فوائد من كتاب جامع الرسائل
حكمــــــة
لا بد للإنسان من شيئين: طاعته بفعل المأمور وترك المحظور وصبره على ما يصيبه من القضاء المقدور فالأول هو التقوى والثاني هو الصبر قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً " إلى قوله: " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط "
حكمــــــة
قال تعالى: " استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " فهذه مواضع قرن فيها الصلاة والصبر وقرن بين الرحمة والصبر في مثل قوله تعالى: " وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " . وفي الرحمة الإحسان إلى الخلق بالزكاة وغيرها فإن القسمة أيضاً رباعية إذ من الناس من يصبر ولا يرحم كاهل القوة والقسوة ومنهم من يرحم ولا يصبر كاهل الضعف واللين مثل كثير من النساء ومن يشبههن ومنهم من لا يصبر ولا يرحم كاهل القسوة والهلع. والمحمود هو الذي يصبر ويرحم
حكمــــــة
أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفقت عليه الصحابة واستفاضت به السنن من أنه يشفع لأهل الكبائر من أمته ويشفع أيضاً لعموم الخلق. وأما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هي للمؤمنين خاصة
حكمــــــة
اتفق العلماء على أنه لا ينعقد اليمين بغير الله ولو حلف بالكعبة أو الملائكة أو بالأنبياء عليه الصلاة والسلام لم تنعقد يمينه ولا يشرع له ذلك بل ينهى عنه إما نهي تحريم وإما نهي تنزيه فإن للعلماء في ذلك قولين والصحيح أنه نهي تحريم ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " .
حكمــــــة
والإنسان إذا توسل إلى غيره بوسيلة فأما أن يطلب من الوسيلة الشفاعة له عند ذلك الغير مثل أن يقال لأبي الرجل أو صديقه أو من يكرم عليه: اشفع لنا عند فلان وأما أن يسأل. كما يقال بحياة ولدك فلان وبتربة أبيك فلان وبحرمة شيخك فلان ونحو ذلك وقد علم أن الإقسام على الله بغير الله لا يجوز أن يقسم بمخلوق على الله أصلاً. وأما حديث الأعمى فإنه طلب من النبي أن يدعو له كما طلب الصحابة رضي الله عنهم الاستسقاء منه صلى الله عليه وسلم وقوله: " أتوجه إليك بنبيك محمد " أي بدعائه وشفاعته لي. ولهذا في تمام الحديث: فشفعه في. فالذي في الحديث متفق على جوازه وليس هو مما نحن فيه.
حكمــــــة
وأما تفضيل أهل الصفة على العشرة وغيرهم فخطأ وضلال بل خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر كما تواتر ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب موقوفاً ومرفوعاً وكما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمة العلم والسنة وبعدهما عثمان وعلي وكذلك سائر أهل الشورى مثل طلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وهؤلاء مع أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة ومع سعيد بن زيد هم العشرة المشهود لهم بالجنة وقد قال الله تعالى في كتابه: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى " ففضل السابقين قبل فتح الحديبية إلى الجهاد بأنفسهم وأموالهم على التابعين بعدهم وقال الله تعالى: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعوك تحت الشجرة " وقال تعالى: " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان " .
حكمــــــة
وأما سماع المكاء والتصدية وهو الاجتماع لسماع القصائد الربانية سواء كان بكف أو بقضيب أو بدف أو كان مع ذلك شبابة فهذا لم يفعله أحد من الصحابة لا من أهل الصفة ولا من غيرهم ولا من التابعين بل القرون الثلاثة المفضلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " لم يكن فيهم أحد يجتمع على هذا السماع لا في الحجاز ولا في الشام ولا في اليمن ولا في العراق ولا مصر ولا خراسان ولا المغرب وإنما كان السماع الذين يجتمعون عليه سماع القرآن وهو الذي كان الصحابة من أهل الصفة وغيرهم يجتمعون عليه فكان أصحاب محمد إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ والباقي يستمعون وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ فجلس معهم وكان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى: يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون
حكمــــــة
وأما قوله: " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " فهي عامة فيمن تناوله هذا الوصف مثل الذين يصلون الفجر والعصر في جماعة فإنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي وجهه سواء كانوا من أهل الصفة أو غيرهم أمر الله نبيه بالصبر مع عباد الله الصالحين الذين يريدون وجهه وأن لا تعدو عيناه عنهم " تريد زينة الحياة الدنيا " وهذه الآية في الكهف وهي سورة مكية وكذلك الآية التي هي في سورة الأنعام " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين " . وقد روي أن هاتين الآيتين نزلتا في المؤمنين المستضعفين لما طلب المستكبرون أن يبعدهم النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه الله تعالى عن طرد من يريد وجهه وإن كان مستضعفاً ثم أمره بالصبر معهم
حكمــــــة
لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله تعالى فهو غياث المستغيثين لا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا نبي مرسل ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة بهم إلى الثلاثمائة والثلاثمائة إلى السبعين والسبعين إلى الأربعين والأربعين إلى السبعة والسبعة إلى الأربعة والأربعة إلى الغوث فهو كاذب ضال مشرك فقد كان المشركون كما أخبر الله عنهم بقوله: " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه " وقال: " أمن يجيب المضطر إذا دعاه " فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعدة وسائط من الحجاب وهو القائل تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "
حكمــــــة
وليس في أولياء الله المتقين بل ولا أنبياء الله ولا المرسلين من كان غائب الجسد دائماً عن أبصار الناس بل هذا من جنس قول القائل بأن علياً في السحاب وأن محمداً بن الحنفية في جبال رضوى وأن محمد بن الحسن في سرداب سامراء وإن الحاكم في جبل مصر وأن الأبدال رجال الغيب في جبل لبنان فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان
حكمــــــة
وأما من زعم أن الملائكة والأنبياء تحضر سماع المكاء والتصدية محبة له ورغبة فيه فهو كاذب مفتر بل إنما تحضره الشياطين وهي تنزل عليهم وتنفخ فيهم قال تعالى في كتابه مخاطباً للشيطان: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك " وقد فسر ذلك طائفة من السلف بصوت الغناء وهو شامل له ولغيره من الأصوات المستفزة لأصحابها عن سبيل الله.