سورة الإسراء
آية
﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧﴾]
معنى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) أننا نرد لكم الكرة لأجل التوبة وتجدد الجيل وقد أصبحتم في حالة نعمة، فإن أحسنتم كان جزاؤكم حسنا وإن أسأتم أسأتم لأنفسكم، فكما أهلكنا من قبلكم بذنوبهم فقد أحسنا إليكم بتوبتكم، فاحذروا الإساءة كيلا تصيروا إلى مصير من قبلكم. ابن عاشور:15/28.
آية
﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُو۟لِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا۟ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴿٥﴾ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَٰكُم بِأَمْوَٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥﴾]
فكان ظهور بني إسرائيل على عدوهم تارة، وظهور عدوهم تارة من دلائل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم، وكذلك ظهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم على عدوهم تارة، وظهور عدوهم عليهم تارة هو من دلائل رسالة محمد وأعلام نبوته. ابن تيمية:4/203.
آية
﴿ وَءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلْنَٰهُ هُدًى لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا۟ مِن دُونِى وَكِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢﴾]
نهى أن يتخذ من دونه وكيلا لأن المخلوق لا يستقل بجميع حاجات العبد. والوكالة الجائزة أن يوكل الإنسان في فعل يقدر عليه، فيحصل للموكل بذلك بعض مطلوبه، فأما مطالبه كلها فلا يقدر عليها إلا الله. ابن تيمية:4/202.
آية
﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١﴾]
والحق أنه- عليه السلام- أُُسري به يقظةً لا مناماً... فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظماً، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم. وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال: (أسرى بعبده). ابن كثير:3/23.
آية
﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١﴾]
الافتتاح بكلمة التسبيح من دون سبق كلام مُتضمّنٍ ما يَجب تنزيه الله عنه يؤذن بأن خبراً عجيباً يستقبله السامعون؛ دالاً على عظيم القدرة من المتكلم، ورفيع منزلة المتحدث عنه. ابن عاشور:15/9.
آية
﴿ وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ ٱلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا۟ فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَٰهُ تَفْصِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٢﴾]
أي: علامتين على وحدانيتنا، ووجودنا، وكمال علمنا وقدرتنا، والآية فيهما: إقبال كل منهما من حيث لا يعلم، وإدباره إلى حيث لا يعلم، ونقصان أحدهما بزيادة الآخر، وبالعكس آية أيضا، وكذلك ضوء النهار، وظلمة الليل. القرطبي:13/37.
آية
﴿ إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩﴾]
والمعنى: أنه يهدي للتي هي أقوم من هُدى كتاب بني إسرائيل الذي في قوله: (وجعلناه هدى لبني إسرائيل)؛ ففيه إيماء إلى ضمان سلامة أمة القرآن من الحيدة عن الطريق الأقوم. ابن عاشور:15/40.
آية
﴿ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَٰفِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨﴾]
في هذه الآيات التحذير لهذه الأمة من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم ما أصاب بني إسرائيل؛ فسنة الله واحدة؛ لا تُبَدَّلُ ولا تُغَيَّرُ، ومن نظر إلى تسليط الكفرة على المسلمين والظلمة عرف أن ذلك من أجل ذنوبهم؛ عقوبة لهم، وأنهم إذا أقاموا كتاب الله وسنة رسوله مكن لهم في الأرض، ونصرهم على أعدائهم. السعدي:454.
آية
﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٣﴾]
(أُف): معناها قول مكروه؛ يقال عند الضجر ونحوه، وإنما المراد بها أقل كلمة مكروهة تصدر من الإنسان، فنهى الله تعالى أن يقال ذلك للوالدين، فأولى وأحرى ألا يقال لهما ما فوق ذلك. ابن جزي:1/485.
آية
﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٣﴾]
وإنما خص حالة الكبر لأنهما حينئذ أحوج إلى البر والقيام بحقوقهما لضعفهما. ابن جزي:1/485.
آية
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٦﴾]
وهذا أدب خُلقي عظيم، وهو أيضاً إصلاح عقلي جليل؛ يعلم الأمة التفرقة بين مراتب الخواطر العقلية؛ بحيث لا يختلط عندها المعلوم، والمظنون، والموهوم. ابن عاشور:15/101.
آية
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٢﴾]
ووصف الله الزنا وقبَّحه بأنه كان فاحشة أي: إثماً يستفحش في الشرع، والعقل، والفطر؛ لتضمنه التجرؤ على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد. السعدي:457.
آية
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرًۢا بَصِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٠﴾]
أي: خبير بصير بمن يستحق الغنى، ومن يستحق الفقر؛ فإن من العباد من لا يصلحه إلا الفقر، ولو غني لفسد عليه دينه، وإن من العباد لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو افتقر لفسد عليه دينه، وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجاً، والفقر عقوبةً. عياذاً بالله من هذا وهذا. ابن كثير:3/37.
آية
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٨﴾]
(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك): استعارة في معنى غاية البخل؛ كأن البخيل حبست يده عن الإعطاء، وشدت إلى عنقه. (ولا تبسطها كل البسط): استعارة في معنى غاية الجود. فنهى الله عن الطرفين وأمر بالتوسط بينهما؛ كقوله: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) [الفرقان: 67]. ابن جزي:1/486.
آية
﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِۦٓ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٧﴾]
أي: إنما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن لأننا نعلم أن مقاصدهم سيئة؛ يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به، وليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقبول الحق، وإنما هم معتمدون على عدم اتباعه، ومن كان بهذه الحالة لم يفده الاستماع شيئاً. السعدي:459.
آية
﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٦﴾]
قوله: (وفي آذانهم وقرا) أي: وجعل تعالى في آذان أولئك المشركين الخصوم ثقلاً في آذانهم؛ فلا يسمعون القرآن الذي يتلى عليهم؛ وهذا كله من الحجاب الساتر. والأكنة، والوقر في الآذان عقوبة من الله تعالى لهم حرمهم بها من الهداية بالقرآن لسابقة الشر لهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين ببغضهم للرسول وما جاء به، وحربهم له ولما جاء به من التوحيد، والدين الحق. الجزائري:3/199.
آية
﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٥﴾]
ووصف الحجاب بالمستور مبالغة في حقيقة جنسه؛ أي: حجاباً بالغاً الغاية في حجب ما يحجبه هو، حتى كأنه مستور بساتر آخر... أو أريد أنه حجاب من غير جنس الحجب المعروفة؛ فهو حجاب لا تراه الأعين. ابن عاشور:15/117.
آية
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٤﴾]
ولعل إيثار فعل: (لا تفقهون) دون أن يقول: «لا تعلمون» للإشارة إلى أن المنفي علم دقيق. ابن عاشور:15/115.
آية
﴿ أَفَأَصْفَىٰكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ إِنَٰثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٠﴾]
وجَعْله مجرد قول؛ لأنه لا يعدو أن يكون كلاماً صدر عن غير روية؛ لأنه لو تأمله قائله أدنى تأمل؛ لوجده غير داخل تحت قضايا المقبول عقلاً. ابن عاشور:15/108.
آية
﴿ وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا۟ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٣﴾]
والمقصد الأهم من هذا التأديب تأديب الأمة في معاملة بعضهم بعضاً بحسن المعاملة وإلانةِ القول؛ لأن القول ينم عن المقاصد...ثم تأديبهم في مجادلة المشركين اجتناباً لما تثيره المشادة والغلظة من ازدياد مكابرة المشركين وتصلبهم، فذلك من نزغ الشيطان بينهم وبين عدوهم. ابن عاشور:15/132.
آية
﴿ وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا۟ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٣﴾]
أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم، فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم؛ لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم؛ فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه. السعدي:460.
آية
﴿ وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٤﴾]
مشاركته في الأموال بكسبها من الربا، وإنفاقها في المعاصي، وغير ذلك، ومشاركته في الأولاد هي بالاستيلاد بالزنا، وتسمية الولد عبد شمس وعبد الحارث، وشبه ذلك. ابن جزي:1/492.
آية
﴿ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٤﴾]
كل متكلم بغير طاعة الله، ومصوت بيراعٍ أو مزمار أو دُفٍّ حرام أو طبل؛ فذلك صوت الشيطان. وكل ساعٍ في معصية الله على قدميه فهو من رَجلِه. وكل راكب في معصية الله فهو من خيَّالته. ابن القيم:2/142-143.
آية
﴿ قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٢﴾]
(لأحتنكن ذريته) معناه: لأستولين عليهم، ولأقودنهم؛ وهو مأخوذ من تحنيك الدابة؛ وهو أن يشدّ على حنكها بحبل فتنقاد. ابن جزي:1/491.
آية
﴿ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلْقُرْءَانِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٠﴾]
لما أخبرهم بالإسراء وشجرة الزقوم أنكر ذلك طائفة منهم، وزعموا أن العقل ينفي ذلك، وأنزل الله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن)...أي: محنة وابتلاء للناس؛ ليتميّز المؤمن عن الكافر، وكان فيما أخبرهم به أنّه رأى الجنَّة والنَّار، وهذا ممّا يُخوّفهم به؛ قال تعالى: (وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلاَّ طُغيَانَاً كَبِيرَاً). ابن تيمية:4/235.
آية
﴿ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِٱلْءَايَٰتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٩﴾]
وخص بالذكر ثمود وآيتها لشهرة أمرهم بين العرب، ولأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبَة من أهل مكة؛ يبصرها صادرهم وواردهم في رحلاتهم بين مكة والشام. ابن عاشور:15/144.
آية
﴿ إِذًا لَّأَذَقْنَٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٥﴾]
بحسب علو مرتبة العبد، وتواتر النِّعَمِ عليه من الله يعظم إثمه، ويتضاعف جرمه إذا فعل ما يلام عليه؛ لأن الله ذكَّر رسوله لو فعل -وحاشاه من ذلك- بقوله: (إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً). السعدي:464.
آية
﴿ وَلَوْلَآ أَن ثَبَّتْنَٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـًٔا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٤﴾]
في هذه الآيات دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه، وأنه ينبغي له أن لا يزال متملقاً لربه أن يثبته على الإيمان، ساعياً في كل سبب موصل إلى ذلك؛ لأن النبي ﷺ -وهو أكمل الخلق- قال الله له: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً) فكيف بغيره؟! السعدي:464.
آية
﴿ يَوْمَ نَدْعُوا۟ كُلَّ أُنَاسٍۭ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَٰبَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧١﴾]
الفتيل هو الخيط الذي في شق نواة التمرة، والمعنى أنهم لا يظلمون من أعمالهم قليلاً ولا كثيراً؛ فعبر بأقل الأشياء تنبيهاً على الأكثر. ابن جزي:1/493.
آية
﴿ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٠﴾]
الصحيح الذى يعول عليه: أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله، ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل، وأنزلت الكتب؛ فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس، وأدركت تفاصيل الأشياء. القرطبي 13/126.
آية
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٢﴾]
فالشفاء الذي تضمنه القرآن عامٌّ لشفاء القلوب من الشُّبَه، والجهالة، والانحراف السيء، والقصود السيئة؛ فإنه مشتمل على العلم اليقيني الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير الذي يزول به كل شهوة تخالف أمر الله، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقهامها. السعدي:465.
آية
﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨١﴾]
(إن الباطل كان زهوقاً) أي: هذا وصف الباطل، ولكنه قد يكون له صولة وروجان إذا لم يقابله الحق؛ فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك، ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمان والأمكنة الخالية من العلم بآيات الله وبيناته. السعدي:465.
آية
﴿ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٩﴾]
في صحيح البخاري عن ابن عمر: إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً... - أي: جماعات- كل أمة تتبع نبيها؛ يقولون: يا فلان اشفع؛ حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. ابن عاشور:15/185.
آية
﴿ وَإِن كَادُوا۟ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٦﴾]
أي: لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك بمكة إلا قليلاً. فلما خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- مهاجراً من مكة إلى المدينة لأجل إذاية قريش له ولأصحابه؛ لم يبقوا بعد ذلك إلا قليلاً، وقتلوا يوم بدر. ابن جزي:1/494.
آية
﴿ قُل لَّوْ كَانَ فِى ٱلْأَرْضِ مَلَٰٓئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٥﴾]
(قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين): مستوطنين مقيمين. (لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً): من جنسهم؛ لأن القلب إلى الجنس أميل منه إلى غير الجنس. البغوي:2/717.
آية
﴿ أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٢﴾]
أي: أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتَهِي، وتدلى أطرافها، فعجِّل ذلك في الدنيا، وأسقطها كسفاً... وأما نبي الرحمة ونبي التوبة المبعوث رحمة للعالمين فسأل إنظارهم وتأجيلهم؛ لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً، وكذلك وقع؛ فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه. ابن كثير:3/63.
آية
﴿ لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٨﴾]
فالقرآن معجز في النظم والتأليف، والإخبار عن الغيوب، وهو في أعلى طبقات البلاغة، لا يشبه كلام الخلق؛ لأنه غير مخلوق، ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله. البغوي:2/714
آية
﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٨﴾]
وهذا دليل قاطع، وبرهان ساطع، على صحة ما جاء به الرسول وصدقه؛ حيث تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله، وأخبر أنهم لا يأتون بمثله، ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه، ووقع كما أخبر الله. السعدي:466.
آية
﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٨﴾]
عجِز الخلق عن الإتيان بمثله لما تضمنه من العلوم الإلهية، والبراهين الواضحة والمعاني العجيبة؛ التي لم يكن الناس يعلمونها، ولا يصلون إليها، ثم جاءت فيه على الكمال. وقال أكثر الناس: إنهم عجزوا عنه لفصاحته، وحسن نظمه. ووجوه إعجازه كثيرة. ابن جزي:1/496.
آية
﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّى لَأَظُنُّكَ يَٰفِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٢﴾]
فموسى وهو الصادق المصدوق يقول: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر)، فدل على أن فرعون كان عالما بأن الله أنزل الآيات، وهو من أكبر خلق الله عناداً وبغياً؛ لفساد إرادته وقصده، لا لعدم علمه. ابن تيمية: 4/248.
آية
﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٧﴾]
فإن قيل: كيف وصفهم بأنهم عميٌ، وبكم، وصم، وقد قال: (ورأى المجرمون النار) [الكهف: 53]، أثبت لهم الرؤية، والكلام، والسمع؟ قيل: يحشرون على ما وصفهم اللّه، ثم تعاد إليهم هذه الأشياء، وجواب آخر: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عميا وبكما): لا يرون ما يسرهم، كما لا ينطقون بحجة، (وَصُمًّا) لا يسمعون شيئاً يسرهم، وقال الحسن: هذا حين يساقون إلى الموقف إلى أن يدخلوا النار. البغوي: 2/718.
آية
﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٧﴾]
وهذا جزاء مناسب للجرم؛ لأنهم روّجوا الضلالة في صورة الحق، ووسموا الحق بسمات الضلال، فكان جزاؤهم أن حولت وجوههم أعضاءَ مشي عِوضاً عن الأرجل، ثم كانوا (عميا وبكما) جزاء أقوالهم الباطلة على الرسول وعلى القرآن، و(صما) جزاء امتناعهم من سماع الحق. ابن عاشور: 15/217.
آية
﴿ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٧﴾]
يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه. وهذا هو الصحيح؛ لحديث أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله! الذين يحشرون على وجوههم؛ أيحشر الكافر على وجهه؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس الذي أمشاه على الرجلين قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟» قال قتادة حين بلغه: بلى وعزة ربنا. أخرجه البخاري ومسلم. القرطبي: 13/178