سورة مريم
آية
﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَٰمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨﴾]
تعجب واستبعاد أن يكون له ولد مع شيخوخته وعقم امرأته؛ فسأل ذلك أولاً لعلمه بقدرة الله عليه، وتعجب منه لأنه نادر في العادة. وقيل: سأله وهو في سِنّ من يرجوه، وأجيب بعد ذلك بسنين وهو قد شاخ. ابن جزي:2/4.
آية
﴿ وَإِنِّى خِفْتُ ٱلْمَوَٰلِىَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿١﴾]
وجه خوفه: أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل الله ولداً يكون نبياً من بعده؛ ليسوسهم بنبوته ما يوحى إليه، فأجيب في ذلك، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله؛ فإن النبي أعظم منزلة، وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حَدُّهُ. ابن كثير:3/109.
آية
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّى وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤﴾]
قال العلماء: يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نعم الله تعالى عليه، وما يليق بالخضوع؛ لأن قوله تعالى: (وهن العظم مني) إظهار للخضوع، وقوله: (ولم أكن بدعائك رب شقياً) إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته؛ أي: لم أكن بدعائي إياك شقيا؛ أي: لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك؛ أي: إنك عودتني الإجابة فيما مضى. القرطبي:13/409.
آية
﴿ وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿٢٥﴾ فَكُلِى وَٱشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢٥﴾]
وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن خير ما تطعمه النفساء الرطب؛ قالوا: لو كان شيء أحسن للنفساء من الرطب لأطعمه الله مريم وقت نفاسها بعيسى، قاله الربيع بن خثيم وغيره. الشنقيطي:3/399.
آية
﴿ وَسَلَٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿١٥﴾]
قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم يولد؛ فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت؛ فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث؛ فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا، فخصه بالسلام عليه. ابن كثير:3/111.
آية
﴿ وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿١٤﴾]
يقول تعالى ذكره: وكان برا بوالديه، مسارعا في طاعتهما ومحبتهما، غير عاق بهما، (ولم يكن جباراً عصياً): يقول جل ثناؤه: ولم يكن مستكبرا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعا، متذللا؛ يأتمر لما أمر به، وينتهي عما نهي عنه، لا يعصي ربه، ولا والديه. الطبري:18/160.
آية
﴿ إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٢٦﴾]
وإنما لم تؤمر بمخاطبتهم في نفي ذلك عن نفسها لأن الناس لا يصدقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد أعظم شاهد على براءتها؛ فإن إتيان المرأة بولد من دون زوج، ودعواها أنه من غير أحد من أكبر الدعاوى التي لو أقيم عدة من الشهود لم تصدق بذلك، فجعلت بينة هذا الخارق للعادة أمراً من جنسه؛ وهو كلام عيسى في حال صغره جداً. السعدي:492.
آية
﴿ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٣﴾]
وفي هذا من لطف الخطاب ولينه ما لا يخفى؛ فإنه لم يقل: «يا أبت أنا عالم وأنت جاهل»، أو «ليس عندك من العلم شيء»، وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علماً، وأن الذي وصل إليَّ لم يصل إليك ولم يأتك. السعدي:494.
آية
﴿ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِى عَنكَ شَيْـًٔا ﴿٤٢﴾ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِىٓ أَهْدِكَ صِرَٰطًا سَوِيًّا ﴿٤٣﴾ يَٰٓأَبَتِ لَا تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَٰنَ ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا ﴿٤٤﴾ يَٰٓأَبَتِ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَٰنِ وَلِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٤٢﴾]
فتدرج الخليل- عليه السلام- بدعوة أبيه بالأسهل فالأسهل؛ فأخبره بعلمه وأن ذلك موجب لاتباعك إياي، وأنك إن أطعتني اهتديت إلى صراط مستقيم، ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضار، ثم حذره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله، وأنه يكون ولياً للشيطان. السعدي:495.
آية
﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٣٩﴾]
الحسرة: أشد الندم والتلف على الشيء الذي فات ولا يمكن تداركه، والإنذار: الإعلام المقترن بتهديد؛ أي: أنذر الناس يوم القيامة، وقيل له يوم الحسرة لشدة ندم الكفار فيه على التفريط، وقد يندم فيه المؤمنون على ما كان منهم من التقصير. الشنقيطي:3/422.
آية
﴿ جَنَّٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ ﴾ [سورة مريم آية:﴿٦١﴾]
أضافها إلى اسمه (الرحمن) لأنها فيها من الرحمة والإحسان ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وأيضاً ففي إضافتها إلى رحمته ما يدل على استمرار سرورها، وأنها باقية بقاء رحمته التي هي أثرها وموجبها. السعدي:497.
آية
﴿ قُلْ مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوْا۟ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلْعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧٥﴾]
فمعيار التفرقة بين النّعمة الناشئة عن رضى الله تعالى على عبده وبين النعمة التي هي استدراج لمن كفر به هو النظر إلى حال من هو في نعمة بين حال هدى وحال ضلال. [ابن عاشور:16/155].
آية
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧٣﴾]
(خير مقاماً) أي: في الدنيا من: كثرة الأموال، والأولاد، وتوفر الشهوات... وعلم من هذا أن الاستدلال على خير الآخرة بخير الدنيا من أفسد الأدلة، وأنه من طرق الكفار. السعدي:499.
آية
﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٧١﴾]
كان عبد الله بن رواحة واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله عز وجل: (وإن منكم إلا واردها) فلا أدري أنجو منها، أم لا. وكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل له: ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ فقال: أُخبِرنا أَنَّا واردوها، ولم نُخْبَر أَنَّا صادرون عنها. ابن كثير:3/129.
آية
﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٦٩﴾]
(أيهم أشد على الرحمن عتيا): عتواً؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني جرأة. وقال مجاهد: فجورا؛ يريد: الأعتى فالأعتى. وقال الكلبي: قائدهم ورأسهم في الشر؛ يريد أنه يقدم في إدخال النار من هو أكبر جرما وأشد كفرا. وفي بعض الآثار: أنهم يحشرون جميعا حول جهنم مسلسلين مغلولين، ثم يقدم الأكفر فالأكفر. البغوي:3/99
آية
﴿ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ﴾ [سورة مريم آية:﴿٨٠﴾]
أي: نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما- وغيره: «أي: نرثه المال والولد بعد إهلاكنا إياه». وقيل: نحرمه ما تمناه في الآخرة من مال وولد، ونجعله لغيره من المسلمين. (ويأتينا فرداً) أي: منفردا لا مال له، ولا ولد، ولا عشيرة تنصره. القرطبي:13/509.