تدبــــر - المجموعة الثالثة والعشرين
مر بعض المتعففين على جارية تغني، فأعجبته وطرب، وقال: والله إني أحبك! فقالت: نفسي بين يديك فما يمنعك؟ فقال: يمنعني قول الله تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، وأخاف أن تكون خلتنا اليوم عداوة يوم القيامة.
قال جعفر بن محمد: صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة، ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ....وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} العاقل إذا قرأ القرآن وتبصر عرف قيمة الدنيا، وأنها ليست بشيء، وأنها مزرعة للآخرة، فانظر ماذا زرعت فيها لآخرتك؟ إن كنت زرعت خيرا فأبشر بالحصاد الذي يرضيك، وإن كان الأمر بالعكس فقد خسرت الدنيا والآخرة. [ابن عثيمين].
ما الحكمة في التنصيص على الأنعام في هذه الآية: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ- وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}؟. يقول القاسمي رحمه الله: "والسر في إفراده هذه النعمة، والتذكير بها دون غيرها من نعمه وأياديه، أن بها حياة العرب وقوام معاشهم؛ إذ منها طعامهم وشرابهم ولباسهم وأثاثهم وخباؤهم وركوبهم وجمالهم، فلولا تفضله تعالى عليهم بتذليلها لهم، لما قامت لهم قائمة".
عندما يقرأ المسلم قوله سبحانه: { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} يتعجب كيف تذهل الأم عن رضيعها! ويحاول أن يتصور كيف يكون الناس كالمجانين، فيعجز عن تصور ذلك مع إيمانه به، فيأتي زلزال اليابان ليريه مشهدًا عظيمًا، ودمارًا هائلًا في طرفة عين؛ فيدرك أن هذا ليس إلا صورة مصغرة عن حقيقة ما سيكون عند زلزلة الساعة؛ فيزداد الذين آمنوا إيمانا، ويرتاب الذين في قلوبهم مرض والكافرون. [أ.د.ناصر العمر].
تأمل كيف جمع الله بين إجابة المضطر، وكشف الضر، ويكونوا خلفاء في الأرض، في آية واحدة: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} وتأمل في قصة موسى حين قتل ثم أناب، واضطر إلى ربه؛ فتاب عليه واصطفاه: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى - وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} فهل بعد هذا ييأس مضطر أو مذنب تائب؟ [د.محمد الربيعة].
وفقا لتقرير أعده قسم الأديان لمركز (بيو) الأمريكي: فعدد المسلمين في العالم (1.75 مليار)، وتقول صحيفة التلغراف البريطانية أن المسلمين في أوروبا سيصل إلى 20% من سكان أوروبا. علق أحد الغربيين قائلا: لقد صار من المحقق أن الإسلام ظافر لا محالة على غيره من الأديان التي تتنازع العالم؛ فعدد المسلمين في نمو وتزايد مستمر. وصدق ربنا: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} وهذا دليل ظاهر أن الذي نراه معارضا للنقل، ويقدم العقل عليه، ليس من الذين أوتوا العلم في قبيل ولا دبير ولا قليل ولا كثير. [ابن القيم].
قال علي رضي الله عنه: ثلاث هن راجعات إلى أهلها: المكر، والنكث، والبغي، ثم تلا قوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، وقوله: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}، وقوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}.
{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ} فإذا كانت حياة الأرض بعد موتها من أعظم الأدلة على سعة رحمته؛ فالدليل في القلب الخلي من العلم والخير حين ينزل الله عليه غيث الوحي فيهتز وينبت العلوم المختلفة النافعة، والأعمال الظاهرة والباطنة: أعظم من الأرض بكثير! ودلالته على سعة رحمة الله وواسع جوده وتنوع هباته أكثر وأعظم. [السعدي].
حكي عن بعض العلماء أنه قيل له: اقرأ سورة الواقعة ليأتك الرزق! فقال: لولا أن أهجر سورة من القرآن لم أتلها في المستقبل إذا كنا لا نقرأ إلا لجلب الرزق! علق الشيخ الخضر حسين قائلا: وقد تكون قراءة القرآن للتعبد والتدبر مؤدية إلى تيسير ما عسر؛ من حيث إنها طاعة خالصة لله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} التمس بعض العلماء السر في ذكر الملائكة والناس، مع أن لعنة الله كافية!؟ والجواب: السر في التعبير بلعن الملائكة والناس -مع أن لعن الله يكفى-، للدلالة على أن جميع من يعلم أحواله من العوالم العلوية والسفلية يراه أهلا للعن الله ومقته، فلا يشفع له شافع ولا يرحمه راحم، فهو قد استحق اللعن لدى جميع من يعقل ويعلم، ومن استحق النكال من الرب الرءوف الرحيم؛ فماذا يرجو من سواه من عباده؟ [تفسير المراغي].
ارتفاع نسبة الطلاق بلغ رقما مخيفا -قرابة 40.000 حالة طلاق في سنة واحدة- وهذا مخالف لأصل خلق الزوجين: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} فلو تحقق السكن لما وقع الطلاق غالبا، إذن لا بد من سبب معتبر حال دون تحقق الأصل والغاية، والعلاج: أن تصلح ما بينك وبين الله؛ يصلح لك زوجك، تدبر: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}. [أ.د.ناصر العمر].
الله الذي أنزل الحق قد حفظه كما حفظ ما ينفع الناس، وما لا تقوم الحياة إلا به، تأمل: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}. [محمد الراوي].
من أعجبته حكمة عظيمة صالحة في قول مفكر أو فيلسوف، فليتحسر على نفسه أن جهلت موضعها من القرآن، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}. [عبدالعزيز الطريفي].
ومن ظن أن الذنوب لا تضره -لكون الله يحبه- مع إصراره عليها؛ كان بمنزلة من زعم أن تناول السم لا يضره مع مداومته عليه! ولو تدبر الأحمق ما قص الله في كتابه من قصص أنبيائه، وما جرى لهم من التوبة والاستغفار، وما أصيبوا به من أنواع البلاء الذي فيه تمحيص لهم، وتطهير؛ علم بعض ضرر الذنوب بأصحابها، ولو كان أرفع الناس مقاما. [ابن تيمية].
يقول ابن عقيل الحنبلي: ما أخوفني أن أساكن معصية فتكون سببا في سقوط عملي وسقوط منزلتي -إن كانت عند الله تعالى- بعدما سمعت قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، فإن هذا يدل على أن في بعض التسبب وسوء الأدب على الشريعة ما يحبط الأعمال، ولا يشعر العامل إلا أنه عصيان ينتهي إلى رتبة الإحباط.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} مدحهم بالانتصار؛ لأنهم لم يزيدوا عليه، إذ لو زادوا عليه لكان تعديا ولم يكن انتصارا. [العز بن عبدالسلام].
كان لهارون الرشيد طبيب نصراني حاذق، فقال مرة لأحد العلماء: ليس في كتابكم من علم الطب شيء! فقال ذاك العالم: قد جمع الله الطب في نصف آية من كتابنا. فقال: ما هي؟ قال: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}.
ما الحكمة من الإتيان بقوله: {مثلكم} في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}؟ مع أنه لو لم يقل (مثلكم) لكفى في بيان المعنى؟! الحكمة في الإتيان بـ(مثلكم) -والله أعلم- لتأكيد تشابه البشرية، وأنني لا أتميز عليكم بشيء إلا بالوحي: {يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد}. [ابن عثيمين].
توجيه الآباء لأبنائهم كما فعل يعقوب مع بنيه من أعظم وسائل الحفظ لهم، وذلك بالأخذ بالأسباب الشرعية: كالأوراد، وتحاشي ما قد يكون سببا في شقائهم: {يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}، وأن خير ما يسمعه الأبناء من آبائهم ما سمعه أبناء يعقوب من أبيهم: {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. [أ.د.ناصر العمر].
إذا أردت أن ترى كيف ترسم خريطة النصر في ميدان الضعف والعجز؛ فاقرأ صدر سورة القصص: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ...} إلى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ...}. [د.عمر المقبل].
كل علم دين لا يطلب من القرآن فهو ضلال، وكل عاقل يترك كتاب الله مريدا للعلو في الأرض والفساد فإن الله يقصمه؛ فالضال لم يحصل له المطلوب؛ بل يعذب بالعمل الذي لا فائدة فيه. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}. [ابن تيمية].
دخل رجل على سليمان بن عبد الملك فقال: اذكر يا أمير المؤمنين يوم الأذان! فقال: وما يوم الأذان؟ قال: اليوم الذي قال الله تعالى فيه: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، فبكى سليمان وأزال ظلامته.
{خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} لقد زلزل المؤمنون بالقرآن الأرض يوم زلزلت معانيه نفوسهم، وفتحوا به الدنيا يوم فتحت حقائقه عقولهم، وسيطروا به على العالم يوم سيطرت مبادئه على أخلاقهم ورغباتهم، وبهذا يعيد التاريخ سيرته الأولى. [مصطفى السباعي].
سألني بعض من له دراية بعلوم الفلسفة، فقال: إن الحكماء يقولون: إن الصداقة لا تدوم إلا بين الفضلاء، فهل يوجد هذا المعنى في القرآن؟ فقلت له نعم..! أجابه الشيخ الخضر حسين، فقال: قلت له: نعم، هو في قوله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، فهذا يدل على أن الفضلاء يستمرون على صداقتهم رغم الأهوال العظيمة.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} ولم يقل: (واستغفرت لهم)، هناك سر بلاغي لطيف، وهو: .. وعدل عن قول: (واستغفرت لهم) إلى : {واستغفر لهم الرسول}؛ لأن في هذا الالتفات بيان تعظيم استغفاره، وأنهم سينالون شفاعته لأنه رسول، وفي ذلك تنويه بمكانة الرسالة التي جاء بها. [ينظر: الكشاف].
أمل سياق هذه الآية: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ثم جاء بعدها مباشرة: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به...} الآية، ففيها إشارة إلى أن الاختلاف والاضطراب في التعامل مع المستجدات من أهم أسبابه: الأخذ ممن لم يجعل الوحي مصدره في تقييم ما يستجد، والله أعلم. [أ.د.ناصر العمر].
إن ما جمع في الكافرين والمنافقين من صفات ذميمة فإنما هو بسبب تهالكهم على الدنيا، وإعراضهم عن غيرها؛ لأنها قد زينت لهم، حتى صار ذلك التزيين مركوزا في طبيعتهم، فتدبر كلمة (زين) في قوله تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}. [القاسمي].
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم} الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له؛ فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا؛ فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان. [ابن القيم].
قيل لسفيان بن عيينة: إن أهل الأهواء يحبون ما ابتدعوه من أهوائهم حبا شديدا! فقال: أنسيت قوله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}، وقوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}؟! وأعظم العذاب أن يمنع الإنسان عن مراده؛ كما قال الله تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنم. [أبو حامد الغزالي].
وأعظم العذاب أن يمنع الإنسان عن مراده؛ كما قال الله تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنم. [أبو حامد الغزالي].
{إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} من لطائف اللغة العربية: أن مادة الاتصاف بالكبر لم تجيء منها إلا بصيغة (الاستفعال) أو (التفعل)؛ إشارة إلى أن صاحب صفة الكبر لا يكون إلا متطلبا الكبر، أو متكلفا له، وما هو بكبير حقا. [ابن عاشور].
في قوله تعالى: {ظلمات ورعد وبرق} جمع الظلمات، وأفرد الرعد والبرق! فهلا تأملت الحكمة في ذلك؟ الجواب: ما ذكره ابن جماعة في كشف المعانى فى المتشابه من المثاني: (ص/90): أن المقتضى للرعد والبرق واحد وهو: السحاب، والمقتضى للظلمة متعدد وهو: الليل والسحاب والمطر، فجمع لذلك.
تأمل واقع كثير من الناس اليوم مع هذه الفتن! ثم قف مع هذه الآية: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} هنا يخشى أن يحل بهؤلاء ما حل بأولئك؛ فتدبر الآية التي بعدها، وانج بنفسك.
{حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت} كلما رأيت في دنيا الناس ابتكارات واختراعات تسعِد الإنسان؛ فهذا ما أعد البشر للبشر، فكيف بما أعد الله الخالق لأهل جنته. [الشعراوي].
"وخصال التائب ذكرت في آخر (براءة)، فقال: {التائبون العابدون...} فلا بد للتائب من العبادة والاشتغال بالعمل للآخرة؛ وإلا فالنفس همامة متحركة، إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، فلا بد للتائب من أن يبدل تلك الأوقات التي مرت له في المعاصي بأوقات الطاعات، وأن يبدل تلك الخطوات بخطوات إلى الخير، ويحفظ لحظاته وخطواته، ولفظاته وخطراته. [ابن كثير].
حاول بعض الفصحاء والبلغاء في الأندلس أن ينظم شيئا يشبه القرآن، فنظر في سورة (الإخلاص) ليحذو على مثالها وينسج –بزعمه- على منوالها، قال: فاعترتني خشية ورقة حملتني على التوبة والإنابة.
"إذا تأملت في مدة الدنيا لم تجدها إلا: (الآن) -الذي هو فصل الزمانين فقط-، وأما ما مضى وما لم يأت فمعدومان كما لم يكن؛ فمن أضل ممن يبيع باقيا خالدا بمدة هي أقل من كر الطرف؟!" {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين}. [ابن حزم].
كل بناء شامخ لا يكون لغاية شريفة محمودة؛ فهو عبث ولهو باطل: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون}؟ [ابن باديس].
قال تعالى: {الذي يوسوس فِي صدورِ الناسِ}، ولم يقل في (قلوب الناس)، ولهذا حكمة كما ذكر ذلك بعض العلماء؛ فحاول تدبر السبب. ومما يعينك أن تتأمل في طبيعة خلق الصدر، وطبيعة خلق القلب. الجواب:قال العلامة ابن باديس: والسر في التعبير بـ: {يوسوس فِي صدورِ الناسِ}، بدلا من (قلوب الناس) لأن القلب مجلى العقل، ومقر الإيمان، وقد يكون محصنا بالإيمان فلا يستطيع الوسواس أن يظهره، ولا يستطيع له نقبا.
تدبر علاقة قوله سبحانه: {واجعلنا للمتقين إماما} بما قبلها؛ يتضح لك ما يلي: 1 - أن صلاح الزوج (يشمل الزوجين) والذرية؛ من أهم ما يعين على تحقيق الإمامة، إذ يحس بالسكن والطمأنينة، مما يعينه على الوصول إليها والقيام بحقوقها. 2 - أن من صفات من يكون للمتقين إماما: أن يعنى بزوجه وذريته؛ فهم أحق الناس بإمامته. [أ.د.ناصر العمر]
إن المحاجة لإبطال الباطل، ولإحقاق الحق من مقامات الرسل؛ لقوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}. [ابن عثيمين]
أعظم تغيير حصل في الحياة البشرية هو: ما أجراه الله على أيدي أنبيائه، وأعظم خطاب جرى به التغيير هو: القرآن المنزل على خير رسله، الذي من أبرز مفرداته وأكثرها ذكرا فيه هو: التذكير بالله، وأسمائه وصفاته، والآخرة، والموت، والتزهيد في الدنيا، والتحذير من التعلق بها. فهل خطابنا الإصلاحي الذي ننشد به التغيير اليوم يستمد روحه من هذا القرآن العظيم، الذي وصفه ربنا بقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}؟ [فهد العيبان]
في قوله تعالى -في خواتيم آية غض البصر-: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} فوائد جليلة، منها: أن أمره لجميع المؤمنين بالتوبة في هذا السياق؛ تنبيه على أنه لا يخلو مؤمن من بعض هذه الذنوب التي هي: ترك غض البصر، وحفظ الفرج، وترك إبداء الزينة، وما يتبع ذلك، فمستقل ومستكثر. [ابن تيمية]
سمى الله الإنسان ضعيفا، وقال عن كيد الشيطان: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} والضعيفان إذا اقتتلا ولم يكن لواحد منهما معين لم يظفر بصاحبه؛ فأمر الله الإنسان الضعيف أن يستعين بالرب اللطيف من كيد الشيطان الضعيف؛ ليعصمه منه ويعينه عليه. [ابن الجوزي]
إياك أن تستصغر ذرات الطاعات؛ فالتضرع والاستغفار بالقلب حسنة لا تضيع عند الله أصلا، بل الاستغفار باللسان أيضا حسنة؛ إذ حركة اللسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان في تلك الساعة بغيبة مسلم، أو فضول كلام، بل هو خير من السكوت، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}. [أبو حامد الغزالي]
القرآن المجيد ليس صورة لنفسية فرد ولا مرآة، ولا لعقلية شعب، ولا سجلا لتاريخ عصر؛ وإنما هو كتاب الإنسانية المفتوح، ومنهلها المورود، فمهما تتباعد الأقطار والعصور، ومهما تتعدد الأجناس والألوان واللغات، ومهما تتفاوت المشارب والنزعات؛ سيجد فيه كل طالب للحق سبيلا ممهدا، يهديه إلى الله، على بصيرة وبينة {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}. [د.محمد عبدالله دراز]
قال تعالى في شأن المرأة التي وهبت نفسها: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} ولم يقل: (لك)، ذكر بعض العلماء حكمة في هذا؛ فحاول أن تتأمل سبب اختيار هذا اللفظ. قال الزجاج: ولم يقل: (إن وهبت نفسها لك) لأنه لو قال: (لك) جاز أن يتوهم أن ذلك يجوز لغير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاز في بنات العم وبنات العمات -والله أعلم-.
يحتاج الوالدان في كبرهما إلى مراعاة خاصة، أعظم مما يحتاجان إليه في شبابهما وقوتهما؛ ذلك أنهما ينتظران من أبنائهم إلى رد الجميل وحسن الوفاء، ويصبح حسهما مرهفا، فتسعدهما الكلمة الطيبة، ويحزنان لما خالف ذلك، مهما كانت يسيرة في نظر المتكلم. تدبر: {إما يبلغن عندك الكبر...} الآية. [أ.د.ناصر العمر]
لو تدبرت التقابل البديع في هذه الآية: {فإذا جاءتهم حسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} لوقفت خاشعا لله! انظر كيف عبر في جانب الحسنة بالمجيء! في حين عبر في جانب السيئة بالإصابة! لأنها تحصل فجأة من غير رغبة ولا ترقب. وفي التعبير عن السيئة بـ(تصبهم) دقة؛ فالإصابة وحدها توحي بالسوء، فكيف إذا عدى الإصابة بالسيئة فهو ألم فوق ألم! [د.فاضل السامرائي]
من لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له، وتهيؤ لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني، الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه. [ابن كثير]
{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} إذا كان هذا أمرا بحفظ المال؛ فحفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق. [أبو حامد الغزالي]
قصة .. يقول القاضي عياض: حكي أن ابن المقفع أراد أن يعارض القرآن! فحاول ذلك وطلبه، وبدأ فيه؛ فمر بصبي يقرأ: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك...} الآية، فرجع فمحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض، وما هو من كلام البشر، وكان من أفصح أهل وقته. {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} إذا كان هذا أمرا بحفظ المال؛ فحفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق. [أبو حامد الغزالي]
إن النعم قد تكون سببا للطغيان؛ لأن الإنسان إذا دام في نعمة، وفي رغد، وفي عيش هنيء فإنه ربما يطغى، وينسى الله عز وجل، قال تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك} فهذا الرجل ما طغى وأنكر الخالق إلا لأن الله آتاه الملك؛ ولهذا أحيانا تكون الأمراض نعمة من الله على العبد؛ والفقر والمصائب تكون نعمة على العبد!
في خواتيم سورة الزمر: تدبر في قوله تعالى: (فتحت) {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} بينما قال في أهل الجنة: {...وفتحت أبوابها} فما السبب؟ أن في هذه الآية إشارة إلى الشفاعة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، التي يشفع فيها لأهل الجنة حين يأتون فيجدون باب الجنة مغلقا؛ فيشفع لهم صلى الله عليه وسلم في دخولها، فيدخلونها. [ابن عثيمين]
يخطئ كثير من الناس في فهم الإيمان بالقضاء والقدر، فكلما أصابتهم مصيبة قالوا: (قضاء وقدر) فيغفلون عن الأسباب البشرية، وما يجب تجاه ذلك، ومنهج القرآن يربي على النظر في الأسباب؛ لمعالجتها، مع الإيمان بقضاء الله وقدره. تدبر: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} فبدأ بالسبب قبل بيان قدر الله. [أ.د.ناصر العمر]
من أعظم ما يذكر به الذين يتساهلون بالتشبه بالكفار: تدبر سورة الفاتحة؛ فإنها تقتلع أصول التشبه من جذوره، لكن المؤسف: أن يسأل المصلي ربه -في كل ركعة- أن يجنبه صراط المغضوب عليهم والضالين، ثم يتشبه بهم! إنه ليعز على الإنسان أن يصعب على هؤلاء التشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويسهل عليهم التشبه بأعداء الله! [د.عمر المقبل]
عليك بالمطالب العالية، والمراتب السامية، التي لا تنال إلا بطاعة الله؛ فإن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد؛ كان الله له فوق ما يريد {لئن شكرتم لأزيدنكم}.
{وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} وإنما أخبر الله جل ثناؤه أن الصلاة كبيرة إلا على من هذه صفته؛ لأن من كان غير موقن بمعاد، ولا مصدق بمرجع ولا ثواب ولا عقاب، فالصلاة عنده عناء وضلال؛ لأنه لا يرجو بإقامتها إدراك نفع ولا دفع ضر، وحق لمن كانت هذه الصفة صفته أن تكون الصلاة عليه كبيرة، وإقامتها عليه ثقيلة، وله فادحة. [ابن جرير]
لا تخدش إيمانك بظلم لله بالشرك، أو لنفسك بالمعصية، أو للآخرين بإنقاص حقوقهم، وعند ذلك يتحقق لك الأمن وسعادة: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم إولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.
تذكر لقاء الله تعالى، وعظيم ثوابه للمطيعين، من أعظم ما يخفف العبادات، ويصبر عن المعاصي، ويسلي عند المصائب، تأمل قوله تعالى -بعد أن ذكر خفة الصلاة على الخاشعين-: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون}. [السعدي]