سورة البقرة
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٣﴾]
وجه ترتب الإنفاق على الإيمان بالغيب أن المدد غيب؛ لأن الإنسان لما كان لا يطلع على جميع رزقه كان رزقه غيبا، فاذا أيقن بالخلف جاد بالعطية، فمتى أمد بالأرزاق تمت خلافته، وعظم فيها سلطانه، وانفتح له باب إمداد برزق أعلى وأكمل من الأول. البقاعي: 1/30.
آية
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٣﴾]
وأتى بـ (من) الدالة على التبعيض؛ لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءاً يسيراً من أموالهم، غير ضار لهم، ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم،وفي قوله: (رزقناهم) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم، ليست حاصلة بقوتكم وملككم، وإنما هي رزق الله الذي خولكم، وأنعم به عليكم؛ فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم. السعدي: 41.
آية
﴿ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٣﴾]
لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون بالصلاة؛ لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة؛ فإقامة الصلاة: إقامتها ظاهراًً بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، وإقامتها باطناًً بإقامة روحها؛ وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها. السعدي: 41.
آية
﴿ ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٢﴾]
لم يقل: هدى للمصلحة الفلانية، ولا للشيء الفلاني؛ لإرادة العموم، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين؛ فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية، ومُبَيِّن للحق من الباطل، والصحيح من الضعيف، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم وأُخراهم. السعدي: 40.
آية
﴿ الٓمٓ ﴿١﴾ ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١﴾]
إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها... ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء. ابن كثير: 1/36-37.
آية
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُا۟ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمْ وَمَا كَانُوا۟ مُهْتَدِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٦﴾]
أي: رغبوا في الضلالة رغبة المشتري بالسلعة التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة، وهذا من أحسن الأمثلة؛ فإنه جعل الضلالة التي هي غاية الشر كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن. السعدي: 43.
آية
﴿ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠﴾]
(في قلوبهم مرض)؛ أي: بسكونهم إلى الدنيا وحبهم لها، وغفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عنها. وقوله: (فزادهم الله مرضا)؛ أي: وكلهم إلى أنفسهم، وجمع عليهم هموم الدنيا؛ فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام بالدين. (ولهم عذاب أليم) بما يفنى عما يبقى. وقال الجنيد: علل القلوب من اتباع الهوى، كما أن علل الجوارح من مرض البدن. القرطبي: 1/300.
آية
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٨﴾]
نبه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون؛ فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار. ابن كثير: 1/46.
آية
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٨﴾]
لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات، ثم عَرَّفَ حال الكافرين بهاتين الآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس؛ أطنب في ذكرهم بصفات متعددة. ابن كثير: 1/45.
آية
﴿ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰٓ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَٰوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٧﴾]
وفي تقديم السمع على البصر في مواقعه من القرآن دليل على أنه أفضل فائدة لصاحبه من البصر؛ فإن التقديم مؤذن بأهمية المقدم؛ وذلك لأن السمع آلة لتلقي المعارف التي بها كمال العقل، وهو وسيلة بلوغ دعوة الأنبياء إلى أفهام الأمم على وجه أكمل من بلوغها بواسطة البصر لو فقد السمع. ابن عاشور: 1/258.
آية
﴿ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰٓ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَٰوَةٌ ۖ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٧﴾]
ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان، فقال: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان، ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما ينفعهم، ولا يسمعون ما يفيدهم، (وعلى أبصارهم غشاوة)؛ أي: غشاء وغطاء وأكِنَّة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم. وهذه طرق العلم والخير قد سدت عليهم؛ فلا مطمع فيهم، ولا خير يرجى عندهم، وإنما منعوا ذلك وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم. السعدي: 42.
آية
﴿ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٧﴾]
الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع؛ فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها مخلص، فذلك هو الختم والطبع الذي ذكره في قوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم). ابن كثير: 1/45.
آية
﴿ وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا۟ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِۦ وَٱدْعُوا۟ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿٢٣﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا۟ وَلَن تَفْعَلُوا۟ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٢٣﴾]
أي: ولن تفعلوا ذلك أبداً، وهذه أيضاً معجزة أخرى، وهو أنه أخبر خبراً جازماً قاطعاً مقدماً غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد الآبدين، ودهر الداهرين، وكذلك وقع الأمر لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا، ولا يمكن، وأنَّى يتأتى ذلك لأحد. ابن كثير: 1/58.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٢١﴾]
(اعبدوا ربكم): يدخل فيه الإيمان به سبحانه، وتوحيده، وطاعته؛ فالأمر بالإيمان به لمن كان جاحدا، والأمر بالتوحيد لمن كان مشركا، والأمر بالطاعة لمن كان مؤمنا. ابن جزي: 1/56.
آية
﴿ صُمٌّۢ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٨﴾]
قال تعالى [عنهم]: (صم) أي: عن سماع الخير، (بكم) [أي]: عن النطق به، (عمي): عن رؤية الحق، (فهم لا يرجعون): لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه، فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال؛ فإنه لا يعقل، وهو أقرب رجوعا منهم. السعدي: 44.
آية
﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُمَٰتٍ لَّا يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٧﴾]
فإن قيل: ما وجه تشبيه المنافقين بصاحب النار التي أضاءت ثم أظلمت؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن منفعتهم في الدنيا بدعوى الإيمان شبيه بالنور، وعذابهم في الآخرة شبيه بالظلمة بعده، والثاني: أن استخفاء كفرهم كالنور، وفضيحتهم كالظلمة، والثالث: أنّ ذلك فيمن آمن منهم ثم كفر، فإيمانه نور، وكفره بعده ظلمة، ويرجح هذا قوله: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا). ابن جزي: 1/54.
آية
﴿ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِۦ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٢٦﴾]
أي: ببركة اعتقادهم الخير، وتسليمهم له الأمر، يهديهم ربهم بإيمانهم؛ فيفهمهم المراد منه، ويشرح صدورهم لما فيه من المعارف؛ فيزيدهم به إيماناً وطمأنينة وإيقانا. والمهديون كثير في الواقع، قليل بالنسبة إلى الضالين. البقاعي: 1/77.
آية
﴿ ۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِۦ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٢٦﴾]
ذم لمن يضل به؛ فإنه فاسق، ليس أنه كان فاسقا قبل ذلك؛ ولهذا تأولها سعد بن أبي وقاص في الخوارج، وسماهم «فاسقين» لأنهم ضلوا بالقرآن؛ فمن ضل بالقرآن فهو فاسق. ابن تيمية: 1/178.
آية
﴿ قَالُوا۟ سُبْحَٰنَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٣٢﴾]
الواجب على من سُئل عن علم أن يقول إن لم يعلم: الله أعلم، ولا أدري؛ اقتداء بالملائكة، والأنبياء، والفضلاء من العلماء، لكن أخبر الصادق أن بموت العلماء يُقبض العلم، فيبقى ناس جهال يُستفتَون؛ فيُفتون برأيهم؛ فيضلون، ويُضلون. القرطبي: 1/425.
آية
﴿ وَٱسْتَعِينُوا۟ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٤٥﴾]
وإنما لم تثقل عليهم؛ لأنهم عارفون بما يحصل لهم فيها، متوقعون ما ادخر من ثوابها؛ فتهون عليهم، ولذلك قيل: من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية. الألوسي: 1/249.
آية
﴿ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٤٤﴾]
وليس المراد: ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له؛ فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به ولا يتخلف عنهم... فكُلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر. ابن كثير: 1/82.
آية
﴿ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِى ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّٰىَ فَٱتَّقُونِ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٤١﴾]
وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول من فعل فعلهم؛ فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله، أو امتنع من تعليم ما وجب عليه، أو أداء ما علمه –وقد تعيَّن عليه- حتى يأخذ عليه أجراً ؛ فقد دخل في مقتضى الآية. القرطبي: 2/11.
آية
﴿ وَءَامِنُوا۟ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوٓا۟ أَوَّلَ كَافِرٍۭ بِهِ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٤١﴾]
تصديق القرآن للتوراة وغيرها، وتصديق محمد ﷺ للأنبياء والمتقدمين له ثلاث معان: أحدها: أنهم أخبروا به؛ ثم ظهر كما قالوا؛ فتبين صدقهم في الإخبار به، والآخر: أنه ﷺ أخبر أنهم أنبياء، وأنزل عليهم الكتب، فهو مصدق لهم؛ أي: شاهد بصدقهم، والثالث: أنه وافقهم فيما في كتبهم من التوحيد وذكر الدار الآخرة وغير ذلك من عقائد الشرائع؛ فهو مصدق لهم لاتفاقهم في الإيمان بذلك. ابن جزي: 1/64.
آية
﴿ يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٤٠﴾]
مُهَيِّجاً لهم بذكر أبيهم إسرائيل، وهو نبي الله يعقوب عليه السلام، وتقديره: يا بني العبد الصالح المطيع لله: كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق، كما تقول: يا ابن الكريم: افعل كذا، يا ابن الشجاع: بارز الأبطال، يا ابن العالم: اطلب العلم، ونحو ذلك. ابن كثير: 1/79.
آية
﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا۟ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٥٧﴾]
فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويُقِيتُهم. (كلوا من طيبات ما رزقناكم) أي: رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين. فلم يشكروا هذه النعمة، واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب. السعدي: 49.
آية
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٥٤﴾]
جعلتم أنفسكم متذللة لمن لا يملك لها شيئاًً ولمن هي أشرف منه، فهذا هو أسوأ الظلم؛ فإن المرء لا يصلح أن يتذلل ويتعبد لمثله، فكيف لمن دونه من حيوان! فكيف بما يشبه بالحيوان من جماد الذهب الذي هو من المعادن. البقاعي: 1/134.
آية
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٦١﴾]
والمعنى: أن الذي حملهم على الكفر بآيات الله تعالى وقتلهم الأنبياء إنما هو تقدم عصيانهم، واعتدائهم، ومجاوزتهم الحدود، والذنب يجر الذنب. الألوسي: 1/277.
آية
﴿ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٦١﴾]
(ذلك بما عصوا) بأن ارتكبوا معاصي الله، (وكانوا يعتدون) على عباد الله؛ فإن المعاصي يجر بعضها بعضا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير، ثم ينشأ عنه الذنب الكبير، ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك، فنسأل الله العافية من كل بلاء. السعدي: 53.
آية
﴿ ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ ۚ ٱهْبِطُوا۟ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٦١﴾]
فيه تهديد لهذه الأمة بما غلب على أهل الدنيا منهم من مثل أحوالهم باستبدال الأدنى في المعنى من الحرام والمتشابه بالأعلى من الطيب. البقاعي: 1/149.
آية
﴿ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُوا۟ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُوا۟ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَٱدْخُلُوا۟ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا۟ حِطَّةٌ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٥٨﴾]
وحاصل الأمر: أنهم أمِروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول، وأن يعترفوا بذنوبهم، ويستغفروا منها، والشكر على النعمة عندها.... ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جداً عند النصر، كما روي أنه كان يوم الفتح -فتح مكة- داخلاً إليها من الثنية العليا، وإنه لخاضع لربه، حتى إن عثنونه ليمس مورك رحله شكراًً لله على ذلك، ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات. ابن كثير: 1/94.
آية
﴿ قَالُوا۟ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ ۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌۢ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَٱفْعَلُوا۟ مَا تُؤْمَرُونَ ﴿٦٨﴾ قَالُوا۟ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٦٨﴾]
فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شدّدوا فشدَّد عليهم، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً، فأخذوها فذبحوها. ابن كثير: 1/103.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٦٧﴾]
لأنه لا يليق بالعقلاء الأفاضل؛ فإنه أخص من المزح لأن في الهزؤ مزحا مع استخفاف واحتقار للممزوح معه، على أن المزح لا يليق في المجامع العامة والخطابة، على أنه لا يليق بمقام الرسول؛ ولذا تبرأ منه موسى. ابن عاشور: 1/548.
آية
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا۟ بَقَرَةً ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٦٧﴾]
قال الماوردي: وإنما أُمروا -والله أعلم- بذبح بقرة دون غيرها؛ لأنها من جنس ما عبدوه من العجل؛ ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته. القرطبي: 2/177
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٦٢﴾]
وهذه طريقة القرآن: إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام، فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم؛ لأنه تنْزيل مَن يعلم الأشياء قبل وجودها، ومَنْ رحمتُه وسعت كل شيء، وذلك -والله أعلم- أنه لما ذكر بني إسرائيل وذمَّهم، وذكر معاصيهم وقبائحهم، ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه. ولما كان أيضاً ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم؛ ذكر تعالى حكماً عاماً يشمل الطوائف كلها؛ ليتضح الحق، ويزول التوهم والإشكال. السعدي: 54.
آية
﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا۟ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٧٥﴾]
(مِن بعد ما عقلوه)؛ أي: عرفوه وعلموه. وهذا توبيخ لهم؛ أي: إن هؤلاء اليهود قد سلفت لآبائهم أفاعيل سوء وعناد، فهؤلاء على ذلك السنن، فكيف تطمعون في إيمانهم؟! ودل هذا الكلام أيضا على أن العالِم بالحق المعاند فيه بعيد من الرشد؛ لأنه علم الوعد والوعيد ولم ينهه ذلك عن عناده. القرطبي: 2/213.
آية
﴿ وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٧٤﴾]
إن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم؛ لخروج الماء منها، وترديها، قال مجاهد: ما تردى حجر من رأس جبل، ولا تفجر نهر من حجر، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله؛ نزل بذلك القرآن. القرطبي: 2/208.
آية
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٨٣﴾]
وأمرناهم بالوالدين إحساناً. وقرن الله عز وجل في هذه الآية حق الوالدين بالتوحيد لأن النشأة الأولى من عند الله، والنشء الثاني -وهو التربية- من جهة الوالدين، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره. القرطبي: 2/229.
آية
﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَٰبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُوا۟ بِهِۦ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٨٠﴾]
وإنما فعلوا ذلك مع علمهم (ليشتروا به ثمناً قليلا)، والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل، فجعلوا باطلهم شَرَكا يصطادون به ما في أيدي الناس، فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق، بل بأبطل الباطل، وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما. السعدي: 56.
آية
﴿ وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلْفٌۢ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٨٨﴾]
أضرب الله سبحانه عنه بقوله: (بل)؛ أي: ليس الأمر كما قالوا من أن هناك غلفا حقيقة، بل (لعنهم الله)؛ أي: طردهم الملك الأعظم عن قبول ذلك؛ لأنهم ليسوا بأهل للسعادة بعد أن خلقهم على الفطرة الأولى القويمة لا غلف على قلوبهم؛ لأن اللعن إبعاد في المعنى والمكانة. البقاعي: 1/182.
آية
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَقَفَّيْنَا مِنۢ بَعْدِهِۦ بِٱلرُّسُلِ ۖ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٨٦﴾]
التأييد بروح القدس لمن ينصر الرسل عام في كل من نصرهم على من خالفهم من المشركين وأهل الكتاب. ابن تيمية: 1/268.
آية
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُوا۟ ۖ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٩٣﴾]
(ورفعنا فوقكم الطور): الجبل العظيم؛ الذي جعلناه زاجرا لكم عن الرضا بالإقامة في حضيض الجهل، ورافعا إلى أوج العلم... ومن سمع فلم يقبل كان كمن لم يسمع. قال: (واسمعوا): وإلا دفناكم به؛ وذلك حيث يكفي غيركم في التأديب رفع الدرة والسوط عليه فينبعث للتعلم. البقاعي: 1/198.
آية
﴿ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْا۟ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا۟ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٩٠﴾]
لما كان كفرهم سببه البغي والحسد، ومنشأ ذلك التكبر؛ قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة. ابن كثير: 1/120.
آية
﴿ وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠١﴾]
قال سفيان بن عيينة: أدرجوها في الحرير والديباج، وحلوها بالذهب والفضة، ولم يعملوا بها؛ فذلك نبذهم لها. البغوي: 1/82
آية
﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا۟ ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِۦ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَٱللَّهُ بَصِيرٌۢ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٩٥﴾]
ذمهم بتهالكهم على بقائهم في الدنيا على أي حالة كانت؛ علماً منهم بأنها -ولو كانت أسوأ الأحوال- خير لهم مما بعد الموت. البقاعي: 1/202.
آية
﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلْءَاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٩٤﴾]
لأن ذلك علم على صلاح حال العبد مع ربه، وعمارة ما بينه وبينه ورجائه للقائه؛... فعلى قدر نفرة النفس من الموت يكون ضعف منال النفس مع المعرفة التي بها تأنس بربها فتتمنى لقاءه وتحبه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. البقاعي: 1/200.
آية
﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلْءَاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿٩٤﴾]
لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا؛ لما يصير إليه من نعيم الجنة، ويزول عنه من أذى الدنيا. القرطبي: 2/257.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرْنَا وَٱسْمَعُوا۟ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠٤﴾]
كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: (راعنا)؛ أي: راع أحوالنا؛ فيقصدون بها معنىً صحيحاًً. وكان اليهود يريدون بها معنى فاسداًً، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة سداًً لهذا الباب؛ ففيه: النهي عن الجائز إذا كان وسيلة إلى محرم. السعدي: 61.
آية
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ ۖ لَّوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠٣﴾]
(لمثوبة من عند الله): لم يقل: «لمثوبة الله» - مع أنه أخصر - ليشعر التنكير بالتقليل؛ فيفيد أن شيئا قليلا من ثواب الله تعالى في الآخرة الدائمة خير من ثواب كثير في الدنيا الفانية، فكيف وثواب الله تعالى كثير دائم؟! الألوسي: 1/347.
آية
﴿ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشْتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنْ خَلَٰقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا۟ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠٢﴾]
السحر لا ينفع في الآخرة، ولا يُقرّب إلى الله، وأنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق؛ فإنّ مبناه على الشرك، والكذب، والظلم، مقصود صاحبه الظلم، والفواحش. ابن تيمية: 2/287.
آية
﴿ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُوا۟ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠٢﴾]
كما أن الملائكة لا تعاون إلا أخيار الناس المشبهين بهم في المواظبة على العبادة، والتقرب إلى الله تعالى بالقول والفعل؛ كذلك الشياطين لا تعاون إلا الأشرار المشبهين بهم في الخباثة والنجاسة قولا، وفعلا، واعتقادا؛ وبهذا يتميز الساحر عن النبي والولي. الألوسي: 1/338.
آية
﴿ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُوا۟ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠٢﴾]
ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان بارتكاب القبائح؛ قولا؛ كالرقى التي فيها ألفاظ الشرك، ومدح الشيطان، وتسخيره، وعملا؛ كعبادة الكواكب، والتزام الجناية، وسائر الفسوق. الألوسي: 1/338.
آية
﴿ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١١٢﴾]
وإنما يدخل الجنة من أسلم وجهه لله؛ أي:أخلص دينه لله، وقيل: أخلص عبادته لله، وقيل: خضع وتواضع لله. وأصل الإسلام: الاستسلام والخضوع، وخص الوجه؛ لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه. البغوي: 1/93.
آية
﴿ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١١٢﴾]
(من أسلم وجهه لله)؛ أي: أخلص لله أعماله، متوجهاً إليه بقلبه (وهو محسن) في عبادة ربه؛ بأن عبده بشرعه، فأولئك هم أهل الجنة وحدهم... ويفهم منها أن من ليس كذلك فهو من أهل النار الهالكين، فلا نجاة إلا لأهل الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول. السعدي: 64.
آية
﴿ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١١٢﴾]
(بلى من أسلم وجهه لله)؛ يقول: من أخلص لله... (وهو محسن)؛ أي: اتبع فيه الرسول ﷺ؛ فإن للعمل المتقبل شرطين: أحدهما: أن يكون خالصاً لله وحده، والآخر: أن يكون صواباًً موافقاًً للشريعة، فمتى كان خالصاًً ولم يكن صواباًً لم يُتَقَبَّلْ. ابن كثير: 1/147.
آية
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠٩﴾]
(ود كثير من أهل الكتاب)؛ أي: تمنوا. ونزلت الآية في حيي بن أخطب وأخيه أبي ياسر، وأشباههما من اليهود؛ الذين كانوا يحرصون على فتنة المسلمين، ويطمعون أن يردّوهم عن الإسلام حَسَداً. ابن جزي: 1/78.
آية
﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٠٦﴾]
معرفة هذا الباب أكيدة، وفائدته عظيمة، لا يستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام. القرطبي: 2/300.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ ءَايَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَٰبَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١١٨﴾]
(تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ): الضمير للذين لا يعلمون وللذين من قبلهم، وتشابه قلوبهم في الكفر، أو في طلب ما لا يصح أن يطلب. ابن جزي:1/ 81.
آية
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ ۚ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١١٤﴾]
من أعلام قيام الساعة: تضييع المساجد؛ لذلك كل أمة وكل طائفة وكل شخص معين تطرق بجُرم في مسجد يكون فعله سبباً لخلائه فإن الله عز وجل يعاقبه بروعة ومخافة تناله في الدنيا. البقاعي: 1/225.
آية
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ ۚ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١١٤﴾]
وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه؛ فلا أعظم إيمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية؛ كما قال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) [التوبة: 18]. السعدي: 63.
آية
﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١١٣﴾]
فهم- كما قال الإمام أحمد -: «مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب»؛ قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه؛ فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء، والذين اختلفوا على الأنبياء. ابن تيمية: 1/311.
آية
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِۦمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَٱرْزُقْ أَهْلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [سورة البقرة آية:﴿١٢٦﴾]
تعميم دعاء الرزق، وأن لا يحجر في طلب اللطف؛ وكأن إبراهيم- عليه السلام- قاس الرزق على الإمامة؛ فنبهه سبحانه على أن الرزق رحمة دنيوية لا تخص المؤمن بخلاف الإمامة. الألوسي: 1/382.