3. مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار
اعلم أن قصر الأمل عليه مدار عظيم وحصن قصر الأمل ذكر الموت وحصن حصنه ذكر فجأة الموت وأخذ الإنسان على غرة وغفلة وهو في غرور وفتور عن العمل للآخرة فاحفظ هذه الفوائد واعمل بها تفلح وتربح إن شاء الله.
ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن عرفه لا إله إلا الله وفهمه معناها ووفقه للعمل بمقتضاها والدعوة إليها.
أشرف الأشياء قلبك ، ووقتك ، فإذا أهملت قلبك ، وضيعت وقتك , فما بقي معك ، كل الفوائد ذهبت فانتبه لنفسك.
قال بعض العلماء رحمه الله :من تفكر في قصر العمر المعمول فيه ، وفكر في امتداد زمان الجزاء الذي لا نهاية له ، اختطف اللحظة والدقيقة من عمره وانتهبها وعباها في الباقيات الصالحات ، وزاحم وسابق إلى كل فضيلة ، لأنها إذا فاتت لا تدرك أبداً ، وقال رحمه الله : ولله أقوام وفقهم الله ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها فهم يبالغون في كل علم يقربهم إلى الله ، ويجتهدون فيه ، ويثابرون على كل فضيلة ، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة.
اسمع يا مضيع الزمان فيما ينقص الإيمان ، ومعرضا عن الأرباح ومتعرض للخسران ، لقد سر بفعلك الشامت. يا من يفرح بالعيد لتحسين لباسه ، ويوقن بالموت وما استعد لبأسه ويغتر بإخوانه وأقرانه وجلاسه وكأنه قد أمن سرعة اختلاسه. يا غافلا قد طلب ، ويا مخاصما قد غلب ، ويا واثقا قد سلب ، إياك والدنيا فما الدنيا بدائمة ، لقد أبانت للنواظر عيوبها ، وكشفت للبصائر غيوبها ، وعددت على المسامع ذنوبها ، وما مرت حتى أمرت مشروبها. فلذاتها مثل لمعان البرق ومصيبتها واسعة الخرق ، سوت عواقبها بين سلطان الغرب والشرق ، فما نجا منها ذو عدد ، ولا سلم فيها صاحب عدد ، مزقت الكل بكف البدد ثم ولت فما ألوت على أحد.
عباد الله ما هذا التكاسل عن الطاعات وزرع الأعمار قد دنا للحصاد وما هذا التباعد ومدد الأيام قد قاربت للنفاد ، وما هذا التغافل والتكاسل عن إعداد الزاد ليوم الميعاد. عباد الله أين الحسرات على فوت أمس أين العبرات على مقاسات الرمس أين الاستعداد ليوم تدنو فيه منكم الشمس
يا من مشيبه أتى وشبابه إضمحل وخبى ، متى تتضرع إلى مولاك وتقف بالباب ، أما اعتبرت بالراحلين من الأقارب والجيران والزملاء والأحباب كيف حالك إذا بلغت الروح التراق وقطعت الحسرات والندم علائق الأكباد وضعت في بيت الظلمة والدود والوحدة ولا ولي لك من الله ولا ناصر وضوعف العذاب وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون. كيف أنت إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وكل إنسان ألزم طائره في عنقه يوم النشور وحرر الحساب بين يدي سريع الحساب عالم السر والخفيات والحليات ونصب الميزان
عباد الله إن أمامكم يوم لا كالأيام يوم فيه من الأهوال والشدائد والكروب ما يشيب الولدان وتذهل فيه المرضعة عما أرضعت يوم يتغير فيه العالم وينتهي نظامه الذي نراه. فتنثر الكواكب وتتساقط وتطوى السماء كطي السجل للكتب يزيلها الله وتبدل الأرض غير الأرض وتمد كما أخبر الله تعالى وينفخ في الصور فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين.
عباد الله نحن في زمن لا نسيء إذا عددنا أكثر أهله من ضعفاء المتدينين الذين غلبت عليهم المداهنة والتملق والكذب ، راجع حال السلف المؤمنين حقا وانظر حالنا اليوم ، تعجب من الفرق المبين.
كان السلف يشتاقون إلى الصيام، وبعضهم يصومون ستة أيام من شوال، وثلاثة من كل شهر، ويوم الاثنين، والخميس، وبعضهم يصوم كصيام داود عليه السلام، يوم يصوم، ويوم يفطر. أما نحن فيا ليته يسلم لنا رمضان من المفسدات والمنقصات وهيهات. وكانت المساكن لا تهمهم يسكنون فيما تيسر.
عن مالك بن دينار أنه حضر رجلاً يبني دارًا وهو يعطي العمال الأجرة فمد يده فأعطاه درهمًا فطرح الدرهم في الطين فتعجب الرجل وقال كيف تطرح الدرهم في الطين؟ فقال: أعجب مني أنت لأنك طرحت كل دراهمك في الطين يعني ضيعتها في البناء
مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالعلا بن زياد فرأى سعة داره فقال له ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج.
كان نوح عليه السلام في بيت من شعر ألف سنة فقيل له يا رسول الله لو اتخذت بيتًا من طين تأوي إليه قال أنا ميت فلم يزل فيه حتى فارق الدنيا وقيل إنه قال بيت العنكبوت كثير على من يموت.
قال أبو هريرة بئس بيت الرجل المسلم بيت العروس يذكر الدنيا وينسي الآخرة، وكان لشقيق البلخي خص يكون هو ودابته فيه فإذا غزا هدمه وإذا رجع بناه. بلغ يا أخي أهل الفلل والعمائر وقل عن قريب ستسكنون في مسكن ثلاث أذرع فقط ويسد عليكم فيه لا تخرجون منه إلا مع الناس
عباد الله كلنا ولله الحمد قد رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا ورسولاً، وبالقرآن إمامًا، وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانًا وتبرأنا من كل دين يخالف دين الإسلام. وآمنا بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله الله، وبملائكة الله، وبالقدر خيره وشره وباليوم الآخر وبكل ما جاء به محمد صل الله عليه وسلم عن الله، على ذلك نحيا، وعليه نموت، وعليه نبعث إن شاء الله من الآمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بفضله وكرمه.
اعلموا معاشر الإخوان إنه من رضي بالله ربًا لزمه أن يرضى بتدبيره، واختياره له، وبمر قضائه، وأن يقنع بما قسم له من الرزق، وأن يداوم على طاعته، ويحافظ على فرائضه، ويجتنب محارمه، ويكون صابرًا عند بلائه، موطنًا نفسه على ما يصيبه من الشدائد، بعيدًا كل البعد عن نار الجزع، التي تتأجج في قلب كل امرئ يجهل بارئه ومولاه. فإن رأيت نفسك أيها الأخ تريد أن تجزع عند ملمة، فقف أمامها موقف الناصح القدير، أفهمها أنها هي السبب فيما أنزل الله بها من بلاء صغير أو كبير.
أيها المهملون الغافلون تيقظوا فإليكم يوجه الخطاب ويا أيها النائمون انتبهوا قبل أن تناخ للرحيل الركاب قبل هجوم هادم اللذات ومفرق الجماعات ومذل الرقاب ومشتت الأحباب فيا له من زائر لا يعوقه عائق ولا يضرب دونه حجاب، ويا له من نازل لا يستأذن على الملوك ولا يلح من الأبواب، ولا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا ولا يخاف عظيمًا ولا يهاب ألا وإن بعده ما هو أعظم منه من السؤال والجواب، ووراءه هول البعث والحشر وأحواله الصعاب من طول المقام والازدحام في الأجسام والميزان والصراط والحساب.
عباد الله اتقوا الله وبادروا بالتوبة قبل أن يغلق عنكم الباب، وابتدروا الأوبة قبل أن يرخى دونكم حجابها، وانتهزوا فرص الحياة فقد اقتربت الساعة وتضاعف اقترابها
عباد الله ما ندم من أطاع الله في أي وقت كان، ولا عادت الطاعات على صاحبها إلا بالخير والبركة في كل آن، والعصاة في كل زمن الممقوتون مهما ابتسمت لهم الدنيا وقضوا فيها بعض مآربهم، ومهما هاموا بحبها وأحكموا أساليب جمعها، فإن الدنيا لا تبتسم لفاسق إلا لتسحقه ولا تفتح ذراعيها لمقبل عليها إلا لتحرقه
الإخلاص مسك مصون في القلب ينبه ريحه على حامله، العمل صورة والإخلاص روح، إذا لم تخلص العمل لله وحده فلا تتعب، لو قطعت المنازل لم تكن حاجًا إلا بشهود الوقوف بالموقف، ولا تغتر بصورة الطاعات.
عباد الله –الدنيا ملأى بالمصائب والآلام، والأحزان والأسقام غناها فقر وعزها ذل. والآجال فيها معدودة والأعمار محدودة
السعيد من استعد ليوم الرحيل، وجهز نفسه بالعمل الصالح لسفر طويل، وتفكر فيمن سبقوه إلى دار القرار، وعلم أنه لا حق بهم مهما حاول الفرار، والأمر بعد ذلك إما نعيم مقيم أو شقاء وعذاب أليم.
يا من بنيت الآمال وقصرت في الصالح من الأعمال، تنبه للموت، فإن نسيانه ضلال مبين، كم من صديق لك مات في ريعان شبابه، وكم شيعت إلى الدار الآخرة من أحبابه، تذكر يا مغرور ساعة الاحتضار وخروج الروح والأولاد حولك يبكون والنساء تنوح، يناديك ولدك، أبتي إني بعدك مسكين، وتصرخ الزوجة يا زوجي إلى أين الرحيل وهل من رجعة أو غيابك طويل. فتغرغر عيناك بالدموع ويلجم منك اللسان، وتحاول النطق فيتعذر عليك الكلام، وتطلب النجاة ولكن وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ? [ق: : 19]
إن كنت يا مسلم في حياتك بارًا بمن فقدوا آباءهم، عطوفًا على اليتامى. تمسح دموعهم بخيرك، وتعاملهم كولدك تدخل السرور على قلوبهم الحزينة بما تقدمه لهم من الهدايا والإحسان، وما تظهره لهم من حب وعطف ورعاية وحنان، إن فعلت هذا في حياتك فأبشر. فإن أولادك بعدك في أمان، تحنو عليهم القلوب، ويرعاهم علام الغيوب.
أيها المسلمون: إن رعاية اليتيم من واجبات الدين، وإن إهمال شأنه وإذلاله وقهره ما ينبغي للإنسان وأكل ماله يغضب الديان، ويوجب الحرمان.
قال شيخنا في شرح الترمذي لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخوله الجنة أو شبهت منزلته في دخول الجنة بالقرب من منزلة النبي لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلاً لهم ومعلمًا ومرشدًا. وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه انتهى، قلت وكثيرًا ما يفعل بعض الناس ذلك الإحسان زمنًا ويتركه ولا يتمم إحسانه وبعضهم يرحب بذلك أول الأمر ولا يثبت على ذلك وقليل من يتمم كلامه ويثبت على جميله وإحسانه والتوفيق بيد الله
عباد الله سرور المؤمنين يوم يعبرون القناطر ويأمنون العواثر فذلك يوم عيدهم وما داموا في دار الغرور فلا غبطة ولا سرور. وأي سرور لمن الموت معقود بناصيته والذنوب راسخة في آنيته والنفس تقوده إلى هواها والدنيا تتزين في عينه بمشتهاها. والشيطان مستبطن فقار ظهره لا يفتر عن الوسوسة في صدره ونفسه وماله بعرضه للحوادث ولا يدري في كل نفس ما عليه حادث. ومن ورائه المغير ومسأله منكر ونكير ويتوسد التراب إلى يوم النشور
عباد الله تيقظوا فالعبر منكم بمرأى ومسمع، وطالما ناداكم لسان الزواجر عن الانهماك في الدنيا وحطامها والتهالك عليها فاسمع.
عباد الله احذروا أن تكونوا مثل من قد محضوا للدنيا كل ما لهم من أعمال وأصبحوا لا يقصدون بتصرفاتهم إلا الدنيا وأما الآخرة فلا تخطر لهم على بال. أخذت الدنيا أسماعهم وأبصارهم وعقولهم بما فيها من الزخارف الوهمية التي هي مراقد الفناء ومرابض الزوال وقواتل الأوقات.
عجب أن يكون كل هذا الاهتمام من أجل دار الغرور وأيامها المعدودة، وكل ما فيها من لذائذ معلوم أنها منغصات ثم منتهيات ذلك فوق أن الأرزاق فيها قد ضمنها اللطيف الخبير خالق كل شيء الذي ما من دابة في الأرض إلا عليه رزقها. وهل يشك مؤمن عاقل في ما ضمنه مولاه الغني الحميد لقد كان الأجدر والأولى بهذا الاهتمام حياتنا الثانية لأنها دار القرار ولأنها إذا فاتتك فيها دار الكرامة هويت في الهاوية وأنت لا تدري هل أنت من فريق الجنة أم من فريق السعير.
لقد فسدت أمزجة أكثر الناس حتى أثر فسادها على الأفهام لذلك رجحوا فانيًا مكدرًا منغصًا على باق ضمن صفوه مولي الإنعام وها هم أولاء كما ترى لا هم لهم ولا عمل إلا للدنيا وما لها من حطام
ينبغي للعاقل أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل.
عباد الله من حافظ على الصلاة فهو السعيد الرابح، ومن أضاعها فهو الشقي الخاسر، وإن اللبيب العاقل من إذا حضر للصلاة أقبل بقلبه وقالبه، طرح الدنيا وشئونها ومتعلقاتها جانبًا وتدبر ما يتلوه إن كان وحده أو إمامًا. وأنصت وأحضر قلبه إن كان مأمومًا وتفهم ما يسمع وابتهل وتضرع إلى مولاه.
عباد الله إن الخشوع في الصلاة هو روحها، والمحور الذي تدور عليه سائر أفعالها، والخشوع فيها مع الإخلاص لله آية الإيمان وسبب الفلاح وأمان من وساوس الشيطان. ألا وإن الصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها".
قال بعض السلف الصلاة كجارية تهدي إلى ملك من الملوك فما الظن بمن يهدي إليه جارية شلاء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد أو الرجل أو مريضة أو دميمة أو قبيحة حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح وجارية قبيحة فكيف بالصلاة التي يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى والله طيب لا يقبل إلا طيبًا وليس من العمل الطيب صلاة لا روح فيها كما أنه ليس من العتق الطيب عتق عبد بلا روح.
عباد الله إن من حافظ على الصلوات في أوقاتها وواظب على الجمعة والجماعات وأداها تأدية تامة بخشوع وخضوع، استنار قلبه وقويت الصلة بينه وبين ربه، وتهذبت نفسه وحسنت مع الله والناس معاملته، وحيل بينه وبين المحرمات وكان على البؤساء عطوفًا وبالضعفاء رحيمًا، وأفلح في دينه ودنياه وكان من المحبوبين عند الله وعند خلقه.
عباد الله النفس آمرة بالسوء، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر والسيف القاطع والدواء النافع الذي جعله الله وقاية للإنسان من شر النفس والشيطان، إنما هو الصلاة
عباد الله عليكم بتقوى الله، فإن تقواه عروة ما لها انفصام وقدوة يأتم بها الكرام، وسراج يضيء للأفهام، من تعلق بها حمته بإذن الله محذور العاقبة، ومن تحقق بحملها وقته بإذن الله شرور كل نائبة والحذر من دار فرقة مالها أسلاف، وقرار حرقة مالها انصراف، وأنى رجعة مالها إسعاف، فانهضوا عباد الله في استعمال ما يقربكم من دار القرار
عباد الله، كم أناس صلوا في هذا الشهر صلاة التراويح وأوقدوا في المساجد طلبًا للأجر المصابيح، ونسخوا بإحسانهم كل فعل قبيح، وقبل التمام سكنوا الضريح، ولم ينفعهم المال والآمال لما نقلوا، رحلوا عن الدنيا قدمًا قدمًا ونقص ما بنوه هدمًا هدمًا، أدارت عليهم المنون رحاها وأحلت وجوههم في الثرى فمحاها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل
عباد الله يجب عليكم أن تعلموا أنكم ما دمتم في هذه الدار فأنت في دار المعاملات، وأن لكم دارًا أخرى أبدية، فيها تستوفون ما لكم على هذه المعاملات من جزاءات، فإن أحسنتم هنا أو أسأتم، كان جزاؤكم هناك إحسانًا أو إساءات، هكذا وعدكم ربكم، وهو عليم بكل الأعمال، وعلى جزائكم عليها قدير
عباد الله إن مكارم الأخلاق التي هي آداب الإسلام جمال لا يوازنه جمال وحظ الإنسان منها يكون بقدر ما تخلق به من تلك الأخلاق
عباد الله: تصرمت الأعوام عامًا بعد عام، وأنتم في غفلتكم ساهون نيام. أما تشاهدون مواقع المنايا، وحلول الآفات والرزايا. وكيف فاز وأفلح المتقون، وكيف خاب وخسر المبطلون المفرطون فيا ليت شعري على أي شيء تطوى صحائف الأعمال أعلى أعمال صالحة وتوبة نصوح تُمحى بها الآثام، أم على ضدها فليتب الجاني إلى ربه، فالعمل بالختام. فاتقوا الله عباد الله واستدركوا عمرًا ضيعتم أوله، فإن بقية عمر المؤمن لا قيمة له. فرحم الله عبدًا اغتنم أيام القوة والشباب، وأسرع بالتوبة والإنابة قبل طي الكتاب، وأخذ نصيبًا من الباقيات الصالحات، قبل أن يتمنى ساعة واحدة من ساعات الحياة
أيها المهملون الغافلون تيقظوا فإليكم يوجه الخطاب ويا أيها النائمون انتبهوا قبل أن تناخ للرحيل الركاب قبل هجوم هادم اللذات ومفرق الجماعات ومذل الرقاب ومشتت الأحباب فيا له من زائر لا يعوقه عائق ولا يضرب دونه حجاب، ويا له من نازل لا يستأذن على الملوك ولا يلح من الأبواب، ولا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا ولا يخاف عظيمًا ولا يهاب، ألا وإن بعده ما هو أعظم منه من السؤال والجواب، ووراءه هول البعث والحشر وأحوال الصعاب من طول المقام والازدحام في الأجسام والميزان والصراط والحساب
عباد الله إن الناس في هذا الزمن لم يعرفوا ربهم المعرفة التي تليق بجلاله وعظمته ولو عرفوه حق المعرفة لم يكونوا بهذه الحال لأنه من كان بالله أعرف كان منه أخوف إن العارف بالله يخشاه فتعقله هذه الخشية بإذن الله عما لا ينبغي من الأقوال والأفعال
العارف بالله لا يجرؤ أن يحرك لسانه بكلمة من المنكرات أفعال أو أقوال كالغيبة والنميمة والكذب والقذف والفسق والسخرية والاستهزاء ونحو ذلك ولا يستعمل عضوًا من أعضائه في عمل ليس بحلال بل يكف بصره وسمعه ويده ورجله عن المحرمات لأنه يؤمن حق الإيمان بأن الله جل وعلا مهما تخفى وتستر العبد عنه فإنه يراه.
عباد الله أن من تعظيم ربنا جل وعلا تعظيم كتبه ورسله وذلك من أصول الإيمان فمن استخف بكتاب الله أو آية منه أو استخف برسله خسر كل الخسران عباد الله أين الغيرة الدينية كل يوم نجد الكتب التي تحتوي على التوحيد وعلى الآيات من كتاب الله وعلى الأحاديث الشريفة ملقات مع القمائم وفي الحفر القذرة تداس بالنعال وتلوث بالأقذار تلوث تلويثًا تستغيث منه العواطف الإيمانية أليس هذا من المنكرات لماذا لا تصان وترفع أو تقبر في محل طاهر.
عباد الله لا شيء أغلى عليكم من أعماركم وأنتم تضيعونها فيما لا فائدة فيه. ولا عدو أعدى لكم من إبليس وأنتم تطيعونه، ولا أضر عليكم من موافقة النفس الأمارة بالسوء وأنت تصادقونها، لقد مضى من أعماركم الأطايب، فما بقي بعد شيب الذوائب.
عباد الله تزودوا للرحيل فقد دنت الآجال واجتهدوا واستعدوا للرحيل فقد قرب الارتحال ومهدوا لأنفسكم صالح الأعمال فإن الدنيا قد آذنت بالفراق وإن الآخرة قد أشرفت للتلاق فتزودوا من دار الانتقال إلى دار القرار. واستشعروا التقوى في الأقوال والأفعال واحذروا التفاخر والتكاثر في الدنيا بجمع الحطام واكتساب الآثام وإياكم والاغترار بالآمال فوراءكم المقابر ذات الوحشة والهموم والغموم والكربات وتضايق الأنفاس والأهوال المفظعات.
اعلموا أن مع كل شباب هرمًا ومع كل صحة سقمًا ومع كل حياة موتًا فخذوا من شبابكم لهرمكم ومن صحتكم لسقمكم ومن وجودكم لعدمكم قبل أن تقطع عنكم الأسباب ويختم على ما فيها من حسن أو قبيح الكتاب ويصبح عامر الدنيا منكم وهو خراب وتستبدلوا بمشيد البنيان حفرًا مظلمة تحت التراب.
أيها الناس اتقوا الله تعالى وطهروا السرائر لمن هو بها عالم وتوجهوا إلى الله بالانكفاف عن المآثم والخروج من الغصوب والمظالم والإقلاع عن الصغائر والعظائم فإن أحدكم يعصي وهو غافل هائم فيعود وبال معصيته على الأطفال والبهائم. فيا حسرة المفرط بنفسه صاحب الشيبة البيضاء والصحيفة السوداء والبصيرة العمياء عن الهدى ويا ندامته يوم اللقاء على اتباعه الهوى وإعراضه عن الهدى ويا خسارته حين غفل ولهى عن مجالس الأذكار ومباحثة العلماء.