سورة يونس
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٥﴾ إِنَّ فِى ٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥﴾]
في هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله، والنظر فيها بعين الاعتبار؛ فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة. السعدي:358.
آية
﴿ إِنَّهُۥ يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلْقِسْطِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤﴾]
(بالقسط): أي: بالعدل؛ بيان لعلة الحياة بعد الموت؛ إذ هذه الدار دار عمل، والآخرة دار جزاء على هذا العمل؛ فلذا كان البعث واجباً حتماً لا بد منه. الجزائري:2/448.
آية
﴿ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٢﴾]
(ما كانوا يعملون) من: الإعراض عن الذِّكر والدعاء، والانهماك في الشهوات. والإسراف: مجاوزة الحد، وسمُّوا أولئك مسرفين لأن الله تعالى إنما أعطاهم القوى والمشاعر ليصرفوها إلى مصارفها، ويستعملوها فيما خُلِقت له من العلوم والأعمال الصالحة، وهم قد صرفوها إلى ما لا ينبغي مع أنها رأس مالهم. الألوسي:11/108.
آية
﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُۥ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٢﴾]
وفي الآية ذمّ لمن يترك الدعاء في الرخاء، ويهرعُ إليه في الشدة، واللائق بحال الكامل: التضرع إلى مولاه في السراء والضراء؛ فإن ذلك أرجى للإجابة؛ ففي الحديث: (تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة). الألوسي:11/108.
آية
﴿ دَعْوَىٰهُمْ فِيهَا سُبْحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ ۚ وَءَاخِرُ دَعْوَىٰهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠﴾]
فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة؛ ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنْزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة. السعدي:359.
آية
﴿ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩﴾]
أضافها الله إلى النعيم لاشتمالها على النعيم التام؛ نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن، وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطربات، والنغمات المشجيات، والمناظر المفرحات، ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب والمناكح، ونحو ذلك مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون. السعدي:359.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧﴾]
(واطمأنوا بها) أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية مرامهم، ونهاية قصدهم؛ فسعوا لها، وأكبوا على لذاتها وشهواتها؛ بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. (والذين هم عن آياتنا غافلون): فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الأفقية والنفسية، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة عن المدلول المقصود. السعدي:358.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴿٧﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ مَأْوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧﴾]
قال الحسن: والله ما زينوها ولا رفعوها حتى رضوا بها، وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها، بأن مأواهم يوم معادهم النار، جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام، والخطايا، والإجرام. ابن كثير:2/389.
آية
﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٠﴾]
ولو علم الله منهم أنهم سألوا لك استرشاداً وتثبتاً لأجابهم، ولكن علم أنهم إنما يسألون عناداً وتعنتاً؛ فتركهم فيما رابهم. ابن كثير:2/394.
آية
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٨﴾]
و كانوا معترفين بأن آلهتهم لم تشارك الله في خلق السموات والأرض، ولا خلق شيء؛ بل كانوا يتخذونهم شفعاء ووسائط؛ كما قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله). ابن تيمية:3/473.
آية
﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِۦٓ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٦﴾]
(فَقَدْ لَبِثْتُ فيكم عُمُراًً) طويلاً تعرفون حقيقة حالي بأني أمي؛ لا أقرأ، ولا أكتب، ولا أدرس، ولا أتعلم من أحد، فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن مع هذا أن يكون من تلقاء نفسي، أم هذا دليل قاطع أنه تنْزيل من حكيم حميد؟! فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب لجزمتم جزماً لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد؛ فأنتم لا شك أنكم ظالمون. السعدي:360.
آية
﴿ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾]
فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كَذَبَةٌ في ذلك؛ فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، تابعاً لحكمته الربانية ورحمته بعباده. السعدي:360.
آية
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلْقَآئِ نَفْسِىٓ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾]
والتبديل الذي سألوه فيما ذكر: أن يحوّل آية الوعيد آية وعد، وآية الوعد وعيدًا، والحرامَ حلالا، والحلال حرامًا، فأمر الله نبيَّه- صلى الله عليه وسلم- أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع. الطبري: 15/40.
آية
﴿ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾]
قال قتادة: (كأن لم تغن): «كأن لم تنعم». وهكذا الأمور بعد زوالها: كأنها لم تكن؛ ولهذا جاء في الحديث: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيرا قط؟ [هل مر بك نعيم قط؟] فيقول: لا، ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا، فيغمس في النعيم غمسة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا). ابن كثير:2/395.
آية
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلْأَنْعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَٰدِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾]
فكان حال الدنيا في سرعة انقضائها، وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله؛ كحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطاماً بعد ما التف وزيَّن الأرض بخضرته وألوانه وبهجته. البقاعي:3/433.
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٢﴾]
المضطر يجاب دعاؤه، وإن كان كافراً؛ لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى الواحد رب الأرباب. القرطبي:10/475.
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٢﴾]
فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير، وخطب جسيم في بر، أو بحر؛ دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع؛ فمنهم من يدعو الخضر وإلياس... ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة... ولا ترى فيهم أحداً يخص مولاه بتضرعه ودعاه، ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده؛ ينجو من هاتيك الأهوال. الألوسي:11/130.
آية
﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّنۢ بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِىٓ ءَايَاتِنَا ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢١﴾]
وإسناد المساس إلى الضراء بعد إسناد الإذاقة إلى ضمير الجلالة من الآداب القرآنية، كما في قوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء: 80]، ونظائره، وينبغي التأدب في ذلك؛ ففي الخبر: (اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك). الألوسي:11/124.
آية
﴿ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَٰفِلِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٩﴾]
(كفى بالله شهيداً بيننا وبينكم): في ذلك؛ يشهد أنكم لم تخصوا أحداً منه ومنا بعبادة، بل كنتم مذبذبين. وهذا كله إشارة إلى أن العبادة المشوبة لا اعتداد بها، ولا يرضاها جماد لو نطق، وأن من استحق العبادة استحق الإخلاص فيها، وأن لا يشرك به أحد، وأنه لا يستحق ذلك إلاّ القادر على كشف الكرب. البقاعي:3/437.
آية
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾]
أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق؛ بأن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي...فهؤلاء الذين أحسنوا لهم (الحسنى)؛ وهي الجنة الكاملة في حسنها، و(زيادة)؛ وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه، والبهجة بقربه؛ فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون، ويسأله السائلون. السعدي:362.
آية
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾]
ولما دعا إلى دار السلام، كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها، فأخبر عنها بقوله: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة). السعدي:362.
آية
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٢﴾]
منهم من يستمعون إلى النبي ﷺ وقت قراءته للوحي، لا على وجه الاسترشاد، بل على وجه التفرج، والتكذيب، وتطلب العثرات؛ وهذا استماع غير نافع ولا مُجْدٍ على أهله خيراً. السعدي:365.
آية
﴿ بَلْ كَذَّبُوا۟ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا۟ بِعِلْمِهِۦ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٩﴾]
وفي هذا دليل على التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء، أو رده قبل أن يحيط به علماً. السعدي:365.
آية
﴿ بَلْ كَذَّبُوا۟ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا۟ بِعِلْمِهِۦ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٩﴾]
ومما يقصد من هذا التشبيه أمور: أحدها: أن هذه عادة المعاندين الكافرين؛ ليعلم المشركون أنهم مماثلون للأمم التي كذبت الرسل؛ فيعتبروا بذلك، الثاني: التعريض بالنذارة لهم بحلول العذاب بهم كما حل بأولئك الأمم التي عرف السامعون مصيرها، وشاهدوا ديارها، الثالث: تسلية النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه ما لقي من قومه إلا مثل ما لقي الرسل السابقون من أقوامهم. ابن عاشور:11/173.
آية
﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٦﴾]
(وما يتبع أكثرهم إلا ظناً) أي: غير تحقيق؛ لأنه لا يستند إلى برهان. (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً): ذلك في الاعتقادات؛ إذ المطلوب فيها اليقين، بخلاف الفروع. ابن جزي:1/381.
آية
﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَتَىٰكُمْ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٠﴾]
سر إِيثار (بياتاً) على «ليلاً» مع ظهور التقابل فيه: الإشعار بالنوم والغفلة، وكونه الوقت الذي يبيت فيه العدو، ويتوقع فيه، ويغتنم فرصة غفلته، وليس في مفهوم الليل هذا المعنى. القاسمي:4/256.
آية
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾]
ومنهم من ينظر إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة، والسمت، والحسن، والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك لأولي البصائر والنهى، وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم، ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار. ابن كثير:2/400.
آية
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٢﴾ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾]
فإذا فسدت عقولهم وأسماعهم وأبصارهم -التي هي الطرق الموصلة إلى العلم لمعرفة الحقائق- فأين الطريق الموصل إلى الحق؟! السعدي:365.
آية
﴿ وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦١﴾]
يخبر تعالى عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم وسكناتهم، وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام... فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة، والاجتهاد فيها، وإياكم وما يكره الله تعالى؛ فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم. السعدي:367-368.
آية
﴿ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٠﴾]
(ولكن أكثرَهم لا يشكرون) إما أن لا يقوموا بشكرها، وإما أن يستعينوا بها على معاصيه، وإما أن يُحَرِّموا منها ويردوا ما مَنَّ الله به على عباده. السعدي:367.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾]
(وشفاءٌ لما في الصدور) أي: من الشك، والنفاق، والخلاف، والشقاق، (وهدىً) أي: [ورشدٌ] لمن اتبعه، (ورحمةٌ) أي: نعمة، (للمؤمنين): خصهم لأنهم المنتفعون بالإيمان. القرطبي:11/10.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾]
وقد عبر عنه بأربع صفات؛ هي أصول كماله وخصائصه، وهي: أنه موعظة، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه هدى، وأنه رحمةٌ للمؤمنين. ابن عاشور:11/201.
آية
﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٤﴾]
أما البشارة في الدنيا فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به، وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عنه مساوئ الأخلاق، وأما في الآخرة: فأولها البشارة عند قبض أرواحهم... وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم، وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم. السعدي:368.
آية
﴿ أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٢﴾]
وإن كانوا يحزنون لما يصيبهم من أمور في الدنيا؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون»، فذلك حزن وجداني لا يستقر، بل يزول بالصبر، ولكنهم لا يلحقهم الحزن الدائم؛ وهو حزن المذلة، وغلبة العدو عليهم، وزوال دينهم وسلطانهم. ابن عاشور:11/218.
آية
﴿ قَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَٰنَهُۥ ۖ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ۖ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَٰنٍۭ بِهَٰذَآ ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٨﴾]
وفي الآية دليل على أنَّ كلَّ قولٍ لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد لها من قاطع، وأن التقليد بمعزل عن الاهتداء. الألوسي:11/207.
آية
﴿ وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٦﴾]
وجملة: (إن العزة لله جميعاً) تعليل لدفع الحزن عنه، ولذلك فصلت عن جملة النهي؛ كأنَّ النبي يقول: كيف لا أحزن والمشركون يتطاولون علينا، ويتوعدوننا، وهم أهل عزة ومنعَة؟! فأجيب بأن عزتهم كالعدم؛ لأنها محدودة وزائلة، والعزة الحق لله الذي أرسلك. ابن عاشور:11/221.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٨﴾]
الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين، وأما من جاء بالحق فرد قوله بأمثال هذه الأمور؛ فإنها تدل على عجز مُورِدِها عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء به خصمه؛ لأنه لو كان له حجة لأوردها، ولم يلجأ إلى قوله: قصدك كذا، ومرادك كذا، سواء كان صادقًا في قوله وإخباره عن قصد خصمه أم كاذبًا. السعدي:371.
آية
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٥﴾]
وكثيراً ما يذكر الله تعالى قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون في كتابه العزيز؛ لأنها من أعجب القصص؛ فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد، ثم ترعرع وعقد الله له سبباً أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى. ابن كثير:2/408.
آية
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُوا۟ لِيُؤْمِنُوا۟ بِمَا كَذَّبُوا۟ بِهِۦ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٤﴾]
(على قلوب المعتدين) أي: المتجاوزين عن الحدود المعهودة في الكفر والعناد، ونمنعها لذلك عن قَبول الحق، وسلوك سبيل الرشاد. الألوسي:11/216.
آية
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَٰهُمْ خَلَٰٓئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٣﴾]
وتقدم ذكر إنجائه قبل ذكر الإغراق- الذي وقع الإنجاء منه- للإشارة إلى أن إنجاءه أهم عند الله تعالى من إغراق مكذبيه، ولتعجيل المسرة للمسلمين السامعين لهذه القصة. ابن عاشور:11/243.
آية
﴿ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوٓا۟ إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧١﴾]
(ثم اقضوا إليَّ) أي: انفذوا فيما تريدون، ومعنى الآية: أن نوحاً- عليه السلام- قال لقومه: إن صعب عليكم دعائي لكم إلى الله فاصنعوا بي غاية ما تريدون، وإني لا أبالي بكم؛ لتوكلي على الله، وثقتي به سبحانه. ابن جزي:1/385.
آية
﴿ فَلَا يُؤْمِنُوا۟ حَتَّىٰ يَرَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٨﴾]
وهذه الدعوة كانت من موسى -عليه السلام- غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء؛ كما دعا نوح -عليه السلام- فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) [نوح: 26- 27]. ابن كثير:2/411.
آية
﴿ فَقَالُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٨٥﴾ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٥﴾]
تقديم التوكل على الدعاء -وإن كان بياناً لامتثال أمر موسى عليه السلام لهم- به تلويح بأن الداعي حقه أن يبني دعاءه على التوكل على الله تعالى؛ فإنه أرجى للإجابة، ولا يتوهمن أن التوكل مناف للدعاء؛ لأنه أحد الأسباب للمقصود. الألوسي:11/226.
آية
﴿ فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِۦ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٣﴾]
أي: شباب من بني إسرائيل... والحكمة -والله أعلم- بكونه ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه: أن الذرية والشباب أقبل للحق، وأسرع له انقياداً، بخلاف الشيوخ ونحوهم ممن تربى على الكفر؛ فإنهم -بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة- أبعد من الحق من غيرهم. السعدي:371.
آية
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨١﴾]
وهكذا كل مفسد عمل عملاً، واحتال كيداً، أو أتى بمكر؛ فإن عمله سيبطل ويضمحل، وإن حصل لعمله روجان في وقت ما فإن مآله الاضمحلال، والمحق. وأما المصلحون -الذين قصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى، وهي أعمال ووسائل نافعة مأمور بها- فإن الله يصلح أعمالهم، ويرقيها، وينميها على الدوام. السؤال: ما مآل الأعمال الفاسدة؟ وما مآل الأعمال الصالحة؟ السعدي:371.
آية
﴿ فَلَمَّآ أَلْقَوْا۟ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ ٱلسِّحْرُ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُۥٓ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨١﴾]
وإنما كان السحرة مفسدين لأن قصدهم تضليل عقول الناس؛ ليكونوا مسخرين لهم، ولا يعلموا أسباب الأشياء؛ فيبقوا آلة فيما تأمرهم السحرة، ولا يهتدوا إلى إصلاح أنفسهم سبيلاً. أما السحرة الذين خاطبهم موسى-عليه السلام- فإفسادهم أظهر؛ لأنهم يحاولون إبطال دعوة الحق، والدين القويم، وترويج الشرك والضلالات. ابن عاشور:11/257.
آية
﴿ فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلْقُوا۟ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٠﴾]
وإنما أمرهم موسى بأن يبتدئوا بإلقاء سحرهم إظهاراً لقوة حجته؛ لأن شأن المبتدئ بالعمل المتباري فيه أن يكون أمكن في ذلك العمل من مباريه، ولاسيما الأعمال التي قوامها التمويه والترهيب، والتي يتطلَّب المستنصر فيها السبق إلى تأثر الحاضرين وإعجابهم. ابن عاشور:1/254.
آية
﴿ فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٤﴾]
وفي الآية تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدِّين ينبغي له مراجعة مَن يزيلها من أهل العلم، بل المسارعة إلى ذلك حسبما تدل عليه الفاء الجزائية؛ بناءً على أنها تفيد التعقيب. الألوسي:11/252.
آية
﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُوا۟ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٣﴾]
وهذا هو الداء الذي يعرض لأهل الدين الصحيح؛ وهو أن الشيطان إذا أعجزوه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية، سعى في التحريش بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء، فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك، ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض، وعداوة بعضهم لبعض ما هو قرة عين اللعين. وإلا فإذا كان ربهم واحداً، ورسولهم واحداً، ودينهم واحداً، ومصالحهم العامة متفقة، فلأي شيء يختلفون اختلافاً يفرق شملهم، ويشتت أمرهم، ويحل رابطتهم ونظامهم، فيفوت من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت، ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت. السعدي:373.
آية
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓا۟ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٠﴾]
كما جرت عادة الله أن الكفار إذا وصلوا إلى هذه الحالة الاضطرارية أنه لا ينفعهم إيمانهم؛ لأن إيمانهم صار إيماناً مشاهداً كإيمان من ورد القيامة، والذي ينفع إنما هو الإيمان بالغيب. السعدي:372.
آية
﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٩﴾]
فرع على إجابة دعوتهما أمرهما بالاستقامة، فعُلم أن الاستقامة شكر على الكرامة؛ فإن إجابة الله دعوة عبده إحسان للعبد وإكرام، وتلك نعمة عظيمة تستحق الشكر عليها، وأعظم الشكر طاعة المنعم... والاستقامة حقيقتها: الاعتدال، وهي ضد الاعوجاج، وهي مستعملة كثيرا في معنى ملازمة الحق والرشد. ابن عاشور:11/273
آية
﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَءَامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٩﴾]
هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنه كان حريصاً على أن يؤمن جميع الناس، فأخبره جل ذكره أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة. البغوي 2/381.
آية
﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُوا۟ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٨﴾]
ولعل الحكمة في ذلك: أن غيرهم من المهلكين لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وأما قوم يونس فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر، بل قد استمر فعلاً وثبتوا عليه. السعدي:374.