فوائد من ذم الهوى
حكمــــــة
قال وهب ولإزالة الجبل صخرة صخرة وحجرا حجرا أشد على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل فإذا لم يقدر عليه تحول إلى الجاهل فيستأسره ويستمكن من قياده حتى يسلمه إلى الفضائح التي يتعجل بها في الدنيا الجلد والحلق وتسخيم الوجه والقطع والرجم والصلب وإن الرجلين يستويان في أعمال البر ويكون بينهما كما بين المشرق والمغرب أو أبعد إذا كان أحدهما أعقل من الآخر
حكمــــــة
قال معاذ بن جبل لو أن العاقل أمسى وأصبح وله ذنوب بعدد الرمل كان وشيكا بالنجاة والسلامة والتخلص منها ولو أن الجاهل أمسى وأصبح وله من الحسنات وأعمال البر عدد الرمل لكان وشيكا ألا يسلم له منها مثقال ذرة قيل وكيف ذلك قال لأن العاقل إذا زل تدارك ذلك بالتوبة والعقل الذي قسم له والجاهل إنما هو بمنزله الذي يبني ويهدم فيأتيه من جهله ما يفسد صالح عمله
حكمــــــة
ينبغي للعاقل أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته وليعلم العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ بذلك عشر التذاذ من لم يدمن غير أن العادة تقتضيه ذلك فيلقى نفسه في المهالك لنيل ما يقتضيه تعوده ولو زال رين الهوى عن بصر بصيرته لرأى أنه قد شقى من حيث قدر السعادة واغتم من حيث ظن الفرح وألم من حيث أراد اللذة فهو كالحيوان المخدوع بحب الفخ لا هو نال ما خدع به ولا أطاق التخلص مما وقع فيه
حكمــــــة
عن المعافى بن عمران عن إدريس قال سمعت وهب بن منبه يقول كان في بني إسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما أن مشيا على الماء فبينما هما يمشيان في البحر إذا هما برجل يمشي في الهواء فقالا له يا عبد الله بأي شيء أدركت هذه المنزلة قال بيسير من الدنيا فطمت نفسي عن الشهوات وكففت لساني عما لا يعنيني ورغبت فيما دعاني إليه ولزمت الصمت فإن أقسمت على الله أبر قسمي وإن سألته أعطاني
حكمــــــة
دخل خلف بن خليفة على سليمان بن حبيب بن المهلب بالأهواز وعند سليمان جارية له يقال لها البدر من أحسن الجواري وجها وأكمله فقال سليمان لخلف كيف ترى هذه الجارية فقال أصلح الله الأمير ما رأت عيناي جارية قط أحسن منها فقال خذ بيدها فقال خلف ما كنت لأفعل ولا أسلبها الأمير وقد عرفت عجبه بها فقال خذها ويحك على عجبي بها ليعلم هواي أني غالب
حكمــــــة
حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال بلغني أن بعض الملوك قال لبعض الحكماء العجب لمن عرف الله وجلاله كيف يخالف أمره وينتهك حرماته فقال الحكيم بإغفال الحذر وبسط أمد الأمل وبعسى وسوف ولعل قال الملك بم يعتصم من الشهوة وقد ركبت في أبدان ضعيفة ففي كل جزء من البدن للشهوة حلول ووطن قال الحكيم إن الشهوة من نتاج الفكر وقرين كل فكرة عبرة ومع كل شهوة زاجر عنها فمن قرن شهواته بالاعتبار وحاط نفسه بالازدجار انحلت عنه ربقة العدوان ودحض سيء فكره بإيثار الصبر على شهوته لما يرجو من ثواب الله على طاعته ويخاف من عقابه على معصيته
حكمــــــة
اعلم وفقك الله أن النفس مجبولة على حب الهوى وقد سبق بيان أذاه فافتقرت لذلك إلى المجاهدة والمخالفة ومتى لم تزجر عن الهوى هجم عليها الفكر في طلب ما شغفت به فاستأنست بالآراء الفاسدة والأطماع الكاذبة والأماني العجيبة خصوصا إن ساعد الشباب الذي هو شعبة من الجنون وامتد ساعد القدرة إلى نيل المطلوب