سورة النمل
آية
﴿ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّى لَا يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴿١٠﴾ إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًۢا بَعْدَ سُوٓءٍ فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النمل آية:﴿١٠﴾]
فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له: هذه سبيل العلماء بالله عز وجل؛ أن يكونوا خائفين من معاصيهم، وجلين، وهم أيضا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به. القرطبي:16/330.
آية
﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّى لَا يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿١٠﴾]
والتقييد بــ(لدي) لأن المرسلين في سائر الأحيان أخوف الناس من الله عز وجل؛ فقد قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر: 28]، ولا أعلم منهم بالله تعالى شأنه. الألوسي:10/159.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٤﴾]
الشيطان مزين لهم بالوسوسة التي تجد قبولا في نفوسهم؛ كما قال تعالى حكاية عنه قال: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين) [ص: 82، 83]... وأفادت صيغة المضارع أن العمه متجدد مستمر فيهم؛ أي فهم لا يرجعون إلى اهتداء لأنهم يحسبون أنهم على صواب...واعلم أن هذا الاستمرار متفاوت الامتداد: فمنه أشده وهو الذي يمتد بصاحبه إلى الموت، ومنه دون ذلك، وكل ذلك على حسب تزيين الكفر في نفوسهم. ابن عاشور:19/221.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٤﴾]
(إن الذين لا يؤمنون) أي: [لا] يوجدون الإيمان ويجددونه (بالآخرة زينا) أي: بعظمتنا التي لا يمكن دفاعها (لهم أعمالهم) أي: القبيحة، حتى أعرضوا عن الخوف من عاقبتها مع ظهور قباحتها. البقاعي:14/127.
آية
﴿ هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ... ﴾ [سورة النمل آية:﴿٢﴾]
ربما قيل: لعله يكثر مُدَّعُو الإيمان، فهل يقبل من كل أحد ادَّعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد لذلك من دليل؟ وهـو الحـق؛ فلذلك بيَّن تعالى صفة المؤمنين فقال: (الذين يقيمون الصلاة). السعدي:601.
آية
﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِۦ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍۭ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٢٢﴾]
في هذه المكافحة التنبيه على أن أضعف الخلق قد يؤتى ما لا يصل إليه أقواهم؛ لتتحاقر إلى العلماء علومهم، ويردوا العلم في كل شيء إلى الله، وفيه إبطال لقول الرافضة: إن الإمام لا يخفى عليه شيء، ولا يكون في زمانه من هو أعلم منه. البقاعي:14/150.
آية
﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَا۟ذْبَحَنَّهُۥٓ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٢١﴾]
أي: حجة واضحة على تخلفه. وهذا من كمال ورعه وإنصافه؛ أنه لم يقسم على مجرد عقوبته بالعذاب أو القتل؛ لأن ذلك لا يكون إلا من ذنب، وغيبته قد تحتمل أنها لعذر واضح؛ فلذلك استثناه لورعه وفطنته. السعدي:604.
آية
﴿ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِىَ لَآ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ ﴿٢٠﴾ لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَا۟ذْبَحَنَّهُۥٓ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٢٠﴾]
في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته، والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله، فكيف بعظام الملك، ويرحم الله عمر؛ فإنه كان على سيرته، قال: لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ليسأل عنها عمر. القرطبي:16/131.
آية
﴿ وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌۢ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٣٥﴾]
قالت لقومها: إني أجرب هذا الرجل بهدية من نفائس الأموال، فإن كان ملكاً دنيوياً أرضاه المال، وإن كان نبياً لم يرضه المال، وإنما يرضيه دخولنا في دينه، فبعثت إليه هدية عظيمة. ابن جزي:2/ 130.
آية
﴿ وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌۢ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٣٥﴾]
قال قتادة: «رحمها الله ورضي عنها، ما كان أعقلها في إسلامها وفي شركها! علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس». وقال ابن عباس وغير واحد: «قالت لقومها: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه». ابن كثير:6/190.
آية
﴿ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٢٧﴾]
في قوله: (أصدقت أم كنت من الكاذبين) دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم؛ لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه، وإنما صار صدق الهدهد عذرا. البغوي:3/459.
آية
﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِى يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٢٥﴾]
أي: يعبدوا الذي له الكمال كله بالسجود الذي هو محل الأنس، ومحط القرب، ودارة المناجاة، وآية المعافاة؛ فإنهم لو سجدوا له سبحانه لاهتدوا، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ففات الشيطان ما يقصده منهم من الضلال. البقاعي:14/152-153.
آية
﴿ إِنِّى وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٢٣﴾]
عن أَبي بَكْرةَ -رضي اللَّه عنه- قَال: لَمَّا بلَغ رسول اللَّه - صلَّى اللَّه علَيه وسلَّم- أنَّ أَهل فَارِس ملَّكُوا علَيهِم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة». البغوي:3/499.
آية
﴿ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٤٠﴾]
(ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) أي: يعود نفع شكره إليه؛ وهو أن يستوجب به تمام النعمة ودوامها؛ لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة، (ومن كفر فإن ربي غني) عن شكره، (كريم) بالإفضال على من يكفر نعمه. [البغوي:3/404].
آية
﴿ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٤٠﴾]
(قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) أي: ليختبرني بذلك؛ فلم يغتر عليه السلام بملكه وسلطانه وقدرته كما هو دأب الملوك الجاهلين، بل علم أن ذلك اختبار من ربه فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة، ثم بين أن هذا الشكر لا ينتفع الله به، وإنما يرجع نفعه إلى صاحبه، فقال: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ). السعدي:605.
آية
﴿ قالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾ قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٣٩﴾]
وهذه المناظرة بين العفريت من الجن والذي عنده علم من الكتاب ترمز إلى أنه يتأتى بالحكمة والعلم ما لا يتأتى بالقوة. ابن عاشور:19/271.
آية
﴿ قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا ﴾ [سورة النمل آية:﴿٣٨﴾]
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في السبب الذي من أجله خص سليمان بسؤاله الملأ من جنده بإحضاره عرش هذه المرأة دون سائر ملكها عندنا -ليجعل ذلك حجة عليها في نبوته، ويعرفها بذلك قدرة الله، وعظيم شأنه- أنها خلفته في بيت في جوف أبيات؛ بعضها في جوف بعض، مغلق، مقفل عليها، فأخرجه الله من ذلك كله بغير فتح أغلاق وأقفال، حتى أوصله إلى وليه من خلقه وسلمه إليه، فكان لها في ذلك أعظم حجة على حقيقة ما دعاها إليه سليمان، وعلى صدق سليمان فيما أعلمها من نبوته. الطبري:19/463.
آية
﴿ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُم ﴾ [سورة النمل آية:﴿٣٦﴾]
إنما جعلت بلقيس قبول الهدية أو ردها علامة على ما في نفسها، على ما ذكرناه من كون سليمان ملكا أو نبيا؛ لأنه قال لها في كتابه: (ألا تعلوا عليَّ وأتوني مسلمين)، وهذا لا تقبل فيه فدية، ولا يؤخذ عنه هدية، وليس هذا من الباب الذي تقرر في الشريعة عن قبول الهدية بسبيل، وإنما هي رشوة وبيع الحق بالباطل، وهى الرشوة التي لا تحل. وأما الهدية المطلقة للتحبب والتواصل فإنها جائزة من كل أحد وعلى كل حال. القرطبي:16/159.
آية
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةًۢ بِمَا ظَلَمُوٓا۟ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٥٢﴾]
وفي هذه الآية -على ما قيل- دلالة على أن الظلم يكون سببا لخراب الدور. وروي عن ابن عباس أنه قال: «أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت»، وتلا هذه الآية. وفي التوراة: «ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك»، قيل: وهو إشارة إلى هلاك الظالم؛ إذ خراب بيته متعقب هلاكه، ولا يخفى أن كون الظلم بمعنى الجور والتعدي على عباد الله تعالى سببا لخراب البيوت مما شوهد كثيرا في هذه الأعصار. الألوسي:10/209.
آية
﴿ قَالُوا۟ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَٰٓئِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ ۖ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٤٧﴾]
(قالوا اطيرنا بك وبمن معك) زعموا -قبحهم الله- أنهم لم يروا على وجه صالح خيرا، وأنه هو ومن معه من المؤمنين صاروا سببا لمنع بعض مطالبهم الدنيوية، فقال لهم صالح: (طائركم عند الله) أي: ما أصابكم إلا بذنوبكم، (بل أنتم قوم تفتنون) بالسراء والضراء، والخير والشر؛ لينظر هل تقلعون وتتوبون أم لا؟ السعدي:606.
آية
﴿ قَالُوا۟ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَٰٓئِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ ۖ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٤٧﴾]
(قال طائركم عند الله) أي: ما يصيبكم من الخير والشر عند اللّه بأمره، وهو مكتوب عليكم؛ سمي طائرا لسرعة نزوله بالإنسان؛ فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم. البغوي:3/407
آية
﴿ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٦٢﴾]
ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه؛ والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجاء ينشأ عن الإخلاص وقطع القلب عما سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة، وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر. القرطبي:16/193.
آية
﴿ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٦٢﴾]
الوجه في إجابة المضطر أن ذلك الاضطرار الحاصل له يتسبب عنه الإخلاص وقطع النظر عما سوى الله، وقد أخبر الله سبحانه بأنه يجيب دعاء المخلصين له الدين وإن كانوا كافرين؛ فقال: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) [يونس: 22]، وقال: (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) [العنكبوت: 65]؛ فأجابهم عند ضرورتهم وإخلاصهم مع علمه بأنهم سيعودون إلى شركهم. الشوكاني:4/169
آية
﴿ أَمَّن جَعَلَ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنْهَٰرًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٦١﴾]
وهذا تدبير عجيب، ولا يُدرك تمام هذا الصنع العجيب إلا عند العلم بأن هذه الأرض سابحة في الهواء، متحركة في كل لحظة، وهي مع ذلك قارّة فيما يبدو لسكانها، فهذا تدبير أعجب، وفيه مع ذلك رحمة ونعمة، ولولا قرارها لكان الناس عليها متزلزلين، مضطربين، ولكانت أشغالهم مُعنتة لهم. ابن عاشور:20/13.
آية
﴿ فَأَنجَيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ قَدَّرْنَٰهَا مِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٥٧﴾]
أي: من الهالكين مع قومها؛ لأنها كانت ردءاً لهم على دينهم، وعلى طريقتهم في رضاها بأفعالهم القبيحة، فكانت تدل قومها على ضيفان لوط ليأتوا إليها، لا أنها كانت تفعل الفواحش؛ تكرمةً لنبي الله ﷺ لا كرامة لها. ابن كثير:3/356.
آية
﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓا۟ أَخْرِجُوٓا۟ ءَالَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٥٦﴾]
ولما خص الله عملهم بوصف الظلم من بين عدة أحوال يشتمل عليها كفرهم كالفساد؛ كان ذلك إشارة إلى أن للظلم أثراً في خراب بلادهم. ابن عاشور:19/285.
آية
﴿ قُلْ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ ﴿٧٢﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٧٢﴾]
وهذا خبر خاص بالنبي ﷺ تنبيهاً على أن تأخير الوعيد أثر من آثار رحمة الله؛ لأن أزمنة التأخير أزمنة إمهال، فهم فيها بنعمة. ابن عاشور:20/28.
آية
﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٧٠﴾]
كانت الرحمة غالبة على النبي- صلى الله عليه وسلم- والشفقة على الأمة من خلاله، فلما أُنذر المكذبون بهذا الوعيد؛ تحركت الشفقة في نفس الرسول- عليه الصلاة والسلام- فربط الله على قلبه بهذا التشجيع أن لا يحزن عليهم إذا أصابهم ما أنذروا به. ابن عاشور:20/26.
آية
﴿ بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلْمُهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٦٦﴾]
فانتقل في الإخبار عن أحوال هؤلاء المكذبين بالإخبار أنهم لا يدرون متى وقت الآخرة، ثم الإخبار بضعف علمهم فيها، ثم الإخبار بأنه شك، ثم الإخبار بأنه عمى، ثم الإخبار بإنكارهم لذلك، واستبعادهم وقوعه، أي: وبسبب هذه الأحوال ترحَّل خوف الآخرة من قلوبهم، فأقدموا على معاصي الله، وسهل عليهم تكذيب الحق، والتصديق بالباطل، واستحلوا الشهوات على القيام بالعبادات؛ فخسروا دنياهم وأخراهم. السعدي:609.
آية
﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٦٥﴾]
لما أبطلت الآيات السابقة إلهية أصنام المشركين بالأدلة المتظاهرة فانقطع دابر عقيدة الإشراك، ثني عنان الإبطال إلى أثر من آثار الشرك؛ وهو ادعاء علم الغيب بالكهانة، وإخبار الجن. ابن عاشور:20/19.
آية
﴿ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٨٨﴾]
كل ما خلقه الله فله فيه حكمة؛ كما قال: (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، وقال: (الذي أحسن كل شيء خلقه) [السجدة: 7]. وهو سبحانه غني عن العالمين؛ فالحكمة تتضمن شيئين: أحدهما: حكمة تعود إليه؛ يحبها، ويرضاها. والثاني: إلى عباده، هي نعمة عليهم يفرحون بها، ويلتذون بها. ابن تيمية: 5/68.
آية
﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا۟ مُدْبِرِينَ ﴾ [سورة النمل آية:﴿٨٠﴾]
(إنك لا تسمع الموتى) يعني: الكفار؛ لتركهم التدبر فهم كالموتى؛ لا حس لهم، ولا عقل... (ولا تسمع الصم الدعاء) يعني: الكفار الذين هم بمنزلة الصم عن قبول المواعظ، فإذا دُعُوا إلى الخير أعرضوا وولوا؛ كأنهم لا يسمعون. القرطبي:16/205.