سورة ق
آية
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ ﴿١٢﴾ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَٰنُ لُوطٍ ﴿١٣﴾ وَأَصْحَٰبُ ٱلْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [سورة ق آية:﴿١٢﴾]
في هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأنه قيل له: لا تحزن ولا تكثر غمك لتكذيب هؤلاء لك، فهذا شأن من تقدمك من الأنبياء؛ فإن قومهم كذبوهم ولم يصدقهم إلا القليل منهم. الشوكاني:5/73.
آية
﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكًا فَأَنۢبَتْنَا بِهِۦ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ ﴿٩﴾ وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ﴿١٠﴾ رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِۦ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ ﴾ [سورة ق آية:﴿٩﴾]
تنبيه على أن اللائق بالعبد أن يكون انتفاعه بذلك من حيث التذكر والاستبصار أقدم وأهم من تمتعه به من حيث الرزق. الألوسي:13/327.
آية
﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ [سورة ق آية:﴿٨﴾]
خُص العبد المنيب بالتبصرة والذكرى وإن كان فيما ذكر من أحوال الأرض إفادة التبصرة والذكرى لكل أحد لأن العبد المنيب هو الذي ينتفع بذلك؛ فكأنه هو المقصود من حكمة تلك الأفعال. وهذا تشريف للمؤمنين وتعريض بإهمال الكافرين التبصر والتذكر. ابن عاشور:26/291.
آية
﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ [سورة ق آية:﴿٦﴾]
أي: لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل، بل هو في غاية السهولة، فينظرون (كَيْفَ بَنَيْنَاهَا) قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجوار الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيبًا، ولا فروجًا، ولا خلالا ولا إخلالا. قد جعلها الله سقفًا لأهل الأرض، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع. السعدي:804.
آية
﴿ مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ ﴾ [سورة ق آية:﴿٣٣﴾]
وإيثار اسمه (الرحمن) في قوله: (من خشي الرحمن بالغيب) دون اسم الجلالة للإشارة إلى أن هذا المتقي يخشى الله وهو يعلم أنه رحمن، ولقصد التعريض بالمشركين الذين أنكروا اسمه الرحمن؛ (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) [الفرقان: 60]. ابن عاشور:26/320.
آية
﴿ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴾ [سورة ق آية:﴿٣٢﴾]
(أواب) أي: رجاع إلى الله عن المعاصي ؛ يذنب ثم يرجع، هكذا قاله الضحاك وغيره. وقال ابن عباس وعطاء: الأواب المسبح؛ من قوله: (ياجبال أو بي معه والطير) [سبأ: 10]، وقال الحكم بن عتيبة: هو الذاكر لله تعالى في الخلوة. وقال الشعبي ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وهو قول ابن مسعود. وقال عبيد بن عمير: هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله تعالى فيه. وعنه قال: كنا نحدث أن الأواب: الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال سبحان الله وبحمده، اللهم إني أستغفرك مما أصبت في مجلسي هذا. البغوي:19/454.
آية
﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [سورة ق آية:﴿٣٠﴾]
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. فقال اللّه تعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فتقول قط قط، فهناك تمتلىء ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم اللّه من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن اللّه تعالى ينشىء لها خلقا). الألوسي:26/471.
آية
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴿ ﴾ [سورة ق آية:﴿١٦﴾]
والمراد أن الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد في وقت كتابة الحفظة أعماله لا حاجة له لكتب الأعمال؛ لأنه عالم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وإنما أمر بكتابة الحفظة للأعمال لحِكم أخرى؛ كإقامة الحجة على العبد يوم القيامة. الشنقيطي: 7/426.
آية
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴾ [سورة ق آية:﴿١٦﴾]
يخبر تعالى... أنه أقرب إليه من حبل الوريد، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو العرق المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه المطلع على ضميره وباطنه، القريب منه في جميع أحواله، فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره. السعدي: 805.
آية
﴿ وَٱلذَّٰرِيَٰتِ ذَرْوًا ﴿١﴾ فَٱلْحَٰمِلَٰتِ وِقْرًا ﴿٢﴾ فَٱلْجَٰرِيَٰتِ يُسْرًا ﴿٣﴾ فَٱلْمُقَسِّمَٰتِ أَمْرًا ﴿٤﴾ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴿٥﴾ وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ ﴾ [سورة الذاريات آية:﴿١﴾]
ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها كونها أموراً بديعة مخالفة لمقتضى العادة، فمن قدر عليها فهو قادر على البعث الموعود به. الشوكاني:5/83.
آية
﴿ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ ﴿٣٩﴾ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَٰرَ ٱلسُّجُودِ ﴾ [سورة ق آية:﴿٣٩﴾]
(فاصبر على ما يقولون) من الذم لك، والتكذيب بما جئت به، واشتغل عنهم واله بطاعة ربك وتسبيحه أول النهار وآخره، وفي أوقات الليل، وأدبار الصلوات؛ فإن ذكر الله تعالى مُسَلٍّ للنفس، مؤنس لها، مُهَوِّنٌ للصبر. السعدي:807.
آية
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [سورة ق آية:﴿٣٧﴾]
سر الإتيان بأو دون الواو؛ لأن المنتفع بالآيات من الناس نوعان: أحدهما: ذو القلب الواعي الذكي الذي يكتفي بهدايته بأدنى تنبيه، ولا يحتاج إلى أن يستجلب قلبه ويحضره ويجمعه من مواضع شتاته، بل قلبه واعٍ زكي قابل للهدى غير معرض عنه، فهذا لا يحتاج إلا إلى وصول الهدى إليه فقط؛ لكمال استعداده... والنوع الثاني: من ليس له هذا الاستعداد والقبول، فإذا ورد عليه الهدى أصغى إليه بسمعه وأحضر قلبه، وجمع فكرته عليه، وعلم صحته وحسنه بنظره واستدلاله. ابن القيم:3/16.
آية
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [سورة ق آية:﴿٣٧﴾]
من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها استماعاً يسترشد به، وقلبه شهيد، أي: حاضر، فهذا له أيضاً ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى، وأما المعرض الذي لم يلق سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئاً؛ لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته. السعدي: 807.