سورة الواقعة
﴿ مُّتَّكِـِٔينَ عَلَيْهَا مُتَقَٰبِلِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿١٦﴾ ]
وجه كل منهم إلى وجه صاحبه؛ من صفاء قلوبهم، وحسن أدبهم، وتقابل قلوبهم. السعدي:833.
﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ﴿١٥﴾ مُّتَّكِـِٔينَ عَلَيْهَا مُتَقَٰبِلِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿١٥﴾ ]
ولما كان الجمع إذا كثر كان ظهور بعض أهله إلى بعض، أعلم أن جموع أهل الجنة على غير ذلك فقال: (متقابلين)؛ فلا بعد ولا مدابرة؛ لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض, ولا يكره بعضهم بعضا. البقاعي:19/203.
﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلْءَاخِرِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿١٣﴾ ]
(ثلة من الأولين) أي: جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم. (وقليل من الآخرين): وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة على متأخريها؛ لكون المقربين من الأولين أكثر من المتأخرين، والمقربون هم خواص الخلق. السعدي:833.
﴿ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿١٠﴾ ]
من سابق في الدنيا وسبق إلى فعل الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة؛ فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان. ابن كثير:4/285.
﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٣﴾ ]
تخفض أقواما إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تخفض أقواماً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع أقواما كانوا في الدنيا مستضعفين. البغوي:4/301.
﴿ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿١﴾ ]
وسميت واقعة لأنها كائنة لا محالة، أو لقرب وقوعها، أو لكثرة ما يقع فيها من الشدائد. الشوكاني:5/147.
﴿ حُورٌ مَّقْصُورَٰتٌ فِى ٱلْخِيَامِ ﴾ [ سورة الرحمن آية:﴿٧٢﴾ ]
الحور: جمع الحَوراء، والمقصورات: المحجوبات؛ لأن النساء يمدحن بملازمة البيوت، ويذممن بكثرة الخروج. ابن جزي:2/397.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٤٥﴾ ]
وإنما جعل أهل الشمال مترَفين لأنهم لا يخلو واحد منهم عن ترف ولو في بعض أحواله وأزمانه من نعم الأكل والشرب والنساء ..... أو لأنهم لما قصروا أنظارهم على التفكير في العيشة العاجلة صرفهم ذلك عن النظر والاستدلال على صحة ما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهذا وجه جعل الترف في الدنيا من أسباب جزائهم الجزاء المذكور. ابن عاشور:27/306.
﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴿٤٣﴾ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٤٣﴾ ]
أي: لا برد فيه ولا كرم، والمقصود أن هناك الهم والغم، والحزن والشر، الذي لا خير فيه؛ لأن نفي الضد إثبات لضده. السعدي:834.
﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٣٧﴾ ]
العرب: جمع عروب؛ وهي المتحببة إلى زوجها، قال المبرد: هي العاشقة لزوجها. الشوكاني:5/153.
﴿ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٣٣﴾ ]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا تنقطع إذا جنيت، ولا تمتنع من أحد أراد أخذها»، وقال بعضهم: «لا مقطوعة بالأزمان، ولا ممنوعة بالأثمان؛ كما ينقطع أكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء، ولا يتوصل إليها إلا بالثمن». البغوي:4/306.
﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٣٠﴾ ]
أي منبسط لا يزول؛ لأنه لا تنسخه الشمس، وقال رسول الله ﷺ : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها؛ إقرؤوا إن شئتم: (وظل ممدود)». ابن جزي:2/401.
﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴿٢٢﴾ كَأَمْثَٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٢٢﴾ ]
شبههن باللؤلؤ في البياض، ووصفه بالمكنون لأنه أبعد عن تغيير حسنه. ابن جزي:2/400.
﴿ وَفَٰكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴿٢٠﴾ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٢٠﴾ ]
تقديم الفاكهة في الأكل وهو طِبًّا مستحسن؛ لأنها ألطف وأسرع انحدارا، وأقل احتياجا إلى المكث في المعدة للهضم، وقد ذكروا أن أحد أسباب الهيضة إدخال اللطيف من الطعام على الكثيف منه. الألوسي:14/137.
﴿ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٧٤﴾ ]
تنزيهه تعالى وتعظيمه جل وعلا بعد ذكر نعمه سبحانه مدح عليها؛ فهو شكر للمنعم في الحقيقة. الألوسي:14/150.
﴿ نَحْنُ جَعَلْنَٰهَا تَذْكِرَةً وَمَتَٰعًا لِّلْمُقْوِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٧٣﴾ ]
(المقوين): المسافرين، وخص الله المسافرين لأن نفع المسافر بذلك أعظم من غيره، ولعل السبب في ذلك لأن الدنيا كلها دار سفر، والعبد من حين ولد فهو مسافر إلى ربه. السعدي:835/836.
﴿ أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ ﴿٦٨﴾ ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٦٨﴾ ]
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (أأنتم أنزلتموه من المزن) يدل على أن جميع الماء الساكن في الأرض، النابع من العيون والآبار ونحو ذلك، أن أصله كله نازل من المزن، وأن الله أسكنه في الأرض وخزنه فيها لخلقه. الشنقيطي:7/534.
﴿ أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٦٨﴾ ]
واقتصر سبحانه على ذكر الشرب -مع كثرة فوائد الماء ومنافعه- لأنه أعظم فوائده وأجل منافعه. الشوكاني:5/158.
﴿ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُۥٓ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّٰرِعُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٦٤﴾ ]
وتتضمن هذه الآية أمرين: أحدهما: الامتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به؛ ليشكروه على نعمته عليهم. الثاني : البرهان الموجب للاعتبار بأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره، وانتقاله إلى استواء حاله من العفن والتتريب حتى صار زرعاً أخضر، ثم جعله قوياً مشتداً أضعاف ما كان عليه؛ فهو بإعادة من أمات أخف عليه وأقدر. وفي هذا برهان مقنع لذوي الفطر السليمة. القرطبي:20/211.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٦٢﴾ ]
قوله: (فلولا تذكرون) يقول تعالى ذكره: فهلا تذكرون أيها الناس، فتعلموا أن الذي أنشأكم النشأة الأولى، ولم تكونوا شيئا، لا يتعذر عليه أن يعيدكم من بعد مماتكم وفنائكم أحياء. الطبري:23/138.
﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٦٠﴾ ]
أي أوجبناه على مقدار معلوم لكل أحد لا يتعداه؛ فقصرنا عمر هذا، وربما كان في الأوج من قوة البدن وصحة المزاج، وأطلنا عمر هذا، وقد يكون في الحضيض من ضعف البدن واضطراب المزاج، وأنتم معترفون بأنه سبحانه رتب أفعاله على مقتضى الكمال والقدرة والحكمة البالغة. البقاعي:19/221.
﴿ هُوَ ٱلْأَوَّلُ وَٱلْءَاخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ سورة الحديد آية:﴿٣﴾ ]
يعني: هو (الأول) قبل كل شيء بلا ابتداء، كان هو ولم يكن شيء موجودًا، (والآخِر) بعد فناء كل شيء، بلا انتهاء؛ تفنى الأشياء ويبقى هو، (والظاهر) الغالب العالي على كل شيء، (والباطن) العالم بكل شيء، هذا معنى قول ابن عباس. البغوي:4/322.
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٨٢﴾ ]
قال ابن عطية : أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر: إنه نزل بنوء كذا وكذا. والمعنى: تجعلون شكر رزقكم التكذيب. ابن جزي:2/406.
﴿ أَفَبِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٨١﴾ ]
أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره، وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم تلينون القول للمكذبين به، ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر. الطبري:23/152.
﴿ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٨٠﴾ ]
أي: إن هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة هو تنزيل رب العالمين، الذي يربي عباده بنعمه الدينية والدنيوية، ومن أجلّ تربية ربى بها عباده إنزاله هذا القرآن الذي قد اشتمل على مصالح الدارين. السعدي:836.
﴿ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٨٠﴾ ]
وذكر التنْزيل مضافاً إلى ربوبيته للعالمين، المستلزمة تملكه لهم، وتصرفه فيهم، وحكمه عليهم، وَأَنَّ من هذا شأنه مع الخلق كيف يليق به مع ربوبيته التامة أن يتركهم سدى، ويدعهم هملاً، ويخلقهم عبثاً، لا يأمرهم ولا يناههم، ولا يثيبهم ولا يعاقبهم. ابن القيم:3/121.
﴿ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ ﴿٧٧﴾ فِى كِتَٰبٍ مَّكْنُونٍ ﴿٧٨﴾ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلْمُطَهَّرُونَ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٧٧﴾ ]
ودلت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيَه، وأن يفهمه كما ينبغي. ابن القيم:3/120.
﴿ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ ﴾ [ سورة الواقعة آية:﴿٧٧﴾ ]
أي كرَّمه الله وعزه ورفع قدره على جميع الكتب، وكرَّمه عن أن يكون سحراً أو كهانة أو كذباً، وقيل: إنه كريم لما فيه من كرم الأخلاق ومعالي الأمور، وقيل: لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه، وحكى الواحدي عن أهل المعاني: أن وصف القرآن بالكريم لأن من شأنه أن يعطي الخير الكثير بالدلائل التي تؤدي إلى الحق في الدين، قال الأزهري: الكريم اسم جامع لما يحمد، والقرآن الكريم يحمد لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة. الشوكاني:5/160.