فوائد من اقتضاء الصراط المستقيم
حكمــــــة
مع أن الله قد حذرنا سبيلهم، فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله مما سبق في علمه، حيث قال فيما خرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله ! اليهود والنصارى، قال: فمن). فأخبر أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى وهم أهل الكتاب، ومضاهاة لفارس والروم، وهم الأعاجم. وليس هذا إخباراً عن جميع الأمة، بل قد تواتر عنه (لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة) وأخبر (أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة
حكمــــــة
قال تعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً..) وقال تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ). فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم: تارة بخلاً به، وتارة اعتياضاً عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوفاً في أن يحتج عليهم بما أظهروه منه. وهذا قد يبتلى به طوائف من المنتسبين إلى العلم، فإنهم تارة يكتمون العلم بخلاً به، وكراهة لأن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضاً عنه برئاسة أو مال، فيخاف من إظهاره انتقاص رئاسته أو نقص ماله، وتارة قد خالف غيره في مسألة، أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة، فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل. ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي: أهل العلم يكتبون مالهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.
حكمــــــة
قال تعالى (..... وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) فوصف اليهود: أنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به، والداعي إليه، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له، وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليه، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم. وهذا يُبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم أو الدين من المتفقهة، أو المتصوفة أو غيرهم، أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين – غير النبي صلى الله عليه وسلم - فإنهم لا يقبلون من الدين رأياً ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم
حكمــــــة
بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة، لأمور: منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة – مثلاً – يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم. ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال. ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهراً، بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
حكمــــــة
عن المعرور بن سويد قال (رأيت أبا ذر عليه حلة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك، فذكر أنه ساب رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيّره بأمه، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية). وفيه أن التعيير بالأنساب من أخلاق الجاهلية. وفيه أن الرجل – مع فضله وعلمه ودينه – قد يكون فيه بعض هذه الخصال، المسماة بجاهلية، وبيهودية، ونصرانية، ولا يوجب ذلك كفره ولا فسقه فساداً إلا وهو يظهر في عمله
حكمــــــة
مما نهانا الله سبحانه فيه عن مشابهة أهل الكتاب، قوله سبحانه (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) وهو نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي. وإن قوماً من هذه الأمة، ممن ينسب إلى علم أو دين، قد أخذوا من هذه الصفات بنصيب، يرى ذلك من له بصيرة، فنعوذ بالله من كل ما يكرهه الله ورسوله.
حكمــــــة
حديث أنس من قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد الله عليكم...). فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة على المشروع. والتشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب: بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه في الطيبات. وفي هذا تنبيه على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة. وفيه أيضاً تنبيه على أن التشديد على النفس ابتداء يكون سبباً لتشديد آخر، يفعله: إما بالشرع وإما بالقدر.
حكمــــــة
مما يشبه الأمر بمخالفة الكفار: الأمر بمخالفة الشياطين، كما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها)، فإنه علل النهي عن الأكل والشرب بالشمال: بأن الشيطان يفعل ذلك، فعلم أن مخالفة الشيطان أمر مقصود مأمور به، ونظائره كثيرة.
حكمــــــة
العبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه ويكمل إسلامه. ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه، تنقـص رغبته وهمته في سماع القرآن حتى ربما كرهه. ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها: لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنّة. ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذلك الموقع. ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم، لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام
حكمــــــة
العبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه ويكمل إسلامه. ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه، تنقـص رغبته وهمته في سماع القرآن حتى ربما كرهه. ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها: لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنّة. ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذلك الموقع. ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم، لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام