اللغة قال الله جل وعلا في سورة الأنعام: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) كلمة (زوج) في اللغة تُطلق على الفرد الذي هو متعلقٌ بغيره، ولا يُقصد بالزوج التثنية، فقول الله جل وعلا: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) ليس المقصود منه أن العدد ستة عشر، ر الإشكال يأتي عند فهم هذه الآية أن الناس عندما يقرأون أو يُتلى عليهم صدرُها (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) ينتظرون بعد ذلك أن يكون العدد ستة عشر فالله جل وعلا يقول: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) (النجم45) فيفهم الناس أنها أربعة لكن قال جل وعلا بعدها: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) (النجم45) فالذكر لوحده لارتباطه بالأنثى يُقال لهُ زوج والأنثى لوحدها لارتباطها بالذكر يُقال لها زوج فتحصل من هذا زوجين مع أن العدد كلهُ اثنان.... فالإبل يُقال للجمل زوج لأنه لابُد له من ناقة والناقة يُقال لها زوج لأنها لابُد لها من جمل.... هذا مهم في العبور إلى فهم الآية...
آية
من الفوائد الفقهية قال الله جل وعلا: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأنعام: 145) معنى دم مسفوح: أي دم مُهراق.... لكن نقول: وردت كلمة (الدم) في اصطلاح الفقهاء ويعبرون بها عن الذبح، فمثلاً: يقولون لمن ترك واجبا في الحج: عليك دم، هذا الاصطلاح يمكن تقسيم ما يؤكل منه وما لا يؤكل منه إلى قسمين: أولا: دماء يجوز بل يُستحب الأكل منها - حتى لا نُلزمك (يجوز) هذه حتى تعرف أنها ليست ملزمة - فيُستحب الأكل منها، مثل: ذبائح ذبحها الإنسان مثل الأضحية، العقيقة، هدي القران، وهدي التمتع، ومن باب أولى هدي التطوع، هذا الدم الذي يجوز الأكل منه. ثانياً: الدماء التي لا يجوز الأكل منها: دم ترك الواجب ودم فعل المحظور، والعلة في ذلك: أنها تجري مجرى الكفارات.... الدماء التي لا يؤكل منها دم ترك الواجب ودم فعل المحظور، الفرق بينهما في الوجوب: * أن دم ترك الواجب لا يجوز الانتقال منه إلى غيره إلا إذا لم تجد. * أما دم فعل المحظور فأنت مكلف به على التخيير لا على الوجوب. نأتي بمثال: إنسان أحرم من غير ميقاته: أنا من المدينة ميقاتنا ذو الحليفة تجاوزتها عمدا أو نسيانا ولم أستطع أن أعود إليها فأنا تركت واجبا أي أنني لم أحرم من ميقاتي، ترك الواجب هنا يترتب عليه دم، هذا الدم لا خيار لي عنه فإن عجزت لقلة مادة انتقلت إلى صيام عشرة أيام أخذها العلماء من هدي التمتع... ولكن إن أحرمت من ذي الحليفة فأنا لم أترك واجبا لكنني في الطريق اشتكيت من صداع في رأسي فوضعت على رأسي غطاء فغطاء الرأس محظور من محظورات الإحرام هنا لا نقول أنه يجب عليك لزاما دم وإنما نقول أن الدم واحد من خيارات ثلاث: الخيار الأول: الدم. الخيار الثاني: الصيام ثلاثة أيام. والخيار الثالث: إطعام ست مساكين. فظهر هناك فرق جلي مابين الدم الذي ينجم عن ترك واجب والدم الذي ينجم عن فعل محظور...
آية
من أغراض ضرب الأمثال في القرآن قال الله جل وعلا: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} (الرعد:17) ضرب المثل أسلوب قرآني ثابت وله عدة أغراض، من أغراض ضرب المثل: الترغيب: ومنه قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) فهذا مثل ضربه الله الغرض منه الترغيب. وقد يكون بالعكس: للتنفير: كقول الله جل وعلا بعدها: (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ). وقد يكون السبب في ضرب المثل: المدح: كقول الله جل وعلا في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: (...وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ...) فهذا كله ضرب مثل أراد الله به مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد يكون تبيينا للحق: كما هو في آية الرعد: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ}
آية
(رُبَّ) للتقليل...إشكال قال الله جل وعلا: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ}(الحجر:2) الراجح من أقوال العلماء في الآية أن هذا يقع عند خروج عصاة المؤمنين من النار، على أنه أشكل على العلماء أنها جاءت للتقليل لأن (رُبَّ) الأصل أنها لا تدخل على الأفعال والعرب تقول في أمثالها: [رُبّ أخ لك لم تلده أمك]، ويقولون غير ذلك مما يدل على أن (رُبَّ) تختص بالدخول على الأسماء لكن الذي أدخلها على الفعل هنا وجود (ما)، فصل ما بين الفعل وبين (رُبَّ) بـ(ما) فجاز دخولها على الأفعال لكنها عموما لا يخرجها هذا عن كونها تفيد التقليل، فأجاب العلماء عن هذا الإشكال: أنها تقع هنا للتقليل أن العذاب عياذا بالله يلهيهم عن أنهم يودوا أن يكونوا مسلمين، يلهيهم عن القول بتعبير أصح أو أفصح، الانشغال بالعذاب يلهيهم عن كثرة القول أنهم يودوا لوكانوا مسلمين أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله....
آية
معاني كلمة (مولى) قال الله تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }(الأنعام62) المولى في اللغة تُطلق على أربعة أو أكثر: • تُطلق على السيد، فتقول للغلام: أين مولاك؟ • وُتطلق على العبد إذا أعتق فيصبح ولاؤه لسيده، فيُقال له: مولى بني فلان، أي أن ولاءه لهم، كان عبدًا عندهم ثم أعتق، • وتُطلق على النصير والظهير، ودليلها من القرآن: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) (محمد: 11)، أي أن الله نصير وظهير للمؤمنين، والكافرين ليس لهم ظهير ولا نصير. • وتُطلق على الرب جل جلاله، ودليلها من القرآن: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام: 62)، فمولاهم هنا بمعنى ربهم، ليست بمعنى نصيرهم لأن الله ليس نصيرا ولا ظهيرا للكفار.
آية
(كل) هنا لا تعني العموم قال الله تعالى في سورة النحل: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} (كل) هنا لا تعني العموم؛ لأن النحل لا يأكل من كل الثمرات وإنما من كل شيء يحسن الأكل منه ونظيره في القرآن: * قوله جل وعلا: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} والريح لم تدمر كل شيء لأن الله قال بعدها: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فأثبت جل وعلا المساكن رغم أنه قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}... * وقال جل وعلا عن بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} ومعلوم أن بلقيس لم تعط كل شيء وإنما المقصود أعطيت كل شيء يُعطاه الملوك عادةً وإلا ما كان عندها من الملك كما عند سليمان...
آية
المكي والمدني القرآن يقسم إلى قرآن مكي وقرآن مدني: ويقصدون بالقرآن المكي على أرجح الأقوال: السور والآيات التي نزلت قبل الهجرة، ويقصدون بالقرآن المدني: السور التي نزلت بعد الهجرة، ولا عبرة وفق هذا الاختيار بموطن النزول، فالعبرة بالتاريخ ما كان قبل الهجرة يسمى قرآناً مكياً وما كان بعد الهجرة يسمى قرآناً مدنياً بصرف النظر أين نزل، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلام في فتح مكة - وفتح مكة قطعاً بعد الهجرة - دخل الكعبة فصلى فيها ركعتين وهو خارج منها ابتدره علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه يطالبه بسدانة البيت لأن السقاية كانت في بني عبد المطلب والسدانة كانت في بني شيبة، فقبل أن يخرج من الباب - والكعبة في مكة بالاتفاق - أخذ صلى الله عليه وسلم بعضدتي الباب اليمنى واليسرى الآن ما خرج من الكعبة فأنزل الله جل وعلا عليه قوله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء58) فقال صلى الله عليه وسلم: (أين عثمان بن أبي طلحة؟) قال: أنا هنا يا رسول الله فأعطاه مفتاح الكعبة وقال: (خذوها يا بني شيبة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم) فهي فيهم إلى اليوم....
آية
معاني (الضرب) في القرآن قال الله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ}(الزخرف:5) كلمة (الضرب) في اللُغة تأتي بمعنى النوع والصنف، وتأتي في اللُغة بمعنى الرجُل الخفيف القليل اللحم. أما في القرآن فقد ورد (الضربُ) على معانٍ منها: • السيرُ في الأرض: مثل قوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } (النساء:101)، وقوله جل شأنه: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ} (البقرة:273) أي سيراً في الأرض، وغيرها. • وتأتي (الضرب) بمعنى الإيذاء ويكون في القرآن على نوعين: - ضربٌ بالسيف مثل قوله تعالى: (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:12) واضح أنها بالسيف، - ويكونُ بالسوط أو بالشيء اليسير أو باليد ومنهُ قول الله تعالى في تأديب النساء: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (النساء:34). • وتأتي (ضرب) في القرآن بمعنى الإلصاق واللزوم قال الله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) (آل عمران:112) وقال جل ذكرهُ: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (الكهف11). • وتأتي بمعنى الإعراض مثل الآية التي معنا: (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ) أي أفنُعرض والمقصودُ من الآية أن القُرشيين أسرفوا على أنفُسهم في الذنوب وردوُا كلام الله وكلام رسُولهِ فالله جل وعلا يقول لهم إنّ إعراضكُم ليس مسوغاً أن نترُك إنذاركُم....
آية
معاني كلمة (أم) في القرآن قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الزخرف:4) أم الكتاب هنا هي اللوح المحفوظ، وبعضُ أهل العلم يقول إنّ ما في أم الكتاب لا يقبل التبديل وهذا حق الذي في أم الكتاب في اللوح المحفوظ لا يقبل التبديل أمّا المكتوب بيد الملائكة فرُبما أصابهُ بعضُ التبديل قال الله تعالى: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد39)... (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ) فيما بين يدي الملائكة (وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) أي اللوح المحفوظ. الأُم في اللُغة إزاء الأب، ويُطلقُ في حقيقتهِ على الوالدة التي ولدت ثم انتقل إلى إطلاقها على أكثر من ذلك؛ فتُطلق على الوالدة القريبة وهي أُمك مُباشرةً، وعلى الأُم البعيدة وهي مثل الجدات ولهذا يُقال عن حواء أنها أُمنا لأنها ولدتنا أجمعين وإن كانت ولادة غير مُباشرة بعضُ اللغويين كالخليل بنُ أحمد يقول إن الأُم: كُل شيءٍ ضُمّ إليهِ ما حولهُ فهو أم..... أمّا كلمة (أم) في القرآن فوردت على معانٍ عدة نذكرُ بعضاً منها: * وردت بمعنى الأُم التي ولدت ومنهُ قول الله تعالى: (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ) (طه:40) ولا ريب أن أُم موسى هي التي ولدته. * ورد في القرآن الأُم بمعنى أصلُ الشيء قال الله تبارك وتعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) (آل عمران:7) أي أصلُ الكتاب. * وجاءت بمعنى المآل قال الله تعالى: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) (القارعة:9) أي منقلبهُ إلى الهاوية. * وجاءت بمعنى الظئر الظئر هي المُرضع قال الله جل وعلا: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء:23) ليس أُمك التي ولدتك وإن الأُم الظئر هنا المُرضعة. * وجاءت الأُم مقصُود بها مكة قال الله جل وعلا: (لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى) (الشورى:7). * وأُم الكتاب هي الفاتحة. * وأُطلق ذلك كالك على أُمهات المؤمنين اللاتي هُنّ أزواجُ نبيُنا صلى الله عليه وسلم. هذا معنى كلمة أُم في اللُغة على وجه التوسع..
آية
تقديم الوصية على الدين قال الله تعالى في آيات المواريث: (مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (النساء:12) باتفاق الفقهاء لو أن رجلاً مات وترك مالاً وكتب وصية وعليه دين، أيهما يقدم؟ الدين بالاتفاق... والله قدم هنا الوصية، لمَ قدم الله الوصية؟ قدم الله الوصية للاهتمام بها؛ لأن الدين يأتي أهله يطالبون به فلا خوف عليه، أما الوصية فإن الفقراء لا يدرون أن الميت أوصى لهم فيحذر الله القائم على المال أن يُهمل الوصية فقدم الله الوصية هنا للاهتمام بها... الدورة العلمية الرابعة بمسجد المنارة بدبي / تأملات قرآنية الفائدة الثانية والثلاثون فائدة أخرى في التقديم والتأخير قال الله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (النحل5-6) أيهما أسبق زمناً أن تسرح أو أن تروح؟ أن تسرح ثم تروح تعود إلى المراح، لكن قدم الله هنا الرواح على السروح، لماذا قدم الرواح على السروح؟ لأن عودتها وقد أكلت وشبعت وامتلأت أبهى في العين من ذهابها وهي جائعة، أبهى وأجمل في العين من منظرها وهي ذاهبة، وفي كل جمال، لكن قدم الله ما هو أشد وإن تأخر زمنا؛ لأن الله هنا يتكلم عن الجمال فقدم ما هو أبهى وأجمل في العين....
آية
معاني كلمة (أمة) في القرآن قال الله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (هود:Cool كلمة (أمة) في القرآن وردت على عدة معان: ـ وردت بمعنى الزمن والوقت كما في هذه الآية وفي قوله جل وعلا في يوسف: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) (يوسف:45) أي بعد زمن بعد مرحلة... ـ وتأتي بمعنى الرجل المقتدى به قال الله جل وعلا: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (النحل:120). ـ وتأتي بمعنى الجماعة من الناس رجالاً و نساء قال الله: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً) (النحل:36) فـ (أمة) هنا الجماعة من الناس الرجال مع النساء. ـ وتأتي بعنى الجماعة من الرجال دون النساء قال الله جل وعلا عن موسى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) (القصص:23) أي رجال يسقون (وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ) ـ وتأتي بمعنى الملة والدين قال الله: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) (الزخرف:22).... وتأتي على غير ذلك لكن هذا ما ورد ذكره في القرآن...
آية
معاني الفعل (استوى) في القرآن قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:29) الفعل (استوى) جاء في القرآن على ثلاثة أحوال: - جاء لازماً غير متعدي، - وجاء متعدياً بحرف وهذا يكون: * إما بحرف الجر (على) * أو بحرف الجر (إلى). وفي كل حالة له معنى: - قال الله جل وعلا عن كليمه موسى في سورة القصص: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) إذا جاء (استوى) وليس بعده شيء - أي لازم غير متعدي - فمعناه: الكمال والتمام، أي: موسى هنا تمت وكمل عقله ورجولته. هذا إذا لم يتعدى بشيء، - الحالة الثانية التي تنقسم إلى قسمين، إذا تعدى بحرف، قال الله جل وعلا في سبع مواضع من القرآن (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، فتعدى بحرف الجر (على)، إذا تعدى بحرف الجر (على) يصبح معناه العلو والارتفاع، (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) وإذا تعدى بحرف الجر (إلى) يصبح معناه القصد، يعني قصد من شيء إلى شيء آخر، وهو الذي في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ).
آية
لا تعارض بين الآيتين قال الله تعالى في سورة الأنعام: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24) الذين يقولون: (وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) هم أهل الشرك، وهذا منهم كذب لأنهم كانوا مشركين... كيف يجمع الإنسان ما بين هذه الآية وما بين قول الله جل وعلا: (وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً) (النساء42)؟ فقول الله جل وعلا: (وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً) يعني أنهم يُخبرون بكل شيءٍ فعلوه على وجه الحقيقة والصدق والله يقول هنا أنهم يقولون: (وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) وهذا كذب لأن الله أصلاً قال بعدها: (انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)، هنا طُرح هذا السؤال على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال رضي الله عنه وأرضاه في الجواب عن هذا: " إن أهل الإشراك إذا رأوا منّة الله بالعفو على أهل التوحيد والإسلام ورأوا أن الله يعفو ويخُلِّص أهل التوحيد يقول بعضهم لبعض: لم يبق إلا أن نتبرأ من الشرك لعلّه يُعفى عنّا كما عُفي عن غيرنا عندها يقولون: (وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم الله على أفواههم بعدها فتنطق جوارحهم وتشهد فهذا معنى قول الله: (وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً).... إذاً جعلها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على مرحلتين: المرحلة الأولى: يعاين أهل الإشراك منَّة الله على أهل التوحيد بالعفو فيقول بعضهم لبعض إن الشرك حال بيننا وبين العفو فتعالوا نقول لم نكن مشركين فيحلفون (وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) وفي هذا كذبٌ على أنفسهم لذلك قال الله: (انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) وهذا من باب التعجب... المرحلة الثانية: بعد ذلك قلنا يُختم على أفواههم فتشهد جوارحهم فهذا معنى قول الله: (وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً).
آية
شتان ما بين الأمرين قال الله جل وعلا: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة34) قال شيخنا خفظه الله معلثا على هذه الآية الكريمة: والآن انظر كيف أن النوايا لها أثرها على الأعمال: الله يقول في سورة الكهف: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ)، وقال في سورة ص: (مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ) هنا قال في سورة البقرة: (أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)، والمقصود من ذلك جملة أن إبليس امتنع... والله جل وعلا أخبر في خاتمة الأحداث أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فقال ربنا - وهو أصدق القائلين - قال: (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا) من الذين أبين أن يحملنها؟ السماوات والأرض والجبال، ومع ذلك لم يأتي تثريب عليها، وجاء التثريب كله على إبليس... والفرق من وجهين: الوجه الأول: أن الأمر للملائكة بالسجود لآدم - وكان إبليس معهم - كان فرضا، أما مسألة الأمانة على السموات والأرض والجبال فكانت عرضا، وشتان بين الفرض والعرض. الأمر الثاني: الذي يجب التنبه إليه أن إبليس امتنع وأبى استكبارا، أما السماوات والأرض فإنها امتنعت استصغارا، أي إبليس امتنع لأنه يرى أنه أكبر من هذا الأمر، ولهذا قال الله: (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ) وأما السماوات والأرض والجبال فإن الله قال: (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) فقوله تبارك أسماؤه وجل ثناؤه: (وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) قرينة على أن امتناعهم كان استصغارا أي أنهم رأوا في أنفسهم أنهم أقل شأنا من أن يقبلوا ذلك العرض...
آية
الباء السببية وباء العوض قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:43) يقول الله جل وعلا: (أورثتموها) أي الجنة (بما كنتم تعملون) هذه الباء سببية؛ أي أن أعمالكم سبب في دخول الجنة وإلا الأعمال لا يمكن أن تكون عوضا عن الجنة لأن الجنة أكبر من أعمالنا، لكن قال بعض العلماء من السلف كلمه جميلة في هذا الباب قالوا: إن المؤمنين ينجون من النار بعفو الله ويدخلون الجنة برحمة الله ويرثون منازل غيرهم بأعمالهم الصالحة. والله تبارك وتعالى لما ذكر أهل الجنة قال: (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وجاء في خبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة أحد بعمله "، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتداركني الله برحمته " فنجم عن هذا نفي وإثبات، لكن المثبت في القرآن غير المنفي في السنة، فالمثبت في القرآن باء السبب والمنفي في السنة باء العوض وباء السبب هي المثبتة في الآية: (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أي بسبب أعمالكم أما المنفي في الحديث فهي باء العوض أي ليست أعمالنا عوضا عن دخول الجنة، فالجنة عطية هي أكبر من أعمالنا قطعا....
آية
الفعل (اتخذ) قال الله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ}(البقرة:51) وقال جل شأنه: {وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ}(البقرة:92) (اتخذ) فعل يتعدى إلى مفعولين (اتخذتم) فعل وفاعل و(العجل) مفعول بهِ أول لكن أين المفعول بهِ الثاني؟ لم يذكُره الله لكن معلومٌ لكُل أحد من سياق الآيات في البقرةِ وطه وغيرهما أنهم اتخذوا العجل إلهاً يعبد من دون الله. من طرائق القرآن في التشنيع عدم ذكر الشيء لعظمتهِ وشناعتهِ إذ لا يُتصوّرُ عقلاً حتى يقع لفظاً. فالله لم يذكُر في القرآن: واتخذتُم العجل إلهاً إذ لا يُتصورُ أن أحداً يعبد العجل بعد أن عرف الله.... ولهذا لم يأتي المفعول الثاني لـ (اتخذ) هنا ظاهراً وإنما أُضمر لبيان الشناعة في اتخاذ الجل إلهاً....
آية
(لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) قال الله جل وعلا: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}(البقرة255) (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) من الأسئلة التي تأتي على الذهن عندما يقرأ المؤمن هذه الآية ويكثر السؤال عنها أنهم يقولون: ما كان هناك من حاجة إلى أن يُنفى النوم، ويكفي أن يقال: لا تأخذه سنة، لأن إذا ثبت أن الله لا تأخذه سنة - هذا في السؤال - فمن باب أولى أن لا يأخذه نوم، وهذا سؤال أو اعتراض في غير محله، والدليل أنه اعتراض في غير محله: * أنه قد يأتي النوم من غير سِنة، أنه قد يأتي النوم أحيانا جملة واحدة على الفرد من غير سِنة، فيقع في النوم من غير سنة، فلهذا جاء القرآن بنفي السنة والنوم عن ربنا تبارك وتعالى، هذا واحد. * الأمر الثاني: أن الإنسان قد يقدر أن يدفع عن نفسه السنة ولو أتته لكنه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه النوم. فلهذا قال الله: (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) وكرر عامل النفي، حتى يبين أنه جل وعلا منزه عن كل نقص... وقد جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فينا بأربع كلمات: " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، بيده القسط يخفضه ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه "
آية
منهج السلف الصالح في التعامل مع آيات الصفات منهج السلف الصالح في التعامل مع آيات الصفات يقوم على أُسس ثلاثة: الأساس الأول: تنزيه صفات الله أن يُشبه شيءٌ منها صفات المخلوقين، ودليله قول الله جل وعلا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، وقوله جل ثناؤه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ). الأساس الثاني: الإيمان التام بما وصف الله به نفسه لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، ودليله: (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ)، يتبع هذا الأساس: والإيمان بما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم ودليله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). الأساس الثالث: وهذا مهم جداً: قطع الطمع في إدراك الكيفية، والمعنى: أي لا سبيل أبداً إلى معرفة كيفية هذه الصفات ودليله قول الله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً). هذه الأسس الثلاث حررها شيخنا الأمين الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه في كتابه القيّم أضواء البيان
آية
فائدة لغوية قال الله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (آل عمران:83) (طَوْعاً وَكَرْهاً) هذا من الأضداد ويسميه البلاغيون طباق إذا جاءت الكلمتان متضادتان يسميه البلاغيون طباقا مثل: (الليل والنهار)، (طوعا وكرها)، (طوعا) معروفه وكذلك (كرها). ولكننا نفرق ما بين (كَرها) بفتح الكاف و(كُرها) بضم الكاف وهذه من اللغويات: نقول أن (الكَره) بالفتح هي المشقة الخارجة عنك التي لا تريدها الأمر الذي تجبر عليه وأنت لا تريده هذا يعبر عنه بالكَره. وأما (الكُره) بضم الكاف فهي المشقة التي تريدها رغم أن فيها مشقة؛ المشقة التي تطلبها أنت لأن فيها منفعة رغم مشقتها. وبالأمثال يتضح الحال: (الكَره) مثل قول الله تبارك وتعالى في هذه الآية: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) وقول الله تبارك وتعالى: (لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً) أي وهن غير راضيات. أما (الكُره) بضم الكاف: فإن الله كتب الحمل على بنات حواء وقال سبحانه وتعالى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً)، فالمشقة التي تأتي للمرأة مشقة الحمل مشقة مرغوبة طبعاً فما من امرأة إلا وهي تريد أن تلد وتحمل فهذه مشقة مرغوبة لذلك عبر الله عنها بالكُره، أما عند ما تكون غير مرغوبة تسمى كره بفتح الكاف... قال الله جل وعلا عن الجهاد في سبيله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) بضم الكاف والجهاد فيه مشقة لأنه فيه ذهاب أرواح وذهاب أبدان وذهاب أموال ويرى الناس فيه من العناء والمشقة الشيء العظيم لكن ما فيه من أجر ما يتعلق به من ثواب ما ينال المسلم فيه من قربات عند الله هذا يجعله محبوباً إلى النفوس، لذلك عبر الله جل وعلا بضم الكاف....
آية
الفرق بين الرأفة والرحمة قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:9) يوجد رأفة ويوجد رحمة: الرحمة قد يؤتاها الإنسان مع بلاء فهي ليست خيراً من كل وجه إنما هي خير بعاقبتها، أما الرأفة فهي أشد الرحمة وهي خير من كل وجه؛ الرأفة خير من كل وجه عندما يؤتى للقاضي بزانٍ غير محصن أو زانية غير محصنة يحكم عليهم بالجلد فنذهب نشهد هذا الحكم، فإقامتنا للجلد على الزاني أو الزانية رحمة بهم لأن فيها تطهير لهما ولا يبقى عليهما يوم القيامة شيء لأنهم عوقبوا وأقيم عليهم الحد، فالحد - وإن آذاهم الجلد - إلا أنه رحمة بهم باعتبار المآل ولهذا قال الله: {وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ولما يقل: رحمة لأننا لو رأفنا بهم لما جلدناهم لأن الرأفة خير من كل وجه ولهذا قال الله: {وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ولم يقل: ولا تأخذكم بهما رحمة في دين الله لأن جلدنا إياهما رحمة لهما، فالرأفة أشد الرحمة..... والله جل وعلا من أسمائه الحسنى أنه رؤوف وهو يقول جل وعلا: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ} الآن يخبر الله عن هؤلاء لأن الله تبارك وتعالى يشتري منهم النفس والمال، والثمن - العوض -: الجنة، وأنفسنا وأموالنا في الحقيقة ملك لله والجنة على عين الحقيقة ملك لله، فالله جل وعلا يشتري ملكه بملكه، فأنفسنا وأموالنا التي يشتريها هو مالكها أصلا وخالقها من قبل والجنة التي يعطينا إياها ثمنا هي ملكه جل شأنه، وهذا من دلائل رأفة الله جل وعلا بعباده...
آية
معاني العبودية في الشرع واللغة قال الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:23) في قوله جل وعلا: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) أن مقام العبودية أرفع مقام وأجل منزلة، وكلمة (عبد) تأتي في الشرع واللغة على ثلاثة معاني: 1) العبودية الأولى: عبد بمعنى مقهور: وهذا يستوي فيه المؤمن والكافر، كل الناس المؤمنون والكافرون عبيد لله أي أن كل الناس في هذه العبودية سواء، والدليل في سورة مريم: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) هذه عبودية مطلقة يستوي فيها المؤمن والكافر والملائكة والجن والإنس. 2) العبودية الثانية: عبودية بالشرع: وهي ضد كلمة حر قال الله جل وعلا: (الحر بالحر والعبد بالعبد) هذا الذي يسترق في الجهاد ويؤخذ كأسير بصرف النظر عن لونه فيسمى عبد بالشرع. 3) العبودية الثالثة: عبد بالطاعة والاتباع، وينقسم إلى قسمين: * طاعة لله: وهذا هو الواجب شرعا والذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون * وعبد لغير الله: أعاذنا الله وهذا بابه واسع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم) أي الذي يطيع هواه يطيع ديناره يطيع درهمه، وهذا مصيره الضلالة والخسران.
آية
المناسبة من ذكر نبي الله إبراهيم بعد نوح عليهما السلام وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ{14} بقيت لطيفةٌ عظيمة في المسألة كلها وهي: ما المناسبة ما بين ذكر خليل الله إبراهيم بعد أن ذكر نوح مع أن بينهما أنبياء كُثر؟! مثلاً شُعيب، لكن شُعيب أُخّر ذكرهُ - على القول أن شُعيباً بين إبراهيم ونوح - فلم يُذكر بعد نوحٍ إلا إبراهيم لأن الله جل وعلا قال:{ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ {14} فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ } هذا في نوح، وقال وجلا وعلا في إبراهيم: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} فلما ذكر الله جل وعلا أنه نجا نوحاً من الماء ذكر الله جل وعلا أنه بقدرته ورحمته نجا إبراهيم من النار، والماء والنار ضدان حاط الأول بنوح فأنجاه الله وأحاطت الثانية بإبراهيم فأنجاه الله ولا يقدر على هذا إلا رب العالمين جل جلاله فهذه المناسبة في ذكر إبراهيم بعد نوحٍ عليهما الصلاة والسلام السلام.
آية
عدم العلم ليس علما بالعدم قال الله جل وعلا: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } (الرعد:2) هذه الآية فيها إشكال لأن الله لم يفصل ما بين {عَمَدٍ} وما بين {تَرَوْنَهَا}... يحتمل معنى الآية أمرين: الأمر الأول: أن يكون للسماء عمد لكنها لا ترى فيصبح الإعجاز أين؟ في عدم قدرتنا على رؤية العمد التي تتكيء عليها السماء...هذا قول قال به ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال به بعض العلماء... الأمر الثاني: جمهور العلماء على أن السماء أصلا ليس لها عمد وأن قول ربنا جل وعلا: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} إنما جيء بجملة {تَرَوْنَهَا} فعل وفاعل ومفعول به متصلة ببعضها البعض تأكيد للنفي، والمنفي هنا: أن يكون للسماء عمد... أي أن الآية توجه توجيهين: التوجيه الأول: أن يقال إن للسماء فعلا عمد فقول ربنا: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يصبح معنى {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أن السماء مرفوعة بعمد لكن تلك العمد (جمع عمود) لا تراها... التوجيه الآخر: وهو الذي عليه جمهور العلماء وهو أنها ليس لها عمد وهذا القول - أي الثاني – يؤيده قول الله جل وعلا: {وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وما يؤيده القرآن من رأي أولى من رأي لا نجد له دليلا من القرآن، فالقول الذي نرى له دليلا آخر من القرآن أولى بالقبول من رأي لا نرى له دليلا من القرآن... ولا نقول ليس له دليل من القرآن... نقول إن القول الذي لا نرى له دليلا من القرآن أقل من القول الذي نرى له دليلا من القرآن ولا نقول أنه ليس له دليل من القرآن... ما الفرق؟ قد يكون هناك دليل لكن نحن لا نعرفه فلا ننفي الشيء لأننا لا نعرفه فـ " عدم العلم ليس علما بالعدم " فأنت قد لا تعلمه لكنه موجود.... نأتي بقرينة على هذا من كلام ربنا جل وعلا: الله جل وعلا قال عن ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} الشمس لا تغرب في عين حمئة... الله يقول عن ذي القرنين أنه وجد الشمس تغرب في عين حمئة، أنت إذا وقفت في شاطيء جدة سترى الشمس تغرب في البحر، وإذا وقفت هنا في أرض الحجاز ونظرت غربا ستراها تغرب في الجبال، وفي صحراء نجد تراها تغرب في الصحراء، فالله قال عن ذي القرنين: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ولم يقل الله إن الشمس تغرب في عين حمئة وإنما نسب هذا الأمر لذي القرنين حسب علمه فهو وصل إلى مرحلة في المسير في الحرب في فتح المدن إلى أن وصل إلى منطقة في جهة الغرب فيها عين حمئة أي عين متقدة عين حارة فهو منتهى ما وصل إليه أنه وجد الشمس تسقط في ذلك المكان، فالله جل وعلا يحكي ما رآه ذو القرنين فقال: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} لكن لو كان هناك قدرة عند ذي القرنين أعطاه الله إياها تجاوز بها تلك العين لرأى الشمس تغرب في مكان آخر، فالله قص لنا مقدار ما وصل إليه ذو القرنين... فنحن نقول أن {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} لا نعلم في القرآن دليلا يؤيد الرأي القائل أن لها عمد لكن نعلم في القرآن أن هناك دليلا يؤيد القول القائل بأنها ليس لها عمد وهو قول الله جل وعلا: {وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}....