فوائد من كتاب صفة الصفوة 12
حكمــــــة
قال عبد الواحد بن زيد: كنا عند مالك بن دينار ومعنا محمد بن واسع وحبيب أبو محمد. فجاء رجل فكلم مالكا فأغلظ في قسمة قسمها وقال: وضعتها في غير حقها وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك لتكثر غاشيتك وتصرف وجوه الناس إليك. قال: فبكى مالك وقال: والله ما أردت هذا. قال: بلى والله لقد أردت هذا. فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له. فلما كثر ذلك عليهم رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت. قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتا فحمل إلى أهله على سرير، وكان يقال: إن أبا محمد مستجاب الدعوة.
حكمــــــة
عن عبد الواحد بن زيد أن حبيبا أبا محمد جزع جزعا شديدا عند الموت فجعل يقول بالفارسية: أريد أن أسافر سفرا ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقا ما سلكته قط، أريد أن أزور سيدي ومولاي وما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط، أريد أن أدخل تحت التراب فأبقى تحته إلى يوم القيامة ثم أوقف بين يدي الله فأخاف أن يقول لي: يا حبيب هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء. فماذا أقول وليس لي حيلة أقول: يا رب هو ذا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي.
حكمــــــة
كان عبد الواحد بن زيد يجلس إلى جنبي عند مالك بن دينار فكنت لا أفهم كثيرا من موعظة مالك لكثرة بكاءه قال زيد بن عمر: شهدت مجلس عبد الواحد بن زيد بعد العصر فكنت أنظر إلى منكبيه ترتعد ودموعه تتحدر على لحيته وهو ساكت والناس يبكون فقال: ألا ستتحيون من طول ما لا تستحيون؟ وفي القوم فتى فغشي عليه فما أفاق حتى غربت الشمس. فأفاق هو يقول: ما لي ما لي؟ كأنه يعمي على الناس أمره. ثم خرج فتوضأ.
حكمــــــة
قال عبد الواحد بن زيد: إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله عز وجل؟ ألا إنه من بكي شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه، يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من النار؟ ألا إنه من بكى خوفا من النار أعاذه الله منها. يا إخوتاه ألا تبكون؟ بلى فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله يسقيكموه في حظائر العرش مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. قال: ثم جعل يبكي حتى غشي عليه.
حكمــــــة
عن عبد الواحد بن زيد قال: نمت عن وردي ليلة فإذا أنا بجارية لم أر أحسن وجه منها عليها ثياب حرير خضر وفي رجليها نعلان والنعلان يسبحان والزمامان يقدسان، وهي تقول: يا ابن زيد جد في طلبي فإني في طلبك ثم جعلت تقول: من يشتريني ومن يكن سكني يأمن في ربحه من الغبـن فقلت: يا جارية ما ثمنك؟ فأنشأت تقول: تودد الله مع مـحـبـتـه وطول فكر يشاب بالحزن فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: لمالك لا يرد لي ثمـنـا من خاطب قد أتاه بالثمن فانتبه وآلى على نفسه أن لا ينام الليل.
حكمــــــة
قالت: عفيرة لم يرفع عطاء رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين حجة. فرفع رأسه مرة ففتق في بطنه فتق. قال بشر بن منصور: كنت أوقد بين يدي عطاء السليمي في غداة باردة. فقلت له: يا عطاء أيسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقي نفسك في هذه النار ولا تبعث إلى الحساب؟ فقال لي: إي ورب الكعبة قال: والله مع ذلك لو أمرت به لخشيت أن تخرج نفسي فرحا قبل أن أصل إليها.
حكمــــــة
كان عطاء السليمي قد أضر بنفسه حتى ضعف قال: قلت له: إنك قد أضررت بنفسك وأنا متكلف لك شيئا فلا ترد كرامتي، قال: افعل؛ قال: فاشتريت له سويقا من أجود ما وجدت وسمنا فجعلت له شريبة ولينتها وحليتها وأرسلتها مع ابني وكوزا من ماء وقلت له لا تبرح حتى يشربها. فرجع فقال: قد شربها. فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابني فرجع بها لم يشربها. قال فأتيته فلمته فقلت: سبحان الله رددت علي كرامتي؟ إن هذا مما يعينك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله. قال: فلما رآني قد وجدت من ذلك قال: يا أبا بشر لا يسوءك الله قد شربتها أول ما بعثت بها فلما كان الغد راودت نفسي على أن تسيغها فما قدرت على ذلك، إذا أردت أن أشربها ذكرت هذه الآية يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ سورة إبراهيم آية 170 فبكى صالح عند هذا وقال: قلت لنفسي: ألا أراني في واد وأنت في آخر؟
حكمــــــة
قال سوار أبو عبيدة: قالت امرأة عطاء السليمي: عاتب عطاء في كثرة البكاء، فعاتبته فقال لي: يا سوار كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي؟ إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس تغل يدها إلى عنقها وتسحب في النار؟ ألا تصيح فتبكي؟ وكيف لنفس تعذب ألا تبكي؟ ويحك يا سوار وما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله.
حكمــــــة
قال رجل لعطاء يوما: ما هذا الذي تصنع بنفسك؟ قتلت نفسا؟ أي شيء صنعت؟ قال: اصطدت حماما لجار لي منذ أربعين سنة، قال: ثم قال: أما إني قد تصدقت بثمنه. كأنه لم يعرفه صاحبه. كان عطاء إذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر فوقف على أهل القبور ثم قال: يا أهل القبور متم فواموتاه. ثم يبكي ويقول: يا أهل القبور عاينتم ما عملتم فواعملاه. فلا يزال كذلك حتى يصبح.
حكمــــــة
قال أبو يزيد الهدادي: انصرفت ذات يوم من الجمعة فإذا عطاء السليمي وعمر بن درهم يمشيان، وكان عطاء قد بكى حتى عمش، وكان عمر قد صلى حتى دبر، فقال عمر لعطاء: حتى متى نسهو ونلعب وملك الموت في طلبنا لا يكف؟ قال: فصاح عطاء صيحة خر مغشيا عليه فأنشج موضحة واجتمع الناس وعقد عمر عند رأسه فلم يزل على حاله حتى المغرب. ثم أفاق فحمل.
حكمــــــة
كان عطاء السليمي لا يكاد يدعو إنما يدعو بعض أصحابه ويؤمن هو، قال: فحبس بعض أصحابه. فقيل له: ألك حاجة؟ قال: دعوة من عطاء أن يفرج الله عني، قال صالح: فأتيته فقلت: يا أبا محمد أما تحب أن يفرج الله عنك؟ قال: بلى والله إني لأحب ذلك، قلت: فإن جليسك فلانا قد حبس فادع الله أن يفرج عنه. فرفع يديه وبكى وقال: إلهي قد تعلم حاجتنا قبل أن نسألكها قاقضها لنا، قال صالح: والله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل.
حكمــــــة
لما مات عطاء السليمي حزنت عليه حزنا شديدا فرأيته في منامي فقلت: يا أبا محمد ألست في زمرة الموتى؟ قال: بلى، قلت: فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال: صرت والله إلى خير كثير ورب غفور شكور. قال: فقلت أما والله لقد كنت طويل الحزن في دار الدنيا. فتبسم فقال: أما والله يا أبا بشر لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما. قلت: ففي أي الدرجات أنت؟ قال: أنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
حكمــــــة
قال صالح:قال لى ابو جهير مسعود الضرير:أنت الفتى القارئ، أنت أبو بشر؟ قلت: نعم، قال: اقرأ يا صالح فابتدأت فقرأت فما استتممت الاستعاذة حتى خر مغشيا عليه. ثم أفاق إفاقة فقال عد في قراءتك يا صالح، فعدت فقرأت: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا الفرقان: 23 قال: فصاح صيحة ثم انكب لوجهه وانكشف بعض جسده فجعل يخور كما يخور الثور ثم هدأ فدنونا منه ننظر فإذا هو قد خرجت نفسه كأنه خشبة.
حكمــــــة
قال عبد الله بن غالب الحداني لما برز للعدو: على ما آسى من الدنيا فوالله ما فيها للبيب جذل، والله لولا محبتي لمباشرة السهر بصفحة وجهي وافتراش الجبهة لك يا سيدي والمراوحة بين الأعضاء في ظلم الليل رجاء ثوابك وحلول رضوانك لقد كنت متمنيا لفراق الدنيا وأهلها. قال: ثم كسر جفن سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قتل، قال: فحمل من المعركة وإن به لرمقا فمات دون العسكر، فلما دفن أصابوا من قبره رائحة المسك
حكمــــــة
رأى رجل عبد الله بن غالب الحداني في منامه فقال: يا أبا فراس ما صنعت؟قال: خير الصنيع قال: إلى ما صرت؟ قال: إلى الجنة. قال: ثم قال: بحسن اليقين وطول التهجد وظمأ الهواجر. قال: فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرك؟ قال: تلك رائحة التلاوة والظمأ. قال: قلت أوصني. قال: اكسب لنفسك خيرا لا تخرج عنك الليالي والأيام عطلا. عن مالك بن دينار قال: نزلت في قبر عبد الله بن غالب فأخذت من ترابه فإذا هو مسك. وقال: فتن الناس به فبعث إلى قبره فسوي.
حكمــــــة
كتب غلام لحسان بن أبي سنان إليه من الأهواز أن قصب السكر أصابته آفة فاشتر السكر فيما قبلك. قال: فاشتراه من رجل، فلم يأت عليه إلا القليل فإذا اشترى ربح ثلاثين ألفا. قال فأتى صاحب السكر فقال: يا هذا إن غلامي كان كتب إلي ولم أعلمك فأقلني فيما اشتريت منك - قال الآخر: قد أعلمتني الآن وطيبته لك. قال: فرجع فلم يحتمل قلبه. قال: فأتاه فقال: يا هذا إني لم آت الأمر من وجهه فأحب أن تسترد هذا البيع. قال: فما زال به حتى رد عليه.
حكمــــــة
لقي حسان بن أبي سنان رجل به رهق وكان مع حسان رجل قال: فسأله حسان مساءلة لطيفة، فقال له الرجل: تساءل هذا مثل هذه المساءلة حتى يظن في نفسه أي شيء؟ قال: وما يدريك لعله تكون في هذا خصلة يحبها الله وفيك خصلة يبغضها الله عز وجل قال: فقال يا أبا عبد الله وما هذه الخصلة التي فيه يحبها الله عز وجل؟ وما الخصلة التي في يبغضها الله عز وجل؟ قال: لعله أن يكون حين رآك حدثته نفسه أنك خير منه ولعلك حين رأيته حدثتك نفسك أنك خير منه.
حكمــــــة
عن جعفر بن سليمان أن رجلا رأى النبي في المنام فقال: لو أن حسانا دعا أن يتحول جبل لحول. جاءت امرأة فسألت حسان بن أبي سنان فقال لشريكه هكذا، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى. فذهب شريكه يزن لها درهمين فوزن لها مائتين. فقالوا: يا أبا عبد الله كنت ترضي بهذا كذا وكذا من سائل. فقال: إني ذهبت في شيء لم تذهبوا فيه، إني رأيت بها بقية من الشباب وخشيت أن تحملها الحاجة على بعض ما أكره.
حكمــــــة
كان حسان بن أبي سنان رجلا من تجار أهل البصرة له شريك بالبصرة وهو مقيم بالأهواز يجهز على شريكه بالبصرة ثم يجتمعان على رأس كل سنة يتحاسبان ثم يقتسمان الربح. فكان يأخذ قوته من ربحه ويتصدق بما بقي، وكان صاحبه يبني الدور ويتخذ الأرضين. قال: فقدم حسان البصرة قدمة ففرق ما أراد أن يفرق فذكر له أهل بيت لم تكن حاجتهم ظهرت. فقال: أما تخبرونا؟ فاستقرض لهم ثلاث مائة درهم فبعث بها إليهم.
حكمــــــة
عن موسى بن هلال قال: حدثني رجل كان جليسا لنا وكانت امرأة حسان مولاة له قال: حدثتني امرأة حسان بن أبي سنان قالت: كان يجيء فيدخل معي في فراشي، قالت: ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا علم أني قد نمت سل نفسه فخرج ثم يقوم فيصلي، قالت: فقلت له يا أبا عبد الله: كم تعذب نفسك؟ أرفق بنفسك، فقال: اسكتي ويحك فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زمانا.
حكمــــــة
قال حريث: فحدثني يحيى بن مسلم البكاء وإبراهيم بن محمد القيسي قال: لما نظرنا إلى حسان وما قد أبلاه الدؤوب أكبرنا ذلك جدا واستدمع أهل البيت وعلت أصواتهم. ثم هدؤوا. فإنا لكذلك إذ سمعنا قائلا يقول من ناحية البيت: تجوع لـلإلـه لـكـي يراه نحيل الجسم من طول الصيام قال: فوالله ما رأيناه في البيت إلا باكيا. قال حريث: كانوا يرون أن بعض الجن بكاه.
حكمــــــة
قال عبيد الله بن شميط بن عجلان سمعت أبي يقول: بادروا بالصحة السقم وبالفراغ الشغل، وبادروا بالحياة الموت. وسمعته يقول لي: بئس العبد عبد خلق للعاقبة فصدته العاجلة عن العاقبة فزالت عنه العاجلة وشقي في العاقبة وسمعته يقول: أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك؟ لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع، كيف يعمل للآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته؟ العجب العجب كل العجب لمصدق بدار الحق وهو يسعى لدار الغرور.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: إن الله عز وجل جعل قوة المؤمن في قلبه ولم يجعلها في أعضائه. ألا ترون أن الشيخ يكون ضعيفا يصوم الهواجر ويقوم الليل والشاب يعجز عن ذلك. وقال: يعمد أحدهم فيقرأ القرآن ويطلب العلم حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمها إلى صدره وحملها على رأسه فنظر إليه ثلاثة ضعفاء: امرأة ضعيفة وأعرابي جاهل وأعجمي، فقالوا: هذا أعلم بالله منا لو ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا. فرغبوا في الدنيا وجمعوها.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان:يقول في مواعظه: إذا أصبحت آمنا في سربك معافى في بدنك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء وعلى من يحزن عليها، إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام فقد مضى أمس بما فيه وغدا أمل لعلك لا تدركيه، إنما هو يومك هذا فإن كنت من أهل غد برزق غد إن دون غد يوما وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة فلعلك المخترم فيه. كفى كل يوم همه ثم حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن تجيء وهم الصيف قبل أن يجيء، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟ ما تطلب الجنة بهذا، متى تهرب من النار؟ كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، فكيف لا يستبين للعالم جهله، وقد عجز عن شكر ما هو فيه، وهو مفتن في طلب الزيادة؟ أم كيف يعمل للآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقطع عنها رغبته فالعجب كل العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف يسعى لدار الغرور.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: الناس رجلان، فمتزود من الدنيا ومتنعم فيها فانظر أي الرجلين أنت. إني أراك تحب طول البقاء في الدنيا فلأي شيء تحبه؟ أن تطيع الله عز وجل وتحسن عبادته وتتقرب إليه بالأعمال الصالحة؟ فطوبى لك، أم لتأكل وتشرب وتلهو تلعب وتجمع الدنيا وتثمرها وتنعم زوجتك وولدك؟ فلبئس ما أردت له البقاء.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: إن المؤمن اتخذ كتاب الله عز وجل مرآة فمرة ينظر إلى ما نعت الله عز وجل به المؤمنين، ومرة ينظر إلى ما نعت الله عز وجل به المغترين، ومرة ينظر إلى الجنة وما وعد الله عز وجل فيها، ومرة ينظر إلى النار وما أعد الله عز وجل فيها. تلقاه حزينا كالسهم المرمى به شوقا إلى ما شوقه الله عز وجل إليه وهربا مما خوفه الله عز وجل منه.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: اللهم اجعل القليل من الدنيا يكفينا كما يكفي الكثير أهله، اللهم ارفع رغبتنا إليك واقطع رجاءنا ممن سواك، اللهم اجعل طاعتك ألذ عندنا من الطعام عند الجوع، ومن الشراب عند الظمأ، اللهم اجعل غفلة الناس لنا ذكرا ومرح الناس لنا شكرا، اللهم إذا تنعم المتنعمون بالدنيا فاجعلنا نتنعم بذكرك.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: بالدراهم والدنانير أزمة المنافقين تقودهم إلى السوءات. وكان يقول: تلقى أحدهم عنده فضول يغلق بابه دون جاره وذوي رحمه، ثم يخرج على القوم يحدثهم بما أكل وشرب ولعل جاره الفقير وذا رحمه المحتاج يكون في القوم يسمع ما يقول، ويحك ما كفاك أن غلقت بابك دونه فلم تواسه ولم تذكره حتى قعدت فأخبرته بما أكلت وشربت؟ فإذا أنت قد جمعت إساءة بعد إساءة.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: إن المؤمن أبصر الدنيا فأنزلها فإن هي أقبلت عليه قال: لا مرحبا ولا أهلا والله ما أراك جئت بخير وما فيك من خير إلا أن تطلب بك الجنة، ويفتدى بك من النار، فإن هي أدبرت عنه قال: عليك العفاء وعلى من يتبعك، الحمد لله الذي خار لي وصرف عني فتنتك وشغلك. وكان يقول إذا وصف أهل الدنيا: حيارى سكارى فارسهم يركض ركضا وراجلهم يسعى سعيا، لا غنيهم يشبع، ولا فقيرهم يقنع.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان: إنسانان معذبان في الدنيا: غني أعطي دنيا فهو بها مشغول، وفقير زويت عنه فهو يتبعها نفسه فنفسه تقطع عليها حسرات. وكان يقول: الناس ثلاثة: فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا، فهذا المقرب. ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفلة ثم راجع توبة، فهذا صاحب يمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل فيه حتى خرج من الدنيا، فهذا صاحب شمال.
حكمــــــة
قال شميط بن عجلان:أيها المغتر بطول صحته أما رأيت ميتا قط من غير سقم؟ أيها المغتر بطول المهلة أما رأيت مأخوذا قط من غير عدة، أبالصحة تغترون؟ أم بطول العافية تمرحون؟ أم بالموت تأمنون؟ أم على ملك تجترئون؟ إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك ولا كثرة احتشادك. أما علمت أن ساعة الموت ذات كرب شديد وغصص وندامة على التفريط؟ ثم يقول: رحم الله عبدا عمل لساعة الموت. رحم الله عبدا عمل لما بعد الموت، رحم الله عبدا نظر لنفسه قبل نزول الموت.
حكمــــــة
عن الهيثم بن عدي قال: سمعت خويل بن محمد، وكان عابدا يقول: كأن خويلا قد وقف للحساب فقيل له: يا خويل قد عمرناك ستين سنة، فما صنعت فيها فجمع نوم سنة مع قائلة النهار فإذا قطعة من عمري نوم وجمعت ساعات أكلي فإذا قطعة من عمري قد ذهبت في الأكل وجمعت ساعات وضوئي فإذا قطعة من عمري قد ذهبت فيه، ثم نظر في صلاتي فإذا صلاتي منقوصة وصوم مخرق. فما هو إلا عفو الله أو الهلكة.
حكمــــــة
قال أبو حميد عبد الله بن محمد المصيصي: سمعت حجاجا يقول: ركب شعبة حمارا له فلقيه سليمان بن المغيرة فشكا إليه شعبة، والله ما أملك إلا هذا الحمار. ثم نزل عنه ودفعه إليه. قال قراد أبو نوح: رأى شعبة علي قميصا فقال: بكم أخذت هذا؟ قلت بثمانية دراهم. قال لي: ألا اشتريت قميصا بأربعة دراهم وتصدقت بأربعة؟...
حكمــــــة
قال عبد الرحمن بن مهدي: كنت أذكر صالحا المري لسفيان فيقول القصص القصص، كأنه يكرهه. فكان إذا كانت له حاجة بكر فيها. فبكر يوما وبكرت معه فجعلت طريقنا على مسجد صالح المري فقلت: يا أبا عبد الله ندخل فنصلي في هذا المسجد. فدخل فصلينا وكان يوم مجلس صالح، فلما صلوا ازدحم الناس فبقينا لا نقدر أن نقوم، وتكلم صالح فرأيت سفيان يبكي بكاء شديدا، فلما فرغ وقام قلت له: يا أبا عبد الله كيف رأيت هذا الرجل؟ فقال: ليس هذا بقاص هذا نذير قوم.
حكمــــــة
قال الربيع بن برة: ابن آدم إنما أنت جثة منتنة طيب نسيمك ما ركب فيك من روح الحياة فلو قد نزع منك روحك ألقيت جثة ملقاة وجيفة منتنة وجسدا خاويا. قد جيف بعد طيب رائحة واستوحش منه بعد الأنس بقربه أي الخليفة منك أعجب إذ كنت تعلم أن هذا مصيرك وأن التراب مقيلك ثم أنت بعد هذا الطول جهلك تقر بالدنياعينا. أسمعته يقول فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور سورة سبأ آية 19، أما والله ما حداك على الصبر والشكر إلا لعظم ثوابهما عنده لأوليائه فمن أعظم منك غفلة أو من أطول في القيامة منك حسرة إذ كنت ترغب عما رغب لك فيه مولاك وأنت تقرأ في الليل والنهار نعم المولى ونعم النصير الأنفال آية 40.
حكمــــــة
قال الربيع بن برة: عجبت للخلائق كيف ذهلوا عن أمر حق تراه عيونهم وتشهد عليه معاقد قلوبهم إيمانا وتصديقا بما جاء به المرسلون؟ ثم ها هم في غفلة عنه سكارى يلعبون. ثم يقول: وأيم الله ما تلك الغفلة إلا رحمة من الله لهم ونعمة من الله عليهم. ولولا ذلك لألفي المؤمنون طائشة عقولهم طائرة أفئدتهم منخلقة علوبهم لا ينتفعون مع ذكر الموت بعيش أبدا.
حكمــــــة
كان الربيع بن برة يقول: نصب المتقون الوعيد من الله أمامهم فنظرت إليه قلوبهم بتصديق وتحقيق فهم والله في الدنيا منغصون، ووقفوا ثواب الأعمال الصالحة خلف ذلك فمتى سمت أبصار القلوب إلى ثواب الأعمال تشوقت القلوب وارتاحت إلى حلول ذلك، فهم والله إلى الآخرة متطلعون بين وعيد هائل ووعد حق صادق لا ينفكون من خوف وعيد إلا رجعوا إلى شوق موعود. فهم كذلك وعلى ذلك في الموت جعلت لهم الراحة. ثم بكى.
حكمــــــة
عن عاصم الخلقاني قال: قال الربيع بن عبد الرحمن: إن لله عبادا أخمصوا له البطون عن مطاعم الحرام، وغضوا له الجفون عن مناظر الآثام، وأهملوا له العيون لما اختلط عليهم الظلام رجاء أن ينير لهم قلوبهم إذا تضمنتهم الأرض بين أطباقها، فهم في الدنيا مكتئبون وإلى الآخرة متطلعون، نفذت أبصار قلوبهم بالغيب إلى الملكوت فرأت فيه ما رجت من عظيم ثواب الله فازدادوا لله بذلك جدا واجتهادا عند معاينة أبصار قلوبهم ما انطوت عليه آمالهم فهم الذين لا راحة لهم في الدنيا وهم الذين تقر أعينهم غدا بطلعة ملك الموت عليهم. قال: ثم يبكي حتى يبل لحيته بالدموع.
حكمــــــة
عن محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت الربيع بن عبد الرحمن يقول في كلامه: قطعتنا غفلة الآمال عن مبادرة الآجال فنحن في الدنيا حيارى لا ننتبه من رقدة إلا أعقبتنا في أثرها غفلة، فيا إخوتاه نشدتكم بالله هل تعلمون مؤمنا بالله أغر ولنقمته أقل حذرا من قوم هجمت بهم العبر على مصارع النادمين فطاشت عقولهم وضلت حلومهم مما رأوا العبر والأمثال، ثم رجعوا عن ذلك إلى غير قلعة ولا نقلة؟ فبالله لتبلغن من طاعة الله ورضاه أو لتنكرن به ماتعرفون من حسن بلائه وتواتر نعمائه - إن تحسن أيها المرء يحسن إليك وإن تسيء فعلى نفسك بالعتب فارجع فقد بين وحذر وأعذر فما للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما.
حكمــــــة
قال أبو عبد الله مؤذن مسجد بني جدار: جاورني شاب فكنت إذا أذنت للصلاة وأقمت كأنه في نقرة قفاي. فإذا صليت صلى ثم لبس نعليه فدخل منزله. فقال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله عندك مصحف تعيرني أقرأ فيه؟ فأخرجت إليه مصحفا فدفعته إليه فضمه إلى صدره ثم قال: ليكونن اليوم لي ولك شأن. ففقدته ذلك اليوم فلم أره يخرج. فساء ظني فلما صليت العشاء الآخرة جئت إلى الدار التي هو فيها فإذا فيها دلو ومطهرة وإذا على بابه ستر فدفعت الباب فإذا به ميت والمصحف في حجرة. فأخذت المصحف من حجرة واستعنت بقوم على حمله حتى وضعناه على سريره. ودخلت المسجد لأركع، فإذا بضوء في القبلة فدنوت منه فإذا كفن ملفوف في القبلة فأخذته فكفناه فما كدنا نرفع جنازته، من كثرة من حضره من الجمع.
حكمــــــة
قال ضيغم ليلة: لو أعلم أن رضاه أن أقرض لحمي لدعوت بالمقراض فقرضته. وقال: قال سيار رأيت ضيغما صلى نهاره أجمع وليله حتى بقي راكعا لا يقدر أن يسجد فرأيته رفع رأسه إلى السماء ثم قال: قرة عيني، ثم خر ساجدا فسمعته يقول وهو ساجد: إلهي كيف عزفت قلوب الخليقة عنك؟ قال: وربما أصابته الفترة فإذا وجد ذلك اغتسل ثم دخل بيتا فأغلق بابه وقال: إلهي إليك جئت. قال: فيعود إلى ما كان من الركوع والسجود.
حكمــــــة
قال مالك بن ضيغم:قالت أمى:ضيغم قال: لبيك يا أماه. قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه. قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله قال: فبكت العجوز وبكى فتسامع أهل الدار فجلسوا يبكون لبكائهم. وقال: وقالت له يوما آخر: ضيغم قال: لبيك يا أماه. قالت: تحب الموت؟ قال: لا أماه. قالت: لم يا بني؟ قال: لكثرة تفريطي وغفلتي عن نفسي، قال: فبكت العجوز وبكى ضيغم واجتمع أهل الدار وجعلوا يبكون، وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية
حكمــــــة
قال مالك بن ضيغم: حدثني الحكم بن نوح قال: بكى أبوك ليلة من أول الليل إلى آخره لم يسجد فيها سجدة ولم يركع فيها ركعة ونحن معه في البحر، فلما أصبحنا قلنا: يا مالك لقد طالت ليلتك لا مصليا ولا داعيا، قال: فبكى ثم قال: لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدا ما لذوا بعيش أبدا، والله إني لما رأيت الليل وهوله وشدة سواده ذكرت به الموقف وشدة الأمر هناك، وكل امرئ يومئذ تهمه نفسه: و لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا سورة لقمان آية 33 قال: ثم شهق ولم يزل يضطرب ما شاء الله.
حكمــــــة
عن مالك بن ضيغم قال: حدثتني خالتي حبابة بنت ميمون العتكية قالت: رأيت أباك ضيغما نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز وقد برد له حتى صبه ثم اكتاز من الحب ماء حارا فشرب فقلت له بعد ذلك: بأبي أنت قد رأيت الذي صنعت فمم ذاك؟ قال: حانت مني مرة نظرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن لا تذوق الماء البارد أيام الدنيا. فقلت: أنغص عليها الحياة.
حكمــــــة
عن محمد بن مالك بن ضيغم قال: حدثني مولانا أيوب قال: قال لي أبو مالك يوما: يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي، وأيم الله لئن لم تأت الآخرة المؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران: هم الدنيا وشقاء الآخرة. قال قلت: بأبي أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟ قال: يا أبا أيوب فكيف بالقبول وكيف بالسلامة؟ ثم قال: كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه، قد أصلح قربانه، قد أصلح همته، قد أصلح عمله، يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه.
حكمــــــة
قال أبو عمران التمار: غدوت يوما قبل الفجر إلى مسجد الجفري فإذا باب المسجد مغلق وإذا الحسن بن أبي جعفر جالس يدعو، وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه وحسن يدعو. قال: فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه فقام فأذن وفتح باب المسجد فلم أر في المسجد أحدا، فلما أصبح وتفرق عنه الناس قلت له: يا أبا سعيد إني والله رأيت عجبا. قال: ما رأيت؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت. فقال: أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون فيشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون.
حكمــــــة
عن علي بن عبد الله قال: كنا عند يحيى بن سعيد فقال لرجل: اقرأ. فقرأ حم الدخان فلما أخذ في القراءة نظرت إلى يحيى بن سعيد يتغير فلما بلغ إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين صعق يحيى وغشي عليه وارتفع صدره من الأرض وتقوص وانقلب فأصاب الباب فقار ظهره وسال الدم وصرخ النساء. فخرجنا فوقفنا بالباب حتى أفاق بعد كذا وكذا. ثم دخلنا عليه فإذا هو نائم على فراشه وهو يقول: إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين الدخان آية 40 قال علي: فما زالت به تلك القرحة حتى مات رحمه الله.
حكمــــــة
عن مالك بن ضيغم قال: جاء رياح القيسي يسال عن أبي بعد العصر فقلنا هو نائم. فقال: أنوم في هذه الساعة؟ ثم ولى منصرفا. فأتبعناه رسولا فقلنا: قل له ألا نوقظه لك؟ قال: فأبطأ علينا الرسول. فلما جاء قلنا فهل قلت له؟ قال: هو كان أشغل من أن يفهم عني شيئا، أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول: قلت: نوم هذه الساعة؟ أفكان هذا عليك؟ ينام الرجل متى شاء. تسألين عما لا يعنيك وتتكلمين بما لا يعنيك، أما إن لله علي عهدا لا أنقضه أبدا. ألا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا لمرض حائل أو لذهاب عقل زائل، أما تستحيين؟ كم توبخين وعن غيك لا تنتهين.
حكمــــــة
قال محمد بن عبد الله: صليت مع رياح القيسي الظهر، فصليت إلى جانبه فجعلت دموعه تقع على البواري مثل الوكف: طق طق. قال وكان رياح ربما أخذ حفنة من تراب ثم يضعها على البوري ويسجد عليها. وربما وجد رياح في بعض السكك، وقد غشي عليه فيحمل إلى أهله مغشيا عليه. كان لرياح القيسي غل من حديد قد اتخذه وكان إذا جنه الليل وضعه في عنقه وجعل يتضرع ويبكي حتى يصبح.
حكمــــــة
قال الحارث أخذ بيدي رياح فقال: هلم يا أبا محمد حتى نبكي على مر الساعات ونحن على هذه الحال. قال وخرجت معه إلى المقابر، فلما نظر إلى القبور صرخ ثم خر مغشيا عليه، قال: فجلست والله عند رأسه أبكي فأفاق فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى بك. قال: لنفسك فابك. ثم قال: وانفساه، وانفساه، ثم غشي عليه. قال: فرحمته والله مما نزل به فلم أزل عند رأسه حتى أفاق فوثب وهو يقول: تلك إذا كرة خاسرة - تلك إذا كرة خاسرة النازعات آية 12 ومضى على وجهه وأنا أتبعه لا يكلمني حتى انتهى إلى منزله فدخل وأصفق بابه ورجعت إلى أهلي ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات.
حكمــــــة
كان عتبة الغلام من نساك أهل البصرة وكان من أصحاب الفلق. وكان قد قوت لنفسه ستين فلقة يتعشى كل ليلة بفلقة ويتسحر بأخرى، وكان يصوم الدهر ويأتي السواحل والجبابين. كان عتبة يجالسنا فقال لنا يوما: إنه لا يعجبني رجل لا يكون في يده حرفة. فقلنا: ما نراك تحترف. فقال: بلى رأس مالي طسوج أشتري به خوصا أعمله وأبيعه بثلاثة طساسيج فطسوج رأس مالي وقيراط خبزي.
حكمــــــة
قال عنبسة:كان عتبة الغلام يزورني فربما بات عندي. قال ذات ليلة فبكى من السحر بكاءا شديدا فلما أصبح قلت له: قد فزعت قلبي الليلة ببكائك. فمم ذاك يا أخي؟ قال: يا عنبسة إني والله ذكرت يوم العرض على الله. ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما. قال: ثم أزبد وجعل يخور فناديته: عتبة عتبة فأجابني بصوت خفي: قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين. قال: ثم جعل يحشرج بالبكاء ويردد حشرجة الموت ويقول: تراك مولاي تعذب محبيك وأنت الحي الكريم؟ قال: فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني.
حكمــــــة
قال ابن دعامة رأيت عتبة الغلام إذا استحسن الطير دعاه فيجيء حتى يسقط على فخذه فيمسه ثم يسيبه فيطير. قال عبد الواحد بن زيد: انطلقت أنا وعتبة الغلام في حاجة حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبة يعرق عرقا شديدا حتى رشح وذلك في يوم شات شديد البرد فقلت: عتبة ترشح عرقا في مثل هذا اليوم الشديد البرد؟ فسكت ولم يخبرني فقلت: بالذي بيني وبينك، ولم أزل به، فقال: ذكرت ذنبا أذنبته في هذا الموضع.
حكمــــــة
قال عبد الواحد: وكان عتبة يسجد السجدة الطويلة على الحصا يوم الجمعة فما أراه يعقل بحره. ركب عتبة في زورق مع قوم فأراد الملاح أن يعدل ببعضهم السفينة فلم يجد أحدا منهم أحقر في عينيه من عتبة: فضرب جنبه فقال: استو فقال عتبة: الحمد لله الذي لم ير فيهم أحقر في عينه مني. كان عتبة يبيت عندي. فقلت له: ما كانت عبادته؟ قال: كان يستقبل القبلة فلا يزال في فكر وبكاء حتى يصبح، وربما جاءني مساء فيقول: أخرج إلي شربة من ماء وتمرات أفطر عليها فيكون لك مثل أجري.