سورة غافر
آية
﴿ مَا يُجَٰدِلُ فِىٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلَٰدِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٤﴾]
وقوله: (فلا يغررك تقلبهم في البلاد): يقول جل ثناؤه: فلا يخدعك يا محمد تصرفهم في البلاد، وبقاؤهم ومكثهم فيها، مع كفرهم بربهم، فتحسب أنهم إنما أمهلوا وتقلبوا، فتصرفوا في البلاد مع كفرهم بالله، ولم يعاجلوا بالنقمة والعذاب على كفرهم لأنهم على شيء من الحق، فإنا لم نمهلهم لذلك، ولكن ليبلغ الكتاب أجله، ولتحق عليهم كلمة العذاب؛ عذاب ربك. الطبري:21/352.
آية
﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٢﴾]
ووصْفُ الله بوصفي (العزيز العليم) هنا تعريض بأن منكري تنزيل الكتاب منه مغلوبون مقهورون، وبأن الله يعلم ما تكنّه نفوسهم؛ فهو محاسبهم على ذلك، ورَمزٌ إلى أن القرآن كلام العزيز العليم؛ فلا يقدر غير الله على مثله، ولا يعلم غير الله أن يأتي بمثله. ابن عاشور:24/79.
آية
﴿ قَالُوا۟ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [سورة غافر آية:﴿١١﴾]
(أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين): إقرار بالبعث على أكمل الوجوه، طمعاً منهم أن يخرجوا عن المقت الذي مقتهم الله؛ إذ كانوا يدعون إلى الإسلام فيكفرون... فإن قيل: كيف يكون قولهم: (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) سبباً لاعترافهم بالذنوب؟ فالجواب أنهم كانوا كافرين بالبعث، فلمّا رأوا الإماتة والإحياء قد تكرر عليهم، علموا أن الله قادر على البعث؛ فاعترفوا بذنوبهم؛ وهي إنكار البعث، وما أوجب لهم إنكاره من المعاصي؛ فإن من لم يؤمن بالآخرة لا يبالي بالوقوع في المعاصي. ابن جزي:2/278.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلْإِيمَٰنِ فَتَكْفُرُونَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿١٠﴾]
المقت: البغض الذي يوجبه ذنب أو عيب، وهذه الحال تكون للكفار عند دخولهم النار؛ فإنهم إذا دخلوها مقتوا أنفسهم؛ أي: مقت بعضهم بعضاً، ويحتمل أن يمقت كل واحد منهم نفسه، فتناديهم الملائكة، وتقول لهم: مقت الله لكم في الدنيا على كفركم أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم. ابن جزي:2/277.
آية
﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٨﴾]
(العزيز): القاهر لكل شيء؛ فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتكشف عنهم المحذور، وتوصلهم بها إلى كل خير. (الحكيم): الذي يضع الأشياء مواضعها؛ فلا نسألك يا ربنا أمراً تقتضي حكمتك خلافه، بل من حكمتك التي أخبرت بها على ألسنة رسلك، واقتضاها فضلك: المغفرة للمؤمنين. السعدي:732.
آية
﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٨﴾]
وتضمن ذلك أن المقارن من زوج وولد وصاحب يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به سبباً لخير يحصل له، خارج عن عمله وسبب عمله، كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم. السعدي:733.
آية
﴿ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا۟ ٱقْتُلُوٓا۟ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ وَٱسْتَحْيُوا۟ نِسَآءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٢٥﴾]
تدبر هذه النكتة التي يكثر مرورها بكتاب الله تعالى: إذا كان السياق في قصة معينة أو على شيء معين، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم لا يختص به، ذكر الحكم وعلقه على الوصف العام؛ ليكون أعم، وتندرج فيه الصورة التي سيق الكلام لأجلها، وليندفع الإيهام باختصاص الحكم بذلك المعين، فلهذا لم يقل: «وما كيدهم إلا في ضلال»، بل قال: (وما كيد الكافرين إلا في ضلال). السعدي:736.
آية
﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَقَٰرُونَ فَقَالُوا۟ سَٰحِرٌ كَذَّابٌ ﴿٢٤﴾ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا۟ ٱقْتُلُوٓا۟ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ وَٱسْتَحْيُوا۟ نِسَآءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٢٤﴾]
قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يُقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم، وأن يُستَحيَى النساء للخدمة والاسترقاق...، وقوله تعالى: (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل، ولا نجحت لهم فيه سعاية، بل أضل الله سعيهم وكيدهم. ابن عطية:4/554.
آية
﴿ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ ﴾ [سورة غافر آية:﴿١٩﴾]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الرجل يكون جالسا مع القوم، فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها، وعنه: هو الرجل ينظر إلى المرأة، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها... قال ابن عباس: (وما تخفي الصدور) أي: هل يزني بها لو خلا بها، أو لا؟ القرطبي:18/343.
آية
﴿ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ ﴾ [سورة غافر آية:﴿١٩﴾]
يخبر عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء: جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء، ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه. ابن كثير:4/77.
آية
﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْءَازِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿١٨﴾]
سميت بذلك لأنها قريبة؛ إذ كل ما هو آت قريب... (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين)؛ وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر، فلا هي تعود إلى أماكنها، ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا. البغوي:4/39.
آية
﴿ وَيَٰقَوْمِ إِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٣٢﴾]
يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامهم، وينادي بعضهم بعضًا؛ فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة، وينادى أصحاب الأعراف، وينادى بالسعادة والشقاوة: ألا إن فلان ابن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وفلان ابن فلان قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا، وينادى حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود فلا موت، و يا أهل النار خلود فلا موت. البغوي:4/42.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِىٓ ءَامَنَ يَٰقَوْمِ إِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ ٱلْأَحْزَابِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٣٠﴾]
(وقال الذي آمن) مكرراً دعوة قومه، غير آيس من هدايتهم، كما هي حالة الدعاة إلى الله تعالى؛ لا يزالون يدعون إلى ربهم، ولا يردهم عن ذلك راد، ولا يثنيهم عتو من دعوه عن تكرار الدعوة. السعدي:737.
آية
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّىَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٢٨﴾]
قد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسره، فجعله الله تعالى في كتابه، وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- جرد سيفه بمكة، وقال: «والله لا أعبد الله سرا بعد اليوم». ابن عطية:4/555.
آية
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِىٓ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُۥٓ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلْأَرْضِ ٱلْفَسَادَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٢٦﴾]
وقد حمله غروره وقلة تدبره في الأمور على ظن أن ما خالف دينهم يعدّ فساداً؛ إذ ليست لهم حجة لدينهم غير الإِلف والانتفاع العاجل. ابن عاشور:24/125.
آية
﴿ أَسْبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِى تَبَابٍ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٣٧﴾]
وجملة (وإني لأظنه كاذبا) معترضة للاحتراس من أن يظن هامان وقومه أن دعوة موسى أوهنت منه يقينَه بدينه وآلهته، وأنه يروم أن يبحث بحث متأمل ناظر في أدلة المعرفة، فحقق لهم أنه ما أراد بذلك إلا نفي ما ادعاه موسى بدليل الحس. ابن عاشور:24/147.
آية
﴿ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٣٤﴾]
توسم فيهم قلة جدوى النصح لهم، وأنهم مصممون على تكذيب موسى، فارتقى في موعظتهم إلى اللوم على ما مضى، ولتذكيرهم بأنهم من ذرية قوم كذّبوا يوسف لما جاءهم بالبينات، فتكذيب المرشدين إلى الحق... معروفة في أسلافهم، فتكون سجية فيهم. ابن عاشور:24/138.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ ٱلْعَذَابِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٤٩﴾]
وفي إضافة (ربّ) إلى ضمير المخاطبين ضرب من الإِغراء بالدعاء؛ أي: لأنكم أقرب إلى استجابته لكم، ولما ظنُّوهم أرجى للاستجابة؛ سألوا التخفيف يوماً من أزمنة العذاب، وهو أنفع لهم من تخفيف قوة النار الذي سألوه من مستكبريهم. ابن عاشور:24/164.
آية
﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٤٨﴾]
وفي هذه الآية عبرة لزعماء الأمم وقادتهم... فإن كان إقدامهم ومغامرتهم بأنفسهم وأممِهم على علم بعواقب ذلك؛ كانوا أحرياء بالمذمة والخزي في الدنيا، ومضاعفة العذاب في الآخرة...كما قال تعالى: (وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم) [العنكبوت: 13]، وإن كان قَحمهم أنفسهم في مضائق الزعامة عن جهل بعواقب قصورهم وتقصيرهم؛ فإنهم ملومون على عدم التوثق من كفاءتهم لتدبير الأمة، فيخبطوا بها خبط عشواء؛ حتى يزلوا بها، فيَهوُوا بها من شواهق بعيدة. ابن عاشور:24/163.
آية
﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ ٱلنَّارِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٤٧﴾]
وقول الضعفاء للكبراء هذا الكلامَ يحتمل أنه على حقيقته، فهو ناشيء عما اعتادوه من اللَّجَأِ إليهم في مهمهم حين كانوا في الدنيا، فخالوا أنهم يتولون تدبير أمورهم في ذلك المكان، ولهذا أجاب الذين استكبروا بما يفيد أنهم اليوم سواء في العجز وعدم الحيلة، فقالوا: (إنا كل فيها) أي: لو أغنينا عنكم لأغنينا عن أنفسنا. ويحتمل أن قول الضعفاء ليس مستعملاً في حقيقة الحث على التخفيف عنهم، ولكنه مستعمل في التوبيخ، أي: كنتم تدعوننا إلى دين الشرك؛ فكانت عاقبة ذلك أنا صرنا في هذا العذاب، فهل تستطيعون الدفع عنا؟ ابن عاشور:24/161.
آية
﴿ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوٓا۟ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٤٦﴾]
أرواحهم تعرض على النار صباحاً ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، ولهذا قال: (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) أي: أشده ألماً، وأعظمه نكالاً، وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور؛ وهي قوله تعالى: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً). ابن كثير:4/83.
آية
﴿ ۖ وَحَاقَ بِـَٔالِ فِرْعَوْنَ سُوٓءُ ٱلْعَذَابِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٤٥﴾]
وإنما كان الغَرَق سوء عذاب؛ لأن الغريق يعذب باحتباس النفَس مدة، وهو يطفو على الماء ويغوص فيه، ويُرعبه هول الأمواج وهو مُوقن بالهلاك، ثم يكون عُرضة لأكْل الحيتان حيًّا وميِّتاً، وذلك ألمٌ في الحياة، وخزيٌ بعد الممات، يُذكرون به بين الناس. ابن عاشور:24/158.
آية
﴿ وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلْمُسِىٓءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٥٨﴾]
وإنما قدم ذكر الأعمى على ذكر البصير مع أن البصر أشرف من العمى بالنسبة لذات واحدة، والمشبهَ بالبصير أشرفُ من المشبه بالأعمى؛ إذ المشبه بالبصير المؤمنون، فقدم ذكر تشبيه الكافرين؛ مراعاة لكون الأهمّ في المقام بيانَ حال الذين يجادلون في الآيات؛ إذ هم المقصود بالموعظة. ابن عاشور:24/178.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِىٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَٰنٍ أَتَىٰهُمْ ۙ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٥٦﴾]
وفائدة هذا القيد: تشنيع مجادلتهم؛ وإلا فإن المجادلة في آيات الله لا تكون إلا بغير سلطان؛ لأن آيات الله لا تكون مخالفة للواقع، فهذا القيد نظير القيد في قوله: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) [القصص: 50]. ابن عاشور:24/173.
آية
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٥٣﴾]
هذا من أوضح مُثُل نصر الله رسله والذين آمنوا بهم، وهو أشبه الأمثال بالنصر الذي قدره الله تعالى للنبي ﷺ والمؤمنين؛ فإن نصر موسى على قوم فرعون كوَّن الله به أمةً عظيمة لم تكن يؤبه بها، وأوتيتْ شريعة عظيمة، ومُلكاً عظيماً. وكذلك كان نصر النبي ﷺ والمؤمنين، وكان أعظمَ من ذلك وأكملَ وأشرفَ. ابن عاشور:24/169.
آية
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٥١﴾]
قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: بالغلبة والقهر، وقال الضحاك: بالحجة، وفي الآخرة بالعذر، وقيل: بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة. وكل ذلك قد كان للأنبياء والمؤمنين؛ فهم منصورون بالحجة على من خالفهم، وقد نصرهم الله بالقهر على من ناوأهم وإهلاك أعدائهم، ونصرهم بعد أن قُتلوا بالانتقام من أعدائهم؛ كما نصر يحيى بن زكريا لما قُُتِل؛ قُتِل به سبعون ألفًا، فهم منصورون بأحد هذه الوجوه. البغوي:4/47.
آية
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٦٠﴾]
كان سفيان الثوري يقول: «يا من أَحَبُ عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله، ويا من أَبغَضُ عباده إليه من لم يسأله، وليس أحد كذلك غيرك يا رب»، وفي هذا المعنى يقول الشاعر: الله يغضبُ إن تركت سؤاله وبُنَيّ آدم حين يُسْأَلُ يَغْضَبُ. ابن كثير:4/87.
آية
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٦٠﴾]
(يستكبرون عن عبادتي) بمعنى: يستكبرون عن الرغبة إليّ؛ كما قال ﷺ: (من لم يسأل الله يغضب عليه)، وأما قوله ﷺ: (الدعاء هو العبادة) فمعناه أن الدعاء والرغبة إلى الله هي العبادة؛ لأن الدعاء يظهر فيه افتقار العبد وتضرعه إلى الله. ابن جزي:2/284.
آية
﴿ ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٧٥﴾]
أي: تفرحون بالباطل الذي أنتم عليه؛ وهذا هو الفرح المذموم الموجب للعقاب، بخلاف الفرح الممدوح الذي قال الله فيه: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) [يونس: 58]، وهو الفرح بالعلم النافع والعمل الصالح. السعدي:743.
آية
﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٧٣﴾]
والاستفهام هنا مستعمل في التنبيه على الغلط والفضيحة في الموقف؛ فإنهم كانوا يزعمون أنهم يعبدون الأصنام ليكونوا شفعاء لهم من غضب الله، فلما حق عليهم العذاب فلم يجدوا شفعاء ذكروا بما كانوا يزعمونه، فقيل لهم: (أين ما كنتم تشركون). ابن عاشور:24/204.
آية
﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٧٣﴾ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ قَالُوا۟ ضَلُّوا۟ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُوا۟ مِن قَبْلُ شَيْـًٔا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٧٣﴾]
(ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون) بعبادتكم إياها من دون الله من آلهتكم وأوثانكم حتى يغيثوكم؛ فينقذوكم مما أنتم فيه من البلاء والعذاب؛ فإن المعبود يغيث من عبده وخدمه. وإنما يقال هذا لهم توبيخا وتقريعا على ما كان منهم في الدنيا. الطبري:21/416.
آية
﴿ فَلَمَّا رَأَوْا۟ بَأْسَنَا قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُۥ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشْرِكِينَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٨٤﴾]
حكى حالة بعضهم ممن آمن بعد تلبس العذاب بهم، فلم ينفعهم ذلك. وفي ذكر هذا حض للعرب على المبادرة، وتخويف من التأني؛ لئلا يدركهم عذاب لا تنفعهم توبة بعد تلبسه بهم. ابن عطية:4/572.
آية
﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَرِحُوا۟ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٨٣﴾]
الضمير يعود على الأمم المكذبين، وفي تفسير علمهم وجوه: أحدها: أنه ما كانوا يعتقدون من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون، والثاني: أنه علمهم بمنافع الدنيا ووجوه كسبها، والثالث: أنه علم الفلاسفة الذين يحتقرون علوم الشرائع. ابن جزي:2/286.
آية
﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَرِحُوا۟ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٨٣﴾]
وهذا عام لجميع العلوم التي نوقض بها ما جاءت به الرسل، ومن أحقها بالدخول في هذا: علوم: الفلسفة، والمنطق اليوناني، الذي رُدَّت به كثير من آيات القرآن، ونقصت قدره من القلوب، وجعلت أدلته اليقينية القاطعة أدلة لفظية لا تفيد شيئاً من اليقين، ويقدم عليها عقول أهل السفه والباطل، وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله والمعارضة لها والمناقضة. السعدي:744.
آية
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبْلُغُوا۟ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [سورة غافر آية:﴿٧٩﴾]
فالمنافع في هذه الآية أريد بها ما قابل منافع أكل لحومها في قوله: (ومنها تأكلون)؛ مثل: الانتفاع بأوبارها، وألبانها، وأثمانها، وأعواضِها في الديَات والمهور، وكذلك الانتفاع بجلودها باتخاذها قباباً وغيرَها، وبالجلوس عليها، وكذلك الانتفاع بجَمال مرآها في العيون في المسرح والمراح. ابن عاشور:24/215-216.