سورة الأحقاف
آية
﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿٧﴾ يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٧﴾]
وقد عُلِم بهذا الوصف أنَّ كُلَّ مَن لم تَرُدَّه آياتُ الله تعالى كان مبالِغاً في الإثم والإفك، فكان له الويل. البقاعي:7/93.
آية
﴿ إِنَّ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾ وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣﴾]
ستة براهين من براهين التوحيد الدالة على عظمته وجلاله، وكمال قدرته، وأنه المستحق للعبادة وحده تعالى: الأول منها: خلقه السماوات والأرض، الثاني: خلقه الناس، الثالث: خلقه الدواب، الرابع: اختلاف الليل والنهار، الخامس: إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض به، السادس: تصريف الرياح. الشنقيطي: 7/179.
آية
﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُوا۟ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢١﴾]
قال إبراهيم بن الأشعث: كثيرا ما رأيت الفضيل بن عياض يردد من أول الليل إلى آخره هذه الآية ونظيرها، ثم يقول: ليت، شعري! من أي الفريقين أنت؟ وكانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين. القرطبي:19/157.
آية
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٨﴾]
ولما كان معنى هذا أنه سبحانه وتعالى جعل بني إسرائيل على شريعة وهددهم على الخلاف فيها، فكان تهديدهم تهديداً لنا، قال مصرِّحاً بما اقتضاه سَوق الكلام وغيره مِن تهديدنا، منبهاً على علو شريعتنا: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر) الآية. البقاعي:7/100.
آية
﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٧﴾]
أي حسدا على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قيل: معنى (بغياً) أي: بغى بعضهم على بعض؛ يطلب الفضل والرياسة، وقتلوا الأنبياء؛ فكذا مشركوا عصرك يا محمد، قد جاءتهم البينات ولكن أعرضوا عنها للمنافسة في الرياسة. القرطبي:19/153.
آية
﴿ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٦﴾]
كل ما جاء في القرآن من تفضيل بني إسرائيل إنما يراد به ذكر أحوال سابقة؛ لأنهم في وقت نزول القرآن كفروا به وكذبوا؛ كما قال تعالى: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) [البقرة: 89]. ومعلوم أن الله لم يذكر لهم في القرآن فضلا إلا ما يراد به أنه كان في زمنهم السابق، لا في وقت نزول القرآن. الشنقيطي:7/ 198-199.
آية
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿١٦﴾ وَءَاتَيْنَٰهُم بَيِّنَٰتٍ مِّنَ ٱلْأَمْرِ ۖ فَمَا ٱخْتَلَفُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٦﴾]
وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم، وأن تقصد منهجهم. ابن كثير:4/152.
آية
﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٥﴾]
من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره، وانزجر لنهيه، فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل، وطلب خلاصها من عذاب الله، أطاع ربه لا لغير ذلك؛ لأنه لا ينفع ذلك غيره، والله عن عمل كل عامل غني. (ومن أساء فعليها): يقول: ومن أساء عمله في الدنيا بمعصيته فيها ربه، وخلافه فيها أمره ونهيه، فعلى نفسه جنى؛ لأنه أوبقها بذلك، وأكسبها به سخطه، ولم يضر أحدا سوى نفسه. الطبري:22/68.
آية
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِۦ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣٠﴾]
وابتدىء في التفصيل بوصف حال المؤمنين مع أن المقام للحديث عن المبطلين في قوله: (يومئذ يخسر المبطلون) تنويهاً بالمؤمنين، وتعجيلاً لمسرتهم، وتعجيلاً لمساءة المبطلين. ابن عاشور:25/371.
آية
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ ٱئْتُوا۟ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٥﴾]
قال الزمخشري: فإن قلت لم سمي قولهم حجة وليس بحجة؟ قلت: لأنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته، وساقوه مساقها، فسميت حجة على سبيل التهكم. أو لأنه في حسبانهم وتقديرهم حجة. أو...كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة. والمراد نفي أن تكون لهم حجة البتة. القرطبي:19/167.
آية
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ ٱئْتُوا۟ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٥﴾]
لم يجبهم إلى إحياء آبائهم إكراماً لهذه الأمة، لشرف نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام؛ لأنَّ سنته الإلهية جرت بأنَّ مَن لم يؤمن بعد كشف الأمر بإيجاد الآيات المقترحات أهلكه، كما فعل بالأمم الماضية. البقاعي:7/106.
آية
﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٣﴾]
وهذه الآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى الباعث للمؤمنين على أعمالهم، ويتركوا اتباع أدلة الحق، فإذا كان الحق محبوباً لأحد فذلك من التخلق بمحبة الحق تبعاً للدليل؛ مثل ما يهوى المؤمن الصلاة والجماعة وقيامَ رمضان وتلاوة القرآن. وفي الحديث: (أرِحنا بها يا بلال) يعني الإقامة للصلاة... وأَما اتباع الأمرِ الْمحبوب لإِرضاء النفْسِ دون نظَرٍ في صلاحه أَو فَساده فَذلكَ سبب الضلالِ وسوء السيرة. ابن عاشور:25/359.
آية
﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٣﴾]
وفيها [أي:في الآية] مِن ذَمِّ اتباع هوى النفس ما فيها، وعن ابن عباس: ما ذَكَرَ اللّه تعالى هوى إلا ذمه. وقال وهب: إذا شككتَ في خير أمرين فانظر أبعدهما مِن هواك فأته، وقال سهل التستري: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك. الألوسي:25/209.
آية
﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٣﴾]
(اتخذ إلهه هواه) أي: أطاعه حتى صار له كالإله. ابن جزي:2/328.
آية
﴿ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَٰفِلُونَ ﴾ [سورة الأحقاف آية:﴿٥﴾]
وإنما عنى بوصفها بالغفلة: تمثيلها بالإنسان الساهي عما يقال له؛ إذ كانت لا تفهم مما يقال لها شيئا كما لا يفهم الغافل عن الشيء ما غفل عنه. وإنما هذا توبيخ من الله لهؤلاء المشركين لسوء رأيهم، وقبح اختيارهم في عبادتهم من لا يعقل شيئا ولا يفهم. الطبري:22/95.
آية
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَٰفِلُونَ ﴾ [سورة الأحقاف آية:﴿٥﴾]
معناها: لا أحد أضل ممن يدعو إلهاً لا يستجيب له؛ وهي الأصنام؛ فإنها لا تسمع ولا تعقل، ولذلك وصفها بالغفلة عن دعائهم لأنها لا تسمعه. ابن جزي:2/331.
آية
﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴿٢﴾ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [سورة الأحقاف آية:﴿٢﴾]
لما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر والنهي ذكر خلقه السماوات والأرض، فجمع بين الخلق والأمر؛ (له الخلق والأمر) [الأعراف: 54]. السعدي:779.
آية
﴿ فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلْأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣٦﴾]
أعاد ذكر الرب تنبيهاً على أن حفظه للخلق وتربيته لهم ذو ألوان بحسب شؤون الخلق؛ فحفظه لهذا الجزء على وجه يغاير حفظه لجزء آخر، وحفظه للكل من حيث هو كل على وجه يغاير حفظه لكل جزء على حدته، مع أن الكل بالنسبة إلى تمام القدرة على حد سواء. البقاعي:18/116.