سورة يوسف
آية
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣﴾]
اعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة -قصة يوسف- وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل، وأغلبها كذب؛ فهو مُسْتَدْرِكٌ على الله، ومُكَمِّلٌ لشيء يزعم أنه ناقص. السعدي:393.
آية
﴿ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١١١﴾]
والهُدى الذي في القصص: العبر الباعثة على الإيمان والتقوى بمشاهدة ما جاء من الأدلة في أثناء القصص على أن المتصرف هو الله تعالى، وعلى أن التقوى هي أساس الخير في الدنيا والآخرة، وكذلك الرحمة؛ فإن في قصص أهل الفضل دلالة على رحمة الله لهم وعنايته بهم. ابن عاشور:13/72.
آية
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣﴾]
هذه القصة من أحسن القصص، وأوضحها، وأبينها؛ لما فيها من أنواع التنقلات من حالٍ إلى حال، ومن محنة إلى محنة، ومن محنة إلى منحة ومِنَّة، ومن ذل إلى عز، ومن رق إلى ملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، ومن إنكار إلى إقرار. السعدي:407.
آية
﴿ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٨﴾]
قال عبد الله بن مسعود: من كان مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كانوا خير هذه الأمة، وأبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا؛ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. البغوي:4/283.
آية
﴿ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٨﴾]
وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبي ﷺ والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون. ابن عاشور:13/65.
آية
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلْأَمْرُ كُلُّهُۥ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢٣﴾]
التوكل والاستعانة هي من عبادة الله، لكن خصت بالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها؛ فإنها هي العون على سائر أنواع العبادة؛ إذ هو سبحانه لا يعبد إلا بمعونته. ابن تيمية:3/563.
آية
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٦﴾]
فهم مؤمنون بربوبيته، مشركون في عبادته؛ كما قال النبي ﷺ لحصين الخزاعي: (يا حصين كم تعبد؟) قال: سبعة آلهة: ستة في الأرض وواحدا في السماء. قال: (فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟) قال: الذي في السماء. قال: (أسلم حتى أعلمك كلمة ينفعك الله تعالى بها)؛ فأسلم، فقال: (قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي). ابن تيمية:4/67.
آية
﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١١٨﴾]
فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، وأهل الرحمة هم أتباع الأنبياء قولا وفعلا، وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة؛ فمن خالفهم في شيء فاته من الرحمة بقدر ذلك. ولهذا لما كانت الفلاسفة أبعد عن اتباع الأنبياء كانوا أعظم اختلافا، والخوارج والمعتزلة والروافض لما كانوا أيضا أبعد عن السنة والحديث كانوا أعظم افتراقا في هذه؛ لا سيما الرافضة؛ فإنه يقال: إنهم أعظم الطوائف اختلافا؛ وذلك لأنهم أبعد الطوائف عن السنة والجماعة. ابن تيمية:3/562.
آية
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾]
الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة، ولا يتم لفاعله إلا بعدة جرائم؛ فإخوة يوسف لما أرادوا التفريق بينه وبين أبيه احتالوا لذلك بأنواعٍ من الحيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه، وفي إتيانهم عشاء يبكون. السعدي:408.
آية
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾]
وهذه آية من عبر الأخلاق السيّئة؛ وهي التّخلّص من مزاحمة الفاضل بفضله لمن هو دونه فيه أو مساويه بإعدام صاحب الفضل، وهي أكبر جريمة؛ لاشتمالها على الحسد، والإضرار بالغير، وانتهاك ما أمر الله بحفظه، وهم قد كانوا أهل دين، ومن بيت نبوة وقد أصلح الله حالهم من بعد، وأثنى عليهم، وسمّاهم الأسباط. ابن عاشور:12/223.
آية
﴿ قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥﴾]
وفي الصحيح... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يُحِبُّها فإنها من الله تعالى، فليحمد الله تعالى، وليُحَدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومن شرها، ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره). وصح عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه). الألوسي:12/514.
آية
﴿ وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا۟ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُۥ ۖ قَالَ يَٰبُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةً ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٩﴾]
(والله عليم بما يعملون) أي: عليم بما يفعله إخوة يوسف، ومشتروه، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه، ولكن له حكمة وقدر سابق، فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه... وفي هذا تعريض لرسوله محمد- صلى الله عليه وسلم- وإعلام له بأني عالم بأذى قومك لك، وأنا قادر على الإنكار عليهم، ولكني سأملي لهم، ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم؛ كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته. ابن كثير:2/454.
آية
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٨﴾]
و «الصبر الجميل» صبر بلا شكوى؛ قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) [يوسف: 86] مع قوله: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)، فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل. ابن تيمية:4/22.
آية
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٤﴾]
قال تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه)؛ وهو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه؛ فصرف الله به ما كان هم به، وكتب له حسنة كاملة. ابن تيمية:4/34.
آية
﴿ ۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾]
والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل: تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه؛ يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر. والجامع لذلك كله: أن الله صرف عنه السوء والفحشاء. السعدي:396.
آية
﴿ وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾]
هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجراً؛ لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها. وأما محنته بإخوته فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره، وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعاً، أو كارهاً. السعدي:396.
آية
﴿ إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٧﴾]
كما على العبد عبودية لله في الرخاء فعليه عبودية في الشدة؛ فيوسف -عليه السلام- لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجن استمر على ذلك، ودعا الفتيين إلى التوحيد، ونهاهما عن الشرك. السعدي:410.
آية
﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِۦ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّىٓ ۚ إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٧﴾]
من فطنة يوسف -عليه السلام- أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته -حيث ظنا فيه الظن الحسن، وقالا له: إنا نراك من المحسنين، وأتياه لأن يعبر لهما رؤياهما، فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده- رأى ذلك فرصة؛ فانتهزها، فدعاهما إلى الله تعالى قبل أن يعبر رؤياهما. السعدي:410.
آية
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا رَأَوُا۟ ٱلْءَايَٰتِ لَيَسْجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٥﴾]
وعلى الجملة فكل أحوال يوسف عليه الصلاة والسلام لطف في عنف، ونعمة في طي بلية ونقمة، ويسر في عسر، ورجاء في يأس، وخلاص بعد لات مناص، وسائق القدر ربما يسوق القدر إلى المقدور بعنف، وربما يسوقه بلطف، والقهر والعنف أحمد عاقبة وأقل تبعة. البقاعي:4/37.
آية
﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٣﴾]
في قول يوسف:...عبرتان: إحداهما: اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصي. و الثانية: طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب صبا إلى الآمرين بالذنوب وصار من الجاهلين. ففي هذا توكل على الله واستعانة به أن يثبت القلب على الإيمان والطاعة، وفيه صبر على المحنة والبلاء والأذى الحاصل إذا ثبت على الإيمان والطاعة. ابن تيمية:4/39.
آية
﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٣﴾]
يوسف -عليه السلام- اختار السجن على المعصية؛ فهكذا ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين: إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية، أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، ولهذا من علامات الإيمان: أن يكره العبد أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار. السعدي:409.
آية
﴿ وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾]
من وقع في مكروه وشدة؛ لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله، وأن هذا لا يكون شكوى للمخلوق، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف للذي ظن أنه ناج من الفتيين: (اذكرني عند ربك). السعدي:410.
آية
﴿ وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٢﴾]
(فلبث في السجن بضع سنين):... لما أراد الله أن يتم أمره، ويأذن بإخراج يوسف من السجن، قدَّر لذلك سبباً لإخراج يوسف وارتفاع شأنه وإعلاء قدره، وهو رؤيا الملك. السعدي: 398.
آية
﴿ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٠﴾]
الحكم لله وحده، ورسله يبلغون عنه؛ فحكمهم حكمه، وأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته؛ فما حكم به الرسول وأمرهم به وشرعه من الدين وجب على جميع الخلائق اتباعه وطاعته؛ فإن ذلك هو حكم الله على خلقه. ابن تيمية:4/43.
آية
﴿ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾]
هذا التوحيد -وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له- (من فضل الله علينا) أي: أوحاه إلينا، وأمرنا به، (وعلى الناس) إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك، (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم. ابن كثير:2/460.
آية
﴿ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾]
(ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس) أي: هذا من أفضل مننه وإحسانه وفضله علينا، وعلى من هداه الله كما هدانا؛ فإنه لا أفضل من منة الله على العباد بالإسلام والدين القويم، فمن قبله وانقاد له فهو حظه، وقد حصل له أكبر النعم وأجل الفضائل. السعدي: 398.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾]
فضيلة العلم: علم الأحكام والشرع، وعلم تعبير الرؤيا، وعلم التدبير والتربية، وأنه أفضل من الصورة الظاهرة، ولو بلغت في الحسن جمال يوسف؛ فإن يوسف بسبب جماله حصلت له تلك المحنة والسجن، وبسبب علمه حصل له العز، والرفعة، والتمكين في الأرض؛ فإن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار العلم وموجباته. السعدي:410.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾]
قال ابن عطية:... خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه صفحاً؛ فيراه الناس بتلك العين أبدا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف-عليه السلام- أن يبين براءته، ويحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة؛ فلهذا قال للرسول: ارجع إلى ربك، وقل له: ما بال النسوة. القرطبي 11/372.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾]
لم يذكر امرأة العزيز رعياً لذمام زوجها، وستراً لها، بل ذكر النسوة اللاتي قطعن أيديهنّ. ابن جزي:1/418.
آية
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴿٤٧﴾ ثُمَّ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٧﴾]
وقد مزج تعبيره بإرشاد جليل لأحوال التموين والادخار لمصلحة الأمة. ابن عاشور:12/286.
آية
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٦﴾]
علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير المرائي داخل في الفتوى؛ لقوله للفتيين: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، وقال الملك: (أفتوني في رؤياي)، وقال الفتى ليوسف: (أفتنا في سبع بقرات)؛ فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. السعدي:410.
آية
﴿ وَقَالَ لِفِتْيَٰنِهِ ٱجْعَلُوا۟ بِضَٰعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٢﴾]
قيل: أراد أن يريهم كرمه في رد البضاعة، وتقديم الضمان في البر والإحسان؛ ليكون أدعى لهم إلى العود. (لعلهم يعرفونها) أي: كرامتهم علينا. البغوي:2/475.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٦﴾]
(ولا نضيع أجر المحسنين)... وقال ابن عباس ووهب: يعني: الصابرين؛ لصبره في الجب، وفي الرق، وفي السجن، وصبره عن محارم الله عما دعته إليه المرأة. القرطبي:11/390.
آية
﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٥﴾]
ودلت الآية أيضا على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، قال الماوردي: وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات، ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله، أو تعلق بظاهر من مكسب، وممنوع منه فيما سواه، لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو تنزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله؛ فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله، ولما يرجو من الظفر بأهله. القرطبي:11/386.
آية
﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٥﴾]
وأما سؤال الولاية فقد ذمه صلى الله عليه وسلم، وأما سؤال يوسف وقوله: (اجعلني على خزائن الأرض)؛ فلأنه كان طريقا إلى أن يدعوهم إلى الله، ويعدل بين الناس، ويرفع عنهم الظلم، ويفعل من الخير مالم يكونوا [يفعلونه]، مع أنهم لم يكونوا يعرفون حاله، وقد علم بتعبير الرؤيا ما يؤول إليه حال الناس، ففي هذه الأحوال ونحوها ما يوجب الفرق بين مثل هذه الحال وبين ما نهى عنه. ابن تيمية:4/55-56.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦٓ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٤﴾]
وترتّب هذا القول على تكليمه إياه دالّ على أن يوسف -عليه السلام- كلّم الملك كلام حكيم أديب، فلما رأى حسن منطقه، وبلاغة قوله، وأصالة رأيه؛ رآه أهلاً لثقته، وتقريبه منه. ابن عاشور:13/7.
آية
﴿ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٣﴾]
ويقال: النفوس ثلاثة أنواع، وهي: (النفس الأمارة بالسوء): التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي، و(النفس اللوامة): وهي التي تذنب وتتوب؛ فعنها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوامة؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوم؛ أي: تتردد بين الخير والشر، و (النفس المطمئنة): وهي التي تحب الخير والحسنات وتريده، وتبغض الشر والسيئات، وتكره ذلك، وقد صار ذلك لها خلقا، وعادة، وملكة. ابن تيمية:4/45.
آية
﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا۟ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَىٰهَا ۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَٰهُ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٨﴾]
وهو موجب الشفقة والمحبة للأولاد، فحصل له في ذلك نوع طمأنينة وقضاء لما في خاطره، وليس هذا قصوراً في علمه؛ فإنه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين، ولهذا قال عنه: (وإنه لذو علم) أي: صاحب علم عظيم. السعدي:402.
آية
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾]
وأراد بهذا تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه، مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة؛ تأدباً مع واضع الأسباب ومقدّر الألطاف. ابن عاشور:13/21.
آية
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾]
دلت الآية على أن المسلم يجب عليه أن يُحذِّرَ أخاه مما يخاف عليه، ويرشده إلى ما فيه طريق السلامة والنجاة، فإن الدين النصيحة، والمسلم أخو المسلم. القرطبي:11/403.
آية
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾]
فيها دليل على التحرز من العين، والعين حق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر)، وفي تعوذه -عليه السلام-: (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) ما يدل على ذلك. القرطبي 11/399.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُۥ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِۦ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٧﴾]
(والله أعلم بما تصفون) أي: الله أعلم أن ما قلتم كذب... وقد قيل: إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء. القرطبي:9/228.
آية
﴿ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٥﴾]
فحينئذ تم ليوسف ما أراد من بقاء أخيه عنده، على وجه لا يشعر به إخوته، قال تعالى: (كذلك كدنا ليوسف) أي: يسرنا له هذا الكيد، الذي توصل به إلى أمر غير مذموم. السعدي:402.
آية
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَٰرِقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٠﴾]
ذكروا في تسميتهم سارقين وجهين: أحدهما: أنه من باب المعاريض، وأن يوسف نوى بذلك أنهم سرقوه من أبيه؛ حيث غيبوه عنه بالحيلة التي احتالوها عليه، وخانوه فيه، والخائن يسمى سارقا؛ وهو من الكلام المشهور؛ حتى أن الخونة من ذوي الديوان يسمون لصوصا. الثاني: أن المنادي هو الذي قال ذلك من غير أمر يوسف عليه السلام. ابن تيمية:4/57.
آية
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَٰرِقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٠﴾]
جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها إلى الحقوق، وأن العلم بالطرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها مما يحمد عليه العبد، وإنما الممنوع التحيل على إسقاط واجب، أو فعل محرم. السعدي:411.
آية
﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا۟ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٦﴾]
أي: إنما أشكو إلى الله لا إليكم، ولا إلى غيركم. والبث: أشدّ الحزن. (وأعلم من الله ما لا تعلمون) أي: أعلم من لطفه ورأفته ورحمته ما يوجب حسن ظنّي به، وقوة رجائي فيه. ابن جزي:1/425.
آية
﴿ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٤﴾]
واستدل بالآية على جواز التأسف والبكاء عند النوائب، ولعل الكف عن أمثال ذلك لا يدخل تحت التكليف؛ فإنه قلَّ من يملك نفسه عند الشدائد، وقد روى الشيخان من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم بكى على ولده إبراهيم، وقال: (إن العين تدمع، والقلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون). وإنما المنهي عنه: ما يفعله الجهلة من النياحة، ولطم الخدود والصدور، وشق الجيوب، وتمزيق الثياب. الألوسي:13/53.
آية
﴿ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَٰعَنَا عِندَهُۥٓ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٩﴾]
ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يحب أن يطلع عليه أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب؛ كما فعل يوسف؛ حيث ألقى الصُّواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه موهماً أنه سارق، وليس فيه إلا القرينة الموهمة لإخوته، وقال بعد ذلك: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل: «من سرق متاعنا». السعدي:411.
آية
﴿ ٱذْهَبُوا۟ بِقَمِيصِى هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٣﴾]
ولما كان مبدأ الهمِّ الذي أصابه من القميص الذي جاؤوا عليه بدم كذب؛ عَيَّنَ هذا القميص مبدأً للسرور -دون غيره من آثاره عليه السلام- ليُدخِل السرور عليه من الجهة التي دخل عليه الهَمُّ منها. الألوسي:14/103.
آية
﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ قَالُوا۟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَٰعَةٍ مُّزْجَىٰةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِى ٱلْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَٰهِلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٨﴾]
لما شكوا إليه رقَّ لهم، وعرّفهم بنفسه. ابن جزي:1/425.
آية
﴿ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾]
وقال الصديق: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)، والصحيح من القولين أنه لم يسأل الموت، ولم يتمنه؛ وإنما سأل أنه إذا مات يموت على الإسلام؛ فسأل الصفة لا الموصوف كما أمر الله بذلك. ابن تيمية:4/67.
آية
﴿ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾]
(توفني مسلمًا): لما عدد النعم التي أنعم الله بها عليه؛ دعا أن الله يتم عليه النعم بالوفاة على الإسلام إذا حان أجله. ابن جزي:1/427.
آية
﴿ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾]
(أنت وليِّي)أي: الأقرب إليَّ باطناً وظاهراً. (في الدنيا والآخرة) أي: لا ولي لي غيرك، والولي يفعل لمولاه الأصلح والأحسن، فأحسن بي في الآخرة أعظم ما أحسنت بي في الدنيا. البقاعي:4/100.