سورة الذاريات
﴿ فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٢٦﴾ ]
الروغان هو الذهاب في اختفاء بحيث لا يكاد يشعر به. وهذا من كرم رب المنْزل الْمُضِيف: أن يذهب في اختفاء بحيث لا يكاد يشعر به الضيف فيشق عليه ويستحي، فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام، بخلاف من يسمع ضيفه ويقول له أو لمن حضر: مكانكم حتى آتيكم بالطعام، ونحو ذلك مما يوجب حياء الضيف واحتشامه. ابن القيم:3/45.
﴿ وَفِى ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿٢٢﴾ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ إِنَّهُۥ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٢٢﴾ ]
قال بعض الحكماء: يعني: كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره. البغوي:19/231.
﴿ وَبِٱلْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿١٨﴾ ]
وخص هذا الوقت لكونه يكثر فيه أن يغلب النوم على الإنسان فيه فصلاتهم واستغفارهم فيه أعجب من صلاتهم في أجزاء الليل الأخرى . وجَمْع الأسحار باعتبار تكرر قيامهم في كل سحر. ابن عاشور:26/350.
﴿ كَانُوا۟ قَلِيلًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿١٧﴾ ]
والغرض من الآية أنهم يكابدون العبادة في أوقات الراحة وسكون النفس ولا يستريحون من مشاق النهار إلا قليلا. قال الحسن: كابدوا قيام الليل لا ينامون منه إلا قليلا. وعن عبد اللّه بن رواحة: هجعوا قليلا ثم قاموا. الألوسي:27/14.
﴿ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿١٦﴾ ]
(آخذين ما آتاهم ربهم): يحتمل أن المعنى أن أهل الجنة قد أعطاهم مولاهم جميع مُناهم؛ من جميع أصناف النعيم، فأخذوا ذلك راضين به، قد قرت به أعينهم، وفرحت به نفوسهم، ولم يطلبوا منه بدلا، ولا يبغون عنه حولا... ويحتمل أن هذا وصف المتقين في الدنيا، وأنهم آخذون ما آتاهم الله من الأوامر والنواهي، أي: قد تلقوها بالرحب، وانشراح الصدر. السعدي: 808.
﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّٰتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿١٥﴾ ]
لا يخفى على من عنده علم بأصول الفقه أن هذه الآية الكريمة فيها الدلالة المعروفة عند أهل الأصول بدلالة الإيماء والتنبيه على أن سبب نيل هذه الجنات والعيون هو تقوى الله، والسبب الشرعي هو العلة الشرعية على الأصح. الشنقيطي:7/439.
﴿ إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴿٨﴾ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٨﴾ ]
فالقول المختلف: أقوالهم في القرآن وفي النبي؛ وهو خرص كله؛ فإنهم لما كذبوا بالحق اختلفت مذاهبهم وآراؤهم وطرائقهم وأقوالهم؛ فإن الحق شيء واحد وطريق مستقيم، فمن خالفه اختلفت به الطرق والمذاهب؛ كما قال تعالى: (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج) [ق: 5] أي: مختلط ملتبس. ابن القيم:3/32-33.
﴿ فَفِرُّوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۖ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٥٠﴾ ]
سمى الله الرجوع إليه فراراً لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسرور والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره. السعدي:812.
﴿ فَفِرُّوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۖ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٥٠﴾ ]
ففرار العامة من الجهل إلى العلم عقداً وسعياً، ومن الكسل إلى التشمير حذراً وحزماً، ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء. البقاعي:18/447.
﴿ وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٤٩﴾ ]
المراد التذكر بجميع ما ذكر لأمر الحشر والنشر؛ لأن مَن قدر على إيجاد ذلك فهو قادر على إعادة الأموات يوم القيامة. الألوسي:27/27.
﴿ فَمَا ٱسْتَطَٰعُوا۟ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا۟ مُنتَصِرِينَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٤٥﴾ ]
فما قاموا بعد نزول العذاب بهم، ولا قدروا على نهوض. قال قتادة: لم ينهضوا من تلك الصرعة. (وما كانوا منتصرين): ممتنعين مِنَّا؛ قال قتادة: ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله. البغوي:4/233.
﴿ وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٣٧﴾ ]
فيه دليل على أن آيات الله سبحانه وعجائبه التي فعلها في هذا العالم وأبقى آثارها دالة عليه وعلى صدق رسله، إنما ينتفع بها من يؤمن بالمعاد، ويخشى عذاب الله تعالى...؛ فإن من لا يؤمن بالآخرة غايته أن يقول: هؤلاء قوم أصابهم الدهر كما أصاب غيرهم، ولا يزال الدهر فيه الشقاوة والسعادة. وأما من آمن بالآخرة وأشفق منها فهو الذي ينتفع بالآيات والمواعظ. ابن القيم:3/49- 50.
﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٣٦﴾ ]
عن قتادة، قوله: (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) قال: لو كان فيها أكثر من ذلك لأنجاهم الله؛ ليعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ لا ضيعة على أهله. الطبري:22/430.
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٣١﴾ ]
وإنما سألهم بعد أن قَراهم جرياً على سنة الضيافة: أن لا يُسأل الضيف عن الغرض الذي أَورده ذلك المنزلَ إلا بعد استعداده للرحيل؛ كيلا يتوهم سآمة مُضيِّفة من نزوله به، وليعينه على أمره إن كان مستطيعاً. ابن عاشور:27/5.