سورة الشعراء
آية
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴿١٢﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِى فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَٰرُونَ ﴿١٣﴾ وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنۢبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٢﴾]
هذه أعذار سأل من الله إزاحتها عنه، كما قال في سورة طه: (قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا * قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) [طه:25-36]. ابن كثير:3/321.
آية
﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا۟ عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٥﴾]
والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم وتهويل جنايتهم؛ فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه جل وعلا على الإطلاق شنيع قبيح، وعما يأتيهم بموجب رحمته تعالى لمحض منفعتهم أشنع وأقبح؛ أي ما يأتيهم تذكير وموعظة أو طائفة من القرآن من قبله عز وجل بمقتضى رحمته الواسعة يجدد تنزيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة إلا جددوا إعراضا عنه واستمروا على ما كانوا عليه. الألوسي:10/61.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ﴿٣٦﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴿٣٧﴾ فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿٣٨﴾ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٣٦﴾]
وكان هذا من تسخير الله تعالى لهم في ذلك؛ ليجتمع الناس في صعيد واحد، وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة. ابن كثير:3/322.
آية
﴿ قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢٨﴾]
فإن قيل: كيف قال أولاً: (إن كنتم موقنين)، ثم قال آخراً: (إن كنتم تعقلون)؟ فالجواب أنه لايَنَ أولاً طمعاً في إيمانهم، فلما رأى منهم العناد والمغالطة وبخهم بقوله: (إن كنتم تعقلون)، وجعل ذلك في مقابلة قول فرعون: إِنَّ رَسُولَكُمُ لَمَجنُونٌ. ابن جزي:2/117.
آية
﴿ قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢٨﴾]
ولما دعاه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باللين؛ فأساء الأدب عليه في الجواب الماضي، ختم هذا البرهان بقوله: (إن كنتم تعقلون) أي: فأنتم تعلمون ذلك... فكان قوله أنكأ مع أنه ألطف، وأوضح مع أنه أستر وأشرف. البقاعي:14/27.
آية
﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِىٓ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴿٢٧﴾ قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢٧﴾]
(إن كنتم تعقلون): وفيه إيماء وتنبيه إلى أن الذي رميتم به موسى من الجنون أنه داؤكم، فرميتم أزكى الخلق عقلاً، وأكملهم علماً بالجنون، والحال أنكم أنتم المجانين، حيث ذهبت عقولكم لإنكار أظهر الموجودات؛ خالق الأرض والسماوات وما بينهما. السعدي:590.
آية
﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢٢﴾]
يقول: تمَن عليّ أن ربيتني، وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد، والمعاملات القبيحة! أو يريد: كيف تمن عليّ بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أهين قومه ذل، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ. البغوي:3/356.
آية
﴿ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلْقُوا۟ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٤٣﴾]
لم يبادر موسى بإلقاء عصاه أولاً لأن المسألة مسألة علم لا مسألة حرب؛ ففي الحرب تنفع المبادرة بافتكاك زمام المعركة، وأما في العلم فيحسن تقديم الخصم، فإذا أظهر ما عنده كر عليه بالحجج والبراهين فأبطله، وظهر الحق وانتصر على الباطل، هذا الأسلوب الذي اتبع موسى بإلهام من ربه تعالى. الجزائري:3/649.
آية
﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٥٦﴾]
والمعنى: أن الحَذَر من شيمته وعادته؛ فكذلك يجب أن تكون الأمة معه في ذلك؛ أي: إنا من عادتنا التيقظ للحوادث، والحَذرُ مما عسى أن يكون لها من سيّء العواقب. وهذا أصل عظيم من أصول السياسة، وهو سدّ ذرائع الفساد، ولو كان احتمالُ إفضائها إلى الفساد ضعيفاً. ابن عاشور:19/131.
آية
﴿ ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ ﴿٧٨﴾ وَٱلَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ ﴿٧٩﴾ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿٨٠﴾ وَٱلَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ ﴿٨١﴾ وَٱلَّذِىٓ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيٓـَٔتِى يَوْمَ ٱلدِّينِ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٧٨﴾]
فربي هذا الذي بيده نفعي وضري، وله القدرة والسلطان، وله الدنيا والآخرة، لا الذي لا يسمع إذا دعي، ولا ينفع ولا يضر. وإنما كان هذا الكلام من إبراهيم احتجاجا على قومه في أنه لا تصلح الألوهة، ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لمن يفعل هذه الأفعال، لا لمن لا يطيق نفعا ولا ضرا. الطبري:19/363.
آية
﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّىٓ إِلَّا رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٧٧﴾]
يقول قائل: وكيف يوصف الخشب والحديد والنحاس بعداوة ابن آدم؟ فإن معنى ذلك: فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة، كما قال جل ثناؤه: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) [مريم: 81،82]. الطبري: 19/363.
آية
﴿ قَالُوا۟ بَلْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٧٤﴾]
أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو نفع أو ضر اعترافا بما لا سبيل لهم إلى إنكاره، واضطروا إلى إظهار أن لا سند لهم سوى التقليد؛ فكأنهم قالوا: لا يسمعون ولا ينفعوننا ولا يضرون، وإنما وجدنا آباءنا يفعلون مثل فعلنا، ويعبدونهم مثل عبادتنا، فاقتدينا بهم. الألوسي:10/92.
آية
﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَٰهِيمَ ﴿٦٩﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٦٩﴾]
أي: (واتل عليهم) يا محمد على الناس (نبأ إبراهيم) الخليل، وخبره الجليل، في هذه الحالة بخصوصها، وإلا فله أنباء كثيرة، ولكن من أعجب أنبائه وأفضلها هذا النبأ المتضمن لرسالته ودعوته قومه، ومحاجته إياهم، وإبطاله ما هم عليه، ولذلك قيده بالظرف، فقال: (إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون). السعدي:592.
آية
﴿ فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴿٦١﴾ قَالَ كَلَّآ ۖ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٦١﴾]
(قال) موسى- عليه السلام- ردعا لهم عن ذلك، وإرشادا إلى أن تدبير الله عز وجل يغني عن تدبيره: (كلا) لن يدركوكم (إن معي ربي) بالحفظ والنصرة (سيهدين) قريبا إلى ما فيه نجاتكم منهم، ونصركم عليهم. الألوسي:10/84.
آية
﴿ قَالُوا۟ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ ٱلْوَٰعِظِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٣٦﴾]
كانت عاد قد بلغوا مبلغا عظيما من البأس وعظم السلطان والتغلب على البلاد مما أثار قولهم: (من أشد منا قوة) [فصلت: 15]... فطال عليهم الأمد، وتفننوا في إرضاء الهوى، وأقبلوا على الملذات واشتد الغرور بأنفسهم فأضاعوا الجانب الأهم للإنسان وهو جانب الدين وزكاء النفس... واستخفوا بجانب الله تعالى، واستحمقوا الناصحين. ابن عاشور:19/165.
آية
﴿ ﴾ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ ﴿١٢٨﴾ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴿١٢٩﴾ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٢٨﴾]
دل توبيخه- عليه السلام- إياهم بما ذكر على استيلاء حب الدنيا والكبر على قلوبهم؛ حتى أخرجهم ذلك عن حد العبودية. الألوسي:10/108.
آية
﴿ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿١١٤﴾ إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١١٤﴾]
وكأنهم طلبوا منه طرد الضعفاء كما طلبته قريش. (إن أنا إلا نذير مبين) يعنى: إن الله ما أرسلني أخص ذوي الغنى دون الفقراء، إنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله وإن كان فقيرا. القرطبي:16/53.
آية
﴿ قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١١٢﴾]
قال نوح لقومه: وما علمي بما كان أتباعي يعملون، إنما لي منهم ظاهر أمرهم دون باطنه، ولم أكلف علم باطنهم، وإنما كلفت الظاهر، فمن أظهر حسنا ظننت به حسنا، ومن أظهر سيئا ظننت به سيئا. يقول: إن حساب باطن أمرهم الذي خفي عني إلا على ربي لو تشعرون؛ فإنه يعلم سر أمرهم وعلانيته. الطبري:19/370.
آية
﴿ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٥٨﴾]
وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخ دماغه، وتكسر رأسه، وتلقيه؛ كأنهم أعجاز نخل منقعر. وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا، (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر) [نوح:4]. ابن كثير:6/155.
آية
﴿ أَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ ﴿١٨١﴾ وَزِنُوا۟ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٨١﴾]
والمراد: الأمر بوفاء الوزن، وإتمامه، والنهي عن النقص دون النهي عن الزيادة، والظاهر أنه لم ينه عنها، ولم يؤمر بها في الكيل والوزن، وكأن ذلك دليل على أن من فعلها فقد أحسن، ومن لم يفعلها فلا عليه. الألوسي:10/117.
آية
﴿ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٧٨﴾ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٧٩﴾ وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٧٨﴾]
وإنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى اللّه عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة، والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة، وتبليغ الرسالة. البغوي:3/371.
آية
﴿ فَنَجَّيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ أَجْمَعِينَ ﴿١٧٠﴾ إِلَّا عَجُوزًا فِى ٱلْغَٰبِرِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٧٠﴾]
(إلا عجوزا) وهي امرأته، كائنة (في) حكم (الغابرين) أي: الماكثين الذين تلحقهم الغبرة بما يكون من الداهية، فإننا لن [ننجيها] لقضائنا بذلك في الأزل؛ لكونها لم تتابعه في الدين، وكان هواها مع قومها. البقاعي:14/83.
آية
﴿ أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٦٥﴾]
والمعنى: (أتأتون الذكران) مخالفين جميع العالمين من الأنواع التي فيها ذكور وإناث؛ فإنها لا يوجد فيها ما يأتي الذكور. فهذا تنبيه على أن هذا الفعل الفظيع مخالف للفطرة، لا يقع من الحيوان العُجْم، فهو عمل ابتدعوه ما فعله غيرهم. ابن عاشور:19/179.
آية
﴿ أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُۥ عُلَمَٰٓؤُا۟ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٩٧﴾]
فإن كل شيء يحصل به اشتباه يرجع فيه إلى أهل الخبرة والدراية، فيكون قولهم حجة على غيرهم؛ كما عرف السحرة الذين مهروا في علم السحر صدق معجزة موسى، وأنه ليس بسحر؛ فقول الجاهلين بعد هذا لا يؤبه به. السعدي:598.
آية
﴿ ٩١﴾ وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٩٢﴾]
تأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم؛ فإنه أفضل الكتب، نزل به أفضل الملائكة، على أفضل الخلق، على أفضل بُضْعَةٍ فيه وهي قلبه، على أفضل أمةٍ أخرجت للناس، بأفضل الألسنة وأفصحها وأوسعها؛ وهو اللسان العربي المبين. السعدي:598.
آية
﴿ وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٩٢﴾]
فالذي أنزله فاطر الأرض والسماوات، المربِّي جميع العالم العلوي والسفلي، وكما أنه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وأبدانهم فإنه يربيهم أيضاً بهدايتهم لمصالح دينهم وأخراهم، ومن أعظم ما رباهم به: إنزال هذا الكتاب الكريم الذي اشتمل على الخير الكثير، والبر الغزير، وفيه من الهداية لمصالح الدارين والأخلاق الفاضلة ما ليس في غيره. السعدي:597-598.
آية
﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ ۚ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿١٨٧﴾]
هذا من جنس ما سألوه من إسقاط الكسف عليهم؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل عقوبتهم أن أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام لا يكنهم منه شيء، ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم، فجعلوا ينطلقون إليها، يستظلون بظلها من الحر، فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شرراً من نار، ولهباً، ووهجاً عظيماً، ورجفت بهم الأرض، وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم. ابن كثير:3/335.
آية
﴿ يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَٰذِبُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢٢٣﴾]
(يلقون): بمعنى: يلقون المسموع، والضمير يحتمل أيضاً على هذا أن يكون للشياطين؛ لأنهم يلقون الكلام إلى الكهان، أو يكون للكهان؛ لأنهم يلقون الكلام إلى الناس، (وأكثرهم كاذبون) يعني: الشياطين، أو الكهان لأنهم يكذبون فيما يخبرون به عن الشياطين. ابن جزي:2/125.
آية
﴿ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿٢١٥﴾ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢١٥﴾]
(فإن عصوك)... هذا لدفع احتراز وهم من يتوهم أن قوله: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) يقتضي الرضاء بجميع ما يصدر منهم ما داموا مؤمنين، فدفع هذا بهذا. السعدي:599.
آية
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢١٣﴾]
خوطب به النبي ﷺ مع استحالة صدور المنهي عنه عليه الصلاة والسلام تهييجا وحثا لازدياد الإخلاص؛ فهو كناية عن: «أخلص في التوحيد حتى لا ترى معه عز وجل سواه». وفيه لطف لسائر المكلفين ببيان أن الإشراك من القبح والسوء بحيث ينهى عنه من لم يمكن صدوره عنه، فكيف بمن عداه. الألوسي:10/131.
آية
﴿ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يُمَتَّعُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية:﴿٢٠٧﴾]
يقول تعالى ذكره: ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون على كفرهم بآياتنا، وتكذيبهم رسولنا. (ما أغنى عنهم) يقول: أي شيء أغنى عنهم التأخير الذي أخرنا في آجالهم، والمتاع الذي متعناهم به من الحياة، إذ لم يتوبوا؟!... هل زادهم تمتيعنا إياهم ذلك إلا خبالا؟! وهل نفعهم شيئا؟! بل ضرهم بازديادهم من الآثام، واكتسابهم من الإجرام ما لو لم يمتعوا لم يكتسبوه. الطبري:19/402.