فوائد من كتاب التواضع والخمول
حكمــــــة
عن محمد بن سويد قال: قحط أهل المدينة وكان بها رجل صالح لازم لمسجد النبي رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينما هم في دعائهم إذ جاء رجل عليه طمران خلقان فصلى ركعتين وأوجز فيهما ثم بسط يديه فقال يا رب أقسمت عليك إلا أمطرت علينا الساعة فلم يرد يديه ولم يقطع دعاءه حتى تغشت السماء بالغيم وأمطروا حتى صاح أهل المدينة من مخافة الغرق فقال يا رب إن كنت تعلم أنهم قد اكتفوا فارفع عنهم فسكن وتبع الرجل صاحب المطر حتى عرف منزله ثم بكر عليه فخرج إليه فقال إني أتيتك في حاجة قال وما هي قال تخصني بدعوة قال سبحان الله أنت أنت وتسألني أخصك بدعوة قال ما الذي بلغك قال ما رأيت قال ورأيتني قال نعم قال أطعت الله فيما أمرني ونهاني فسألته فأعطاني.
حكمــــــة
عن محمد بن المنكدر قال كنت في المسجد فإذا أنا برجل عند المنبر يدعو بالمطر فجاء المطر بصوت ورعد فقال يا رب ليس هكذا قال فمطرت فتبعته حتى تدخل دار حزم أو آل عمر فعرفت مكانه فجئت من الغد فعرضت عليه شيئا فأبى وقال لا حاجة لي بهذا فقلت فحج معي فقال هذا شيء لك فيه أجر فأكره أن أنفس عليك وأما شيء آخذه فلا.
حكمــــــة
عن ابن منبه قال: لما بعث الله تبارك وتعالى موسى وهارون إلى فرعون قال لا يرعكما لباسه الذي لبس من الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني ولا يعجبكما ما متع به منها فإنما هي زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ولو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك فأزوي ذلك عنكما وكذلك أفعل بأوليائي وقديما ما خرت لهم في أمور الدنيا إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن موارد الهلكة وإني لأجنبهم سلوتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العرة وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفورا لم يكمله الطمع ولم تنتقصه الدنيا بغرورها إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع والخوف والتقوى تثبت في قلوبهم فتظهر على أجسادهم فهي ثيابهم التي يلبسون ودثارهم الذي يظهرون وضميرهم الذي يستشعرون ونجاتهم التي بها يفوزون ورجاؤهم الذي إياه يؤملون ومجدهم الذي به يفخرون وسيماهم التي بها يعرفون فإذا لقيتهم فأخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك واعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ثم أنا الثائر له يوم القيامة.
حكمــــــة
قال محمد بن يزيد بن خنيس قال رجل: مررت ذات يوم بفضيل بن عياض وهو خلف سارية وحده وكان لي صديقا فجئته فسلمت عليه وجلست إليه فقال يا أخي ما أجلسك إلي فقلت وجدتك وحدك فاغتنمت وحدتك فقال أما إنك لو لم تجلس إلي لكان خيرا لك وخيرا لي فاختر إما أن أقوم عنك فهو والله خير لك وخير لي وإما أن تقوم عني فقلت بل أنا أقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله عز و جل بها قال يا عبد الله أخف مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله عز و جل لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك.
حكمــــــة
قال عمر بن الخطاب: يقول في العبد إذا تواضع لله عز و جل رفع الله حكمته وقال انتعش رفعك الله وإذا تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض وقال اخسأ خسأك الله فهو في نفسه عظيم وفي أعين الناس حقير حتى أنه عندهم من الخنزير أيها الناس لا تبغضوا الله إلى العباد قيل وكيف ذلك قال يقوم أحدكم إماما فيطول عليهم فيبغض إليهم ما هم فيه.
حكمــــــة
عن قابوس عن أبيه قال لقيت جرير بن عبد الله وهو جاء من الشام فسار بي فقال انتهيت مرة إلى شجرة تحتها رجل قائم قد استظل بنطع له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان الفارسي فذكرت له ما صنعت فقال: يا جرير تواضع لله عز و جل في الدنيا فإنه من تواضع لله عز و جل في الدنيا رفعه الله يوم القيامة يا جرير أتدري ما ظلمة النار يوم القيامة قلت لا قال فإنه ظلم بعضهم بعضا في الدنيا.
حكمــــــة
عن إسماعيل بن ذكوان قال: دخل على النجاشي في عقب نعمة قال وعليه أطلاس وهو مرسل رأسه فقال بعض القوم أيها الملك أو لم تنبئنا أن قد سررت قال بلى قال ما هذه الاستكانة قال إني قرأت فيما أوحى الله تبارك وتعالى إلى عيسى بن مريم صلى الله عليه و سلم إذا أنعمت عليك نعمة فاستقبلها بالاستكانة أتمها عليك.
حكمــــــة
عن كعب قال: ما أنعم الله عز و جل على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلا أعطاه الله عز و جل نفعها في الدنيا ورفع له بها درجة في الآخرة وما أنعم الله عز و جل على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله ولم يتواضع بها لله عز و جل إلا منعه الله عز و جل نفعها في الدنيا وفتح له طبقا من النار يعذبه به إن شاء الله أو يتجاوز عنه.
حكمــــــة
عن زكريا بن أبي خالد البلدي قال: دخل بن السماك على هارون فقال يا أمير المؤمنين والله لتواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك فقال ما أحسن ما قلت فقال يا أمير المؤمنين إن امرأ أتاه الله عز و جل جمالا في خلقه وموضعا في حسبه وبسط له في ذات يده فعف في جماله وواسى في ماله وتواضع في حسبه كتب في ديوان الله عز و جل من خالص الله عز و جل قال فدعى هارون بدواة وقرطاس وكتب هذا الكلام بيده.
حكمــــــة
عن علوان بن داود البجلي حدثني شيخ من همدان عن أبيه قال: بعثني قومي في الجاهلية بخيل أهدوها لذي الكلاع فأقمت ببابه سنة لا أصل إليه ثم أشرف إشرافة على الناس من غرفة له فخروا له سجودا ثم جلس فلقيته بالخيل فقبلها ثم لقد رأيته بحمص وقد أسلم يحمل الدرهم اللحم فيبتدره قومه ومواليه فيأخذونه منه فيأبى تواضعا وقال: (أف لذي الدنيا إذا كانت كذا... أنا منها كل يوم في أذى) (ولقد كنت إذا ما قيل من... أنعم الناس معاشا قيل ذا) (ثم بدلت بعيش شقوة... حبذا هذا شقاء حبذا)
حكمــــــة
عن أبي عثمان قال: مر سلمان بدهاقين من دهاقين المدائن وهم يومئذ أسحم فلما رأوه وكان مشمر الثياب وكمه إلى نصف ذراعيه قالوا كن امذكرامد قال فظن سلمان أنهم ذكروه فقال لبعض من معه ما قالوا قال لا شيء قال عزمت عليك لما أخبرتني بما قالوا قال شبهوك بلعبة لهم تدعى المرح فقال سلمان إنما الخير خير الآخرة.
حكمــــــة
عن سعيد بن سويد من حرس عمر بن عبد العزيز قال: صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن الله عز و جل قد أعطاك فلو لبست وصنعت فنكس مليا حتى عرفنا أن ذلك قد ساءه ثم رفع رأسه إليه فقال إن أفضل القصد عند الجدة وأفضل العفو عند المقدرة.
حكمــــــة
عن فضيل بن مسلم عن أبيه وكان يبيع القمص عند دار فرات بالكوفة قال: قام علينا علي بن أبي طالب فقال هذا القميص قال فلبسه ثم قال بكم هذا القميص قيل بثلاثة دراهم يا أمير المؤمنين فمد يده فإذا القميص يفضل عن أصابعه فقال اقطعه بحد أصابعي ثم قال حصه قلت أكفه قال نعم إذا كان الحوص كفا فكفه ثم رفع قميصه فأخرج من جرته ثلاثة دراهم ثم أدبر وهو يقول حسبك ما بلغك المحل قال وكان كرابيس.