فوائد من فضل علم السلف على الخلف
حكمــــــة
ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النافع. وتارة في مقام الذم وهو العلم الذي لا ينفع. فأما الأول فمثل قوله تعالى (قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون)وقوله (إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ)وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم. فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به. قال تعالى (مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا) وقال (وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ) وأما العلم الذي ذكره الله تعالى على جهة الذم له. فقوله في السحر (وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ) وقوله (فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون) وقوله تعالى (يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون).
حكمــــــة
مما أنكره أئمة السلف الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام أيضاً ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام: وإنما أحدث ذلك بعدهم كما أحدثه فقهاء العراقين في مسائل الخلاف بين الشافعية والحنفية وصنفوا كتب الخلاف ووسعوا البحث والجدال فيها وكل ذلك محدث لا أصل له وصار ذلك علمهم حتى شغلهم ذلك عن العلم النافع.
حكمــــــة
كان السلف يقولون: العلماء ثلاثة: _1 عالم بالله عالم بأمر الله: يخشى الله، ويعرف الله، ويعرف أحكام الله. _2 عالم بالله وليس عالم بأمر الله. يخشى الله لكن لا يعلم الحلال والحرام والأحكام. _3 عالم بأمر الله وليس عالم بالله: أي: يعرف الأحكام والفقه، لكن خشية الله لا توجد.. تقوى غير موجودة، وهذا خطير جداً، لأن هذا الصنف هو الذي يضل الناس، الذي عنده علم وليس عنده تقوى، فيستعمل ما عنده من العلم في إضلال الخلق، ويلقي عليهم الشبهات والأشياء، يحرفهم بها: (إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين). أما الذي لا عنده علم بالله ولا بأمر الله، فهذا كالحمار يحمل أسفاراً وليس عنده شيء،
حكمــــــة
علامات صاحب العلم النافع: قال: (..من علامات ذلك: قبول الحق والانقياد له) فإذا كان لا يقبل الحق ولا ينقاد له ويتكبر ويُصّر على الباطل فهذا علمه ليس بالعلم النافع. كذلك من العلامات: إذا كان بعيداً عن الرياء لا يريد ثناء الناس ولا الرفعة بينهم، فهذا مخلص وعلمه نافع، فإذا كان يقبل المدح ويستجلبه، فمعنى ذلك أن علمه لم ينفعه. فالصادق يخاف النفاق على نفسه، ويخشى من سوء الخاتمة، فلذلك كان من علامات أصحاب العلم النافع أنهم لا يرون لأنفسهم مقاماً، ويكرهون بقلوبهم التزكية والمدح، ولا يتكبرون على أحد، لا يحسدون من فوقهم، ولا يسخرون ممن دونهم، ولا يأخذون على علمهم أجراً، هذه من علاماتهم. ومن علاماتهم: أنهم كلما ازدادوا في هذا العلم ازدادوا لله تواضعاً.
حكمــــــة
السلف أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم
حكمــــــة
ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه. وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة. ولا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم يه.