فوائد من كتاب صفة الصفوة 9
حكمــــــة
عن الحسين بن علي الصدائي قال: جئت إلى أبي داود الحفري فدققت الباب عليه فقال: من هذا؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال لي: اصبر علي. فاطلعت من كوة في الباب فإذا هو متزر بمئزر وهو يغزل صوفا يتعيش منه. فأخذ الصوف فوضعه في كوة وأخذ عليه ثوبا وأدخلني الدار إلى مسجد له فقعد معي ولم يكن في الدار سقف غير سقف رأيته على الدهليز فأملى علي حتى فني ورقي. وقال لي: ألك حاجة؟ أو تكتب شيئا آخر؟ فما رأيت رجلا يحدث لله عز وجل مثله.
حكمــــــة
عن مخول قال جلس بهيم في ظل حائط قبل رحلته الى الحج فوضع يده تحت لحيته وجعلت دموعه تسيل على خديه، ثم على لحيته ثم على صدره حتى والله رأيت دموعه على الأرض. قال: فقال لي صاحبي: يا مخول قد ابتدأ صاحبك،ليس هذا لي برفيق قال: قلت: ارفق، لعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق. وسمعها بهيم فقال: يا أخي والله ما هو بذاك وما هو إلا أني ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة. قال: وعلا صوته بالنحيب.
حكمــــــة
جاء رجلان إلى شريح فقال أحدهما: اشتريت من هذا دارا فوجدت فيها عشرة آلاف درهم فقال: خذها. فقال له: إنما اشتريت الدار. فقال للبائع: فخذها أنت فقال: ولم؟ وقد بعته الدار بما فيها. فأدار الأمر بينهما فأبيا فأتى زيادا فأخبره فقال: ما كنت أرى أن أحدا هكذا بقي. وقال لشريح: ادخل بيت المال فألق في كل جراب قبضة حتى تكون للمسلمين.
حكمــــــة
قال منصور بن عمار: خرجت ذات ليلة فظننت أني قد أصبحت فإذا علي ليل، فقعدت عند باب صغير فإذا بصوت شاب يبكي ويقول: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وقد عصيتك حين عصيتك وما أنا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض، ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي وغلبتني شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، عصيتك بجهلي وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني؟ واسوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي، يا ويلي كم أتوب وكم أعود، قد حان لي أن أستحيي من ربي عز وجل.
حكمــــــة
قال عبد الله بن عمر الكوفي: كان عندنا بالكوفة رجل قد خرج عن دنيا واسعة وتعبد. قال: وكان الفضيل بالكوفة في أيامه. قال: فقدم ابن المبارك فقال له الفضيل: إن ها هنا رجلا من المتعبدين قد خرج عن دنيا فامض بنا إليه ننظر عقله. قال: فجاؤوا إليه وهو عليل وعليه عباء وتحت رأسه قطعة لبنةقال: فسلم ابن المبارك عليه ثم قال: يا أخي بلغنا أنه ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه الله ما هو أكثر منه، فما عوضك؟ قال: الرضا بما أنا فيه. فقال ابن المبارك: حسبك. وقاما على ذلك
حكمــــــة
قال ابن نمير كان لي ابن أخت سمته أختي باسم أبي نمير، وكان من نساك أهل الكوفة قال: فعرض له فذهب عقله فنزل يوما مبكرا يريد المقابر فقلت: يا نمير تنام؟ قال: لا. قلت: أي شيء العلة التي تمنعك من النوم؟ قال: هذا البلاء الذي تراه. فقلت: يا نمير أما تخاف الله عز وجل؟ قال: بلى. وقال: أليس يقال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؟قال: قلت له: أنت أعلم مني. قال: كلا ومضى. قال: وصعدت إليه ليلة باردة وهو قائم في السطح وأمه قائمة تبكي فقلت: يا نمير بقي منك شيء لم تنكره؟ قال: نعم. قلت ما هو؟ قال: حب الله عز وجل وحب رسوله.
حكمــــــة
ذكر سفيان الثوري امرأة بالكوفة يقال لها أم حسان ذات اجتهاد وعبادة. فدخلنا بيتها فلم نر فيه شيئا غير قطعة حصير خلق فقال لها الثوري: لو كتبت رقعة إلى بعض بني أعمامك لغيروا من سوء حالك. فقالت: يا سفيان قد كنت في عيني أعظم وفي قلبي أكبر مذ ساعتك هذه، إني ما أسأل الدنيا من يقدر عليها ويملكها ويحكم فيها؛ فكيف أسأل من لا يقدر عليها ولا يقضي ولا يحكم فيها؟ يا سفيان والله ما أحب أن يأتي علي وقت وأنا متشاغلة فيه عن الله تعالى بغير الله. فأبكت سفيان. قال عبد الله: فبلغني أن سفيان تزوج بها.
حكمــــــة
قال فضيل بن عبد الوهاب سمعت أختي تقول: الآخرة أقرب من الدنيا، وذلك أن الرجل يهم بطلب الدنيا فلعله أن ينشئ لذلك سفرا يكون فيه تعب بدنه وإنفاق ماله، ثم لعله أن لا ينال بغيته. والرجل يطلب الآخرة فمنتهى طلبته في حسن نيته حيث ما كان من غير أن ينشئ سفرا أو ينفق مالا أو يتعب بدنا، ما هو إلا أن يجمع على طاعة الله فإذا هو قد أدرك ما عند الله.
حكمــــــة
أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم فلعلها تفتنه، وجعلوا لها ألف درهم. فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها فراعه أمرها فأقبلت عليه وهي سافرة.فقال لها الربيع: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو قد ساءلك منكر ونكير؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشيا عليها. فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق.
حكمــــــة
أتى الربيع بن خثيم في منامه فقيل: إن فلانة السوداء زوجتك في الجنة فلما أصبح سأل عنها فإذا هي ترعى أعنزا لها. فأقام عندها ثلاثا لا يراها تزيد على الفريضة، فإذا أمست جاءت إلى عنيزة لها فحلبت ثم شربت، ثم حلبت فسقته. فقال لها في اليوم الثالث: يا هذه لم لا تسقيني من غير هذه العنز؟ قال: يا عبد الله إنها ليست لي، قال: فلم تسقيني من هذه؟ قالت: إن هذه منحتها أشرب من لبنها واسقي من شئت. قال: يا هذه فليس لك من العمل أكثر مما أرى؟ قالت: لا، إلا أني ما أصبحت على حال قط فتمنيت أني على حال سواها، رضا بما قسم الله لي.
حكمــــــة
كانت جارة لمنصور بن المعتمر، وكان لها ابنتان لا تصعدان إلى السطح إلا بعد ما ينام الناس. فقالت إحداهما ذات ليلة: يا أمتاه ما فعلت القائمة التي كنت أراها في سطح فلان؟ فقالت: يا بنية لم تكن تلك قائمة إنما كان ذاك منصور يحيي الليل كله في ركعة لا يسجد فيها ولا يركع. فقالت: يا أمتاه: بلغ به العبادة والفرق من النار هذا؟ فاشترت امها لها مدرعة من شعر فدخلت البنت الأخرى معها في العبادة فتعبدتا بعد ذلك عشرين سنة لا تنامان الليل ولا تفطران النهار.
حكمــــــة
كانت امرأة عابدة في غنى، فكانت لا تنام من الليل إلا يسيرا. فعوتبت في ذلك فقالت: كفى بالموت وطول الرقدة في القبور للمؤمنين رقادا. وكانت تصوم في شدة الحر حتى يسود لونها ويتغير وجهها. فيقال لها في ذلك، فتقول: إنما أدور على طول الري والشبع في الآخرة. وكانت قد بكت حتى اسود مجاري دموعها من وجهها، فكان يأتيها محمد بن النضر وأصحابه فيحادثها ساعة ثم تقول: قوموا فالحديث هناك يطيب، في دار لا هم فيها ولا موت ولا تعب.
حكمــــــة
قال يحيى بن إسماعيل كانت لي أخت أسن مني فاختلط عقلها فتوحشت فكانت في غرفة. فمكثت بذلك بضع عشرة سنة وكانت مع ذهاب عقلها تحرص على الطهور وتفقد الصلوات وربما غلبت على عقلها الأيام فتحفظ ذلك حتى تقضيه قالت:أتيت الليلة في منامي فقيل لي: السلام عليك يا بخة. فقلت: وعليك السلام. فقيل لي: إن الله قد حفظ أباك إسماعيل لسلمة بن كهيل جدك، وحفظك لأبيك إسماعيل. فإن شئت دعوت الله لك فأذهب ما بك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، فقلت: إن كان لا بد من أن أختار أحدهما فالصبر على ما أنا فيه والجنة، وإن شاء أن يجمعهما لي فعل. قالت: فقيل لي: قد جمعهما الله لك قومي فانزلي. فأذهب الله ما كان بها.
حكمــــــة
عن الأحنف بن قيس قال: بينا أنا أطوف بالبيت إذ لقيني رجل من بني سليم فقال: أبشرك؟ فقلت: بلى. قال: أتذكر إذ بعثني رسول الله إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى الإسلام، فقلت أنت: ما قال إلا خيرا ولا أسمع إلا حسنا؟ فإني رجعت وأخبرت النبي بمقالتك فقال: اللهم اغفر لأحنف. قال: فما أنا لشيء أرجى مني لها.
حكمــــــة
قال أبو معاوية بن هشام لخالد بن صفوان: بم بلغ فيكم الأحنف بن قيس ما بلغ؟ قال: إن شئت حدثتك ألفا وإن شئت حذفت لك الحديث حذفا. قال: احذفه لي حذفا. قال: فإن شئت فثلاثا، وإن شئت فاثنتين، وإن شئت فواحدة. قال: ما الثلاث؟ قال: كان لا يشره ولا يحسد ولا يمنع حقا. قال: فما الاثنتان؟ قال: كان موقفا للخير، معصوما من الشر. قال: فما الواحدة؟ قال: كان أشد الناس على نفسه سلطانا.
حكمــــــة
رأى كعب عامر بن عبد قيس فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا عامر. فقال: هذا راهب هذه الأمة. عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم: عامر بن عبد الله، إن كان ليصلي فيتمثل إبليس في صورة حية فيدخل تحت قميصه حتى يخرج من جيبه فما يمسه. قيل له: ألا تنحى الحية عنك؟ فقال: إني لأستحيي من الله عز وجل أن أخاف سواه. فقيل له: إن الجنة لتدرك بدون ما تصنع، وإن النار لتتقى بدون ما تصنع. فقال: والله لأجتهدن. ثم والله لأجتهدن، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن دخلت النار فبعد جهدي.
حكمــــــة
عن عامر بن عبد قيس أنه مر بقافلة قد حبسهم الأسد من بين أيديهم على طريقهم، فلما جاء عامر نزل عن دابته فقالوا: يا أبا عبد الله إنا نخاف عليك من الأسد. فقال: إنما هو كل من كلاب الله عز وجل، إن شاء أن يسلطه سلطه وإن شاء أن يكفه كفه. فمشى إليه حتى أخذ بيديه أذني الأسد فنحاه على الطريق وجازت القافلة. وقال إني لأستحيي من ربي تبارك وتعالى أن يرى في قلبي أني أخاف من غيره.
حكمــــــة
بعث معاوية إلى عبد الله بن عامر أن انظر إلى عامر بن عبد قيس فأحسن إذنه وأكرمه ومره أن يخطب إلى من شاء وأمهر عنه من بيت المال. قال: فأرسل إليه: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي أن أحسن إذنك وأكرمك. قال: يقول فلان أحوج مني إلى ذلك، يعني رجلا كان أطال الاختلاف إليهم ولا يؤذن له. وأمرني أن آمرك أن تخطب إلى من شئت وأمهر عنك من بيت المال. قال: أنا في الخطبة دائب. قال: إلى من؟ قال: إلى من يقبل الفلقة والتمرة.
حكمــــــة
مر برجل من أعوان السلطان وهو يجر ذميا والذمي يستغيث. فأقبل على الذمي فقال: أديت جزيتك؟ قال: نعم. فأقبل عليه فقال: ما تريد منه؟ قال: أذهب به يكسح دار الأمير. قال: فأقبل على الذمي فقال: تطيب نفسك له بهذا؟ قال: يشغلني عن صنعتي. قال: دعه. قال: لا أدعه. قال له: دعه، قال: لا أدعه. قال: فوضع كساءه فقال: لا يخفر ذمة محمد وأنا حي. قال: ثم خلصه منه. قال فتراقى ذلك حتى كان سبب تسييره.
حكمــــــة
قال عامر بن عبد قيس: أربع آيات من كتاب الله تعالى إذا ذكرتهن لا أبالي على ما أصبحت وأمسيت ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده سورة فاطر آية 2، وإن يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو سورة الأنعام آية 17 و سيجعل الله بعد عسر يسرا سورة الطلاق آية 7، وما من دابة إلا على الله رزقها سورة هود آية 6.
حكمــــــة
عن أبي المتوكل الناجي قال: قال عامر بن عبد قيس: يا أبا المتوكل؟ قلت: لبيك. قال: عليك بما يرغبك في الآخرة ويزهدك في الدنيا ويقربك إلى لاله عز وجل. قلت: ما هو؟ فقالك تقصر عن الدنيا همك وتشحذ إلى الآخرة نيتك، وتصدق ذلك بفعلك، فإذا كنت كذلك لم يكن شيء أحب إليك من الموت، ولا شيء أبغض إليك من الحياة. فقلت: يا أبا عبد الله كنت لا أحسبك تحسن مثل هذا. فقال: كم من شيء كنت أحسنه وددت أني لا أحسنه وما يغني عني ما أحسن من الخير إذا لم أعمل به.
حكمــــــة
عن العلاء بن سالم قال: حدثني من صحب عامر بن عبد قيس أربعة أشهر قال: فما رأيته نام بليل ولا نهار حتى فارقته، وكان له رغيفان قد جعل عليهما ودكا فيتسحر بواحد ويفطر بآخر. وكان إذا أصبح علمنا القرآن حتى إذا أمكنته الصلاة قام يصلي، فلا يزال يصلي حتى يصلي العصر. قال: ثم يعلمنا القرآن حتى يمسي فإذا صلى المغرب فهي ليلته حتى يصبح.
حكمــــــة
قالوا: ما رأينا عامر بن عبد قيس متطوعا في مسجدهم قط. قال وكان آخر من يدخل المسجد، وأول من يخرج منه. قال ابن الشخير كنا نأتي عامر بن عبد الله وهو يصلي في مسجده فإذا رآنا تجوز في صلاته ثم أقبل علي فقال: أرحني بحاجتك فإني أبادر؟ قلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت رحمك الله؟ قال: فقمت عنه وقام إلى صلاته.
حكمــــــة
لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه. فقالوا له: هل أخذت منه شيئا؟ فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأنا: فقالوا: من أنت؟ فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس.
حكمــــــة
غزا سبع غزوات الفضيل بن زيد الرقاشي في خلافة عمر، وكان من عباد البصرة. عن فضيل بن زيد الرقاشي، وكان غزا مع عمر سبع غزوات قال: لا يلهينك الناس عن ذات نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النهار بطيت وكيت فإنه محفوظ عليك ما قلت، ولم أر شيئا أحسن طلبا ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم.
حكمــــــة
عن الحسن قال: خرج هرم بن حيان وعبد الله بن عامر يؤمان الحجاز، فجعلت أعناق رواحلهما تتخالجان الشجر. فقال هرم لابن عامر أتحب أنك شجرة من هذه الشجر؟ فقال ابن عامر: لا والله، لما أرجو من ربي عز وجل. فقال هرم: لكني والله لوددت أني شجرة من هذه الشجر أكلتني هذه الراحلة ثم قذفتني بعرا ولم أكابد الحساب، يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى إما إلى الجنة وإما إلى النار. قال الحسن: وكان هرم أفقه الرجلين وأعلمهما بالله عز وجل.
حكمــــــة
عن مطر الوراق قال: بات هرم بن حيان العبدي عند حممة صاحب رسول الله. قال: فبات حممة ليلته يبكي كلها حتى أصبح. فلما أصبح قال له هرم: يا حممة ما أبكاك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور فيخرج من فيها. قال: وبات حممة عند هرم بن حيان فبات ليلته يبكي حتى أصبح فسأله حين أصبح: ما الذي أبكاك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تناثر نجوم السماء فأبكاني ذاك. قال: وكانا يصطحبان أحيانا بالنهار فيأتيان سوق الريحان فيسألان الله الجنة ويدعوان ثم يأتيان الحدادين فيعوذان من النار ثم يتفرقان إلى منازلهما.
حكمــــــة
عن حماد بن زيد قال: حدثنا ثابت أن صلة وأصحابه مر بهم فتى يجر ثوبه فهم أصحاب صلة أن يأخذوه بألسنتهم أخذا شديدا فقال صلة: دعوني أكفكم أمره. فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قال أن ترفع إزارك. قال: نعم ونعمى عين. فرفع إزاره. فقال صلة لأصحابه: هذا كان أمثل مما أردتم، لو شتمتموه لشتمكم.
حكمــــــة
عن أبي السليل: أن صلة بن أشيم حدثه قال: كنت أسير على دابة لي إذ جعت جوعا شديدا فلم أجد أحدا يبيعني طعاما وجعلت أتحرج أن أصيب من أحد من الطريق شيئا. فبينما أنا أسير حسبت أنه قال: أدعو ربي عز وجل وأستطعمه. إذ سمعت وجبة من خلفي فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض فنزلت عن دابتي فأخذت الثوب فإذا فيه دوخلة ملأى رطبا. قال: فأخذته وركبت دابتي فأكلت منه حتى شبعت وأدركني المساء فنزلت إلى راهب في دير له فحدثته الحديث. قال: فاستطعمني من الرطب فأطعمته رطبا: ثم إني مررت على ذلك الراهب فإذا نخلات حسان حمال فقال: إنهن لمن رطباتك التي أطعمتني. وجاء بالثوب إلى أهله فكانت امرأته تريه الناس.
حكمــــــة
عن رجل من بني عدي قال: لما أهديت معاذة إلى صلة أدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله بيتا مطيبا فقام يصلي فقامت فصلت. فلم يزالا يصليان حتى برق الفجر. قال: فأتيته فقلت: أي عم أهديت إليك ابنة عمك الليلة فقمت تصلي وتركتها؟ فقال: أدخلتني أمس بيتا أذكرتني به النار، ثم أدخلتني بيتا أذكرتني به الجنة، فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت.
حكمــــــة
دخل رجل على أبي رجاء العطاردي فقال: حدثني أبو رجاء قال: بعث النبي ونحن على ماء لنا وكان لنا صنم مدور. فحملناه على قتب وانتقلنا من ذلك الماء إلى غيره. فمررنا برملة. فانسل الحجر فوقع في الرمل فغاب فيه. فلما رجعنا فقذفنا الحجر فرجعنا في طلبه فإذا هو في رمل قد غاب فيه فاستخرجناه. كان ذلك أول إسلامي فقلت: إن آلها لم يمتنع من تراب يغيب فيه لإله سوء، وإن العنز لتمنع حياءها بذنبها. فرجعنا إلى المدينة وقد توفي رسول الله.
حكمــــــة
اغتم إياس بن قتادة وهو يريد بشر بن مروان، فنظر في المرآة فإذا بشيبة في ذقنه فقال: افليها يا جارية. ففلتها فإذا هي بشيبة أخرى. فقال: انظروا من بالباب من قومي فأدخلوه فأدخلوا عليه فقال: يا بني تميم إني قد كنت وهبت لكم شبيبتي فهبوا لي شيبتي، ألا أراني حمير الحاجات وهذا الموت يقرب مني. ثم قال: انقضى العمامة فاعتزل يؤذن لقومه ويعبد ربه ولم يغش سلطانا حتى مات.
حكمــــــة
مات عبد الله بن مطرف، فخرج مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد ادهن فغضبوا وقالوا: يموت عبد الله ثم تخرج في ثياب مثل هذه مدهنا؟ قال: فأستكين لها وقد وعدني ربي تبارك عليها ثلاث خصال كل خصلة منها أحب إلي من الدنيا كلها؟ قال الله عز وجل: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون سورة البقرة آية 156 فأستكين لها بعد هذا؟ قال ثابت: وقال مطرف: ما من شيء أعطي به في الآخرة قدر كوز من ماء إلا وددت أنه أخذ مني في الدنيا.
حكمــــــة
قال مطرف بن الشخير لبعض إخوانه: يا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني فيها ولكن اكتبها في رقعة ثم ادفعها إلي فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال. وقال الشاعر: لا تحسبن الموت موت البلى وإنما الموت سؤال الرجال كلاهما مـوت ولـكـن ذا أشد من ذاك لذل السـؤال كان مطرف يقول: كأن القلوب ليست منا وكأن الحديث يعنى به غيرنا.
حكمــــــة
قال صفوان بن محرز المازني. إذا أويت إلى أهلي وأصبت رغيفا أكلته فجزى الله الدنيا عن أهلها شرا. والله ما زاد على رغيف حتى فارق الدنيا، يظل صائما ويفطر على رغيف ويشرب عليه من الماء حتى يتروى ثم يقوم فيصلى حتى يصبح، فإذا صلى الفجر أخذ المصحف فوضعه في حجره يقرأ حتى يترجل النهار، ثم يقوم فيصلي حتى ينتصف النهار، فإذا انتصف النهار رمى بنفسه على الأرض فنام إلى الظهر فكانت تلك نومته حتى فارق الدنيا. فإذا صلى الظهر قام فصلى إلى العصر، فإذا صلى العصر وضع المصحف في حجره فلا يزال يقرأ حتى تصفر الشمس.
حكمــــــة
أخذ عبيد الله بن زياد ابن أخ لصفوان بن محرز فحبسه في السجن. فبات في مصلاه حزينا. قال: فهوم من الليل فإذا آت قد أتاه في منامه فقال: يا صفوان قم فاطلب حاجتك من جهتها. قال: فانتبه فزعا فقام فتوضأ ثم صلى ثم دعا. فأرق ابن زياد فقال: علي بابن أخي صفوان بن محرز. فجاء بالحرس وجيء بالنيران ففتحت تلك الأبواب الحديد في جوف الليل، فقال: ابن أخي صفوان أخرجوه فإني منعت من النوم منذ الليلة، فأخرج فأتي به ابن زياد فقال: انطلق بلا كفيل ولا شيء. فما شعر صفوان حتى ضرب عليه ابن أخيه بابه.
حكمــــــة
كان أبو الحلال العتكي اسمه زرارة بن ربيعة، من الأزد. فوق غرفة فيأتي بعض أبوابها فيشرف على شق من ناحية الحي فينادي: يا فلان يا فلان. ثم يقبل على الشق الآخر فينادي: يا فلان يا فلان. ثم يقبل على الشق الآخر فيقول مثله، حتى يأتي على كل الأركان الأربعة. قالت: ثم يقول: هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا سورة مريم آية 98 ثم يقبل على الصلاة.ومات يوم مات وهو ابن عشرين ومائة سنة. وكان يقول: اللهم لا تسلبني القرآن