سورة المؤمنون
آية
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴿٢﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ ﴿٤﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١﴾]
هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين، وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي شيء وصلوا إلى ذلك، في ضمن ذلك: الحث على الاتصاف بصفاتهم، والترغيب فيها. فلْيَزِنِ العبدُ نفسه وغيره على هذه الآيات، ويعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان زيادةً ونقصاً، كثرة وقلة. السعدي:547.
آية
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ ﴿١٠﴾ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١﴾]
أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم، وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال؛ إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات، ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب، وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا؛ فالخشوع يتضمن السكينة والتواضع جميعا. ابن تيمية:4/454.
آية
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
سادة القوم ظنوا أنه ما جاء بتلك الدعوة إلاّ حباً في أن يَسُود على قومهم؛ فَخَشُوا أن تزول سيادتهم، وهم بجهلهم لا يتدبرون أحوال النفوس، ولا ينظرون مصالح الناس، ولكنهم يقيسون غيرهم على مقياس أنفسهم. ابن عاشور:18/42.
آية
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
استبعدوا أن تكون النبوّة لبشر؛ فيا عجباً منهم إذ أثبتوا الربوبية لحجر! ابن جزي:2/70.
آية
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٢٤﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌۢ بِهِۦ جِنَّةٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
وهذه الشُّبَه التي أوردوها... هي في نفسها متناقضة، متعارضة؛ فقوله: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) أثبتوا أن له عقلاً يكيدهم به ليعلوهم ويسودهم، ويحتاج مع هذا أن يحذر منه لئلا يغتر به، فكيف يلتئم مع قولهم: (إن هو إلا رجل به جنة)؟! السعدي:550.
آية
﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْءَاكِلِينَ ﴿٢٠﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٠﴾]
(وإن لكم في الأنعام لعبرة): بيان للنعم الواصلة إليهم من جهة الحيوان إثر بيان النعم الفائضة من جهة الماء والنبات. الألوسي:9/225.
آية
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٨﴾]
يقول جل ثناؤه: وإنا على الماء الذي أسكناه في الأرض لقادرون أن نذهب به، فتهلكوا أيها الناس عطشا، وتخرب أرضوكم، فلا تنبت زرعا، ولا غرسا، وتهلك مواشيكم، يقول: فمن نعمتي عليكم تركي ذلك لكم في الأرض جاريا. الطبري:19/20.
آية
﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ ۞ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٥﴾]
أي: بعيد بعيد ما يعدكم به من البعث بعد أن تمزقتم، وكنتم تراباً وعظاماً؛ فنظروا نظراً قاصراً، ورأوا هذا بالنسبة إلى قدرهم غير ممكن، فقاسوا قدرة الخالق بقُدَرِهم، تعالى الله. السعدي:551.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَٰهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٣﴾]
بيان سنة من سنن البشر؛ وهي أن دعوة الحق أول من يردها الكبراء من أهل الكفر. الجزائري:3/513.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَٰهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٣﴾]
وفي هذين الوصفين إيماء إلى أنهما الباعث على تكذيبهم رسولَهم؛ لأن تكذيبهم بلقاء الآخرة ينفي عنهم توقع المؤاخذة بعد الموت، وثروتهم ونعمتهم تغريهم بالكبر والصلف؛ إذ ألِفوا أن يكونوا سادة لا تبعاً. ابن عاشور:18/52.
آية
﴿ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٨﴾]
قال الخفاجي: إن في ذلك إشارة إلى أنه لا ينبغي المسرة بمصيبة أحد؛ ولو عدوا من حيث كونها مصيبة له؛ بل لما تضمنته من السلامة من ضرره، أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله. الألوسي:9/230.
آية
﴿ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٢٨﴾ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٨﴾]
ثم أمره تعالى بأن يحمد ربه على النجاة من الظلمة عند استوائه وتمكنه في الفلك، ثم أمره بالدعاء في بركة المنزل. ابن عطية:4/142.
آية
﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴿٥٥﴾ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٥﴾]
يعني: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا، ومعزتهم عندنا؟! كلا، ليس الأمر كما يزعمون... لقد أخطأوا في ذلك، وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً، وإنظاراً وإملاءً. ابن كثير:3/240.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥١﴾]
روى الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك». القرطبي:12/172.
آية
﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٠﴾]
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم -عليهما السلام- أنه جعلهما آية للناس: أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء؛ فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى. ابن كثير:3/238.
آية
﴿ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَٰهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧١﴾]
(ولو اتبع الحق أهواءهم) أي: بما يهواه الناس ويشتهونه؛ لبطل نظام العالم؛ لأن شهوات الناس تختلف، وتتضاد، وسبيل الحق أن يكون متبوعا، وسبيل الناس الانقياد للحق. القرطبي:15/72.
آية
﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةٌۢ ۚ بَلْ جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٠﴾]
وإنما أسندت كراهية الحق إلى أكثرهم دون جميعهم؛ إنصافاً لمن كان منهم من أهل الأحلام الراجحة الذين علموا بطلان الشرك، وكانوا يجنحون إلى الحق، ولكنهم يشايعون طغاة قومهم مصانعة لهم، واستبقاء على حرمة أنفسهم. ابن عاشور:18/91.
آية
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَٰبِقُونَ ﴿٦١﴾ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦١﴾]
لما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر؛ أخبر تعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعهاً. السعدي:554.
آية
﴿ قُل لِّمَنِ ٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٤﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٨٥﴾ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ ﴿٨٦﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٨٤﴾]
ودلت هذه الآيات على جواز جدال الكفار، وإقامة الحجة عليهم. القرطبي:15/80.
آية
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٨﴾]
وذكر السمع، والبصر، والأفئدة -وهي القلوب- لعظم المنافع التي فيها، فيجب شكر خالقها، ومن شكره: توحيده، واتباع رسوله عليه الصلاة السلام، ففي ذكرها تعديد نعمة، وإقامة حجة. ابن جزي:2/76.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴿٧٦﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٦﴾]
(وما يتضرعون) إليه، ويفتقرون، بل مر عليهم ذلك، ثم زال كأنه لم يصبهم؛ لم يزالوا في غيهم وكفرهم، ولكن وراءهم العذاب الذي لا يرد، وهو قوله: (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد). السعدي:556.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٦﴾]
يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا، وسخطنا، وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف، (فما استكانوا لربهم) يقول: فما خضعوا لربهم؛ فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته، (وما يتضرعون) يقول: وما يتذللون له. الطبري:19/60.
آية
﴿ وَلَوْ رَحِمْنَٰهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا۟ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٥﴾]
يقول تعالى: ولو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب، وضر الجوع، والهزال; (للجوا في طغيانهم) يعني: في عتوهم، وجرأتهم على ربهم. (يعمهون) يعني: يترددون. الطبري:19/59.
آية
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠١﴾]
(فلا أنساب بينهم) المعنى: أنه ينقطع يومئذ التعاطف والشفقة التي بين القرابة؛ لاشتغال كل أحد بنفسه؛ كقوله: (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه) [عبس: 34، 35] فتكون الأنساب كأنها معدومة. (ولا يتساءلون) أي: لا يسأل بعضهم بعضاً؛ لاشتغال كل أحد بنفسه، فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين قوله: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) [الصافات: 27] فالجواب: أن ترك التساؤل عند النفخة الأولى، ثم يتساءلون بعد ذلك؛ فإن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف كثيرة. ابن جزي:2/79.
آية
﴿ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩٦﴾]
(ادفع بالتي هي أحسن السيئة)... هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر، وأما المسيء من الشياطين فإنه لا يفيد فيه الإحسان، ولا يدعو حزبه إلا ليكونوا من أصحاب السعير، فالوظيفة في مقابلته أن يسترشد ما أرشد الله إليه رسوله، فقال: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين). السعدي:559.
آية
﴿ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍۭ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩١﴾]
هذا برهان على الوحدانية؛ وبيانه أن يقال: لو كان مع الله إله آخر لانفرد كل واحد منهما بمخلوقاته عن مخلوقات الآخر، واستبدّ كل واحد منهما بملكه، وطلب غلبة الآخر، والعلوّ عليه؛ كما ترى حال ملوك الدنيا. ولكن لما رأينا جميع المخلوقات مرتبطة بعضها ببعض-حتى كأن العالم كله كرة واحدة- علمنا أن مالكه ومدبره واحد، لا إله غيره. ابن جزي:2/77.
آية
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَٰكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴿١١٥﴾ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١١٥﴾]
(فتعالى الله) أي: تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل الذي يرجع إلى القدح في حكمته. السعدي: 560.
آية
﴿ إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴿١٠٩﴾ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠٩﴾]
وقوله في هذه الآية: (إنه كان فريق من عبادي) يدل فيه لفظ (إن) المكسورة المشددة، على أن الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم، وسخريتهم من الفريق المؤمن الذي يقول: (ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين)؛ فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله، والإيمان به؛ فيدخلون بذلك النار. الشنقيطي:5/360.
آية
﴿ إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴿١٠٩﴾ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠٩﴾]
ويستفاد من هذا: التحذير من السخرية، والاستهزاء بالضعفاء والمساكين، والاحتقار لهم، والإزراء عليهم، والاشتغال بهم فيما لا يغني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل. القرطبي:15/95.