فوائد من صيد الخاطر 2
حكمــــــة
سبحان المتصرف في خلقه بالاغتراب والإذلال ليبلو صبرهم، ويظهر جواهرهم في الابتلاء. هذا آدم صلى الله عليه وسلم تسجد له الملائكة ثم بعد قليل يخرج من الجنة. وهذا نوح عليه السلام يضرب حتى يغشى عليه ثم بعد قليل ينجو في السفينة ويهلك أعداؤه. وهذا الخليل عليه السلام يلقى في النار ثم بعد قليل يخرج إلى السلامة. وهذا الذبيح يضطجع مستسلماً ثم يسلم ويبقى المدح. وهذا يعقوب عليه السلام يذهب بصره بالفراق ثم يعود بالوصول. وهذا الكليم عليه السلام يشتغل بالرعي ثم يرقى إلى التكليم. وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقال له بالأمس اليتيم ويقلب في عجائب يلاقيها من الأعداء تارة ومن مكائد الفقر أخرى
حكمــــــة
من أراد دوام العافية والسلامة فليتق الله عز وجل. فإنه ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافيه التقوى وإن قل إلا وجد عقوبته عاجلة أو آجلة. ومن الاغترار أن تسيء فترى إحساناً فتظن أنك قد سومحت، وتنسى: " مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ". وربما قالت النفس: إنه يغفر فتسامحت ولا شك أنه يغفر ولكن لمن يشاء.
حكمــــــة
من نازعته نفسه إلى لذة محرمة فشغله نظره إليها عن تأمل عواقبها وعقابها، وسمع هتاف العقل يناديه: ويحك لا تفعل؟ فإنك تقف عن الصعود، وتأخذ في الهبوط ويقال لك ابق بما اخترت، فإن شغله هواه فلم يلتفت إلى ما قيل له، لم يزل في نزول. وكان مثله في سوء اختياره كالمثل المضروب: أن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع، غير اسمي فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم، قال: فجربني، فأعطاه شقة لحم وقال: احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغير اسمك. فجاع وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر. فلما غلبته نفسه قال: وأي شيء باسمي؟ وما كل إلا إسم حسن. فأكل، وهكذا الخسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل.
حكمــــــة
رأيت الخلق كلهم في صف محاربة، والشياطين يرمونهم بنبل الهوى، ويضربونهم بأسياف اللذة. فأما المخلطون فصرعى من أول وقت اللقاء. وأما المتقون ففي جهد جهيد من المجاهدة، فلا بد مع طول الوقوف في المحاربة من جراح، فهم يجرحون ويداوون إلا أنهم من القتل محفوظون، بلى ! إن الجراحة في الوجه شين باق، فليحذر ذلك المجاهدون.
حكمــــــة
ومن الاغترار طول الأمل، وما من آفة أعظم منه. فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً. وإنما يقدم المعاصي ويؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات، وتنسى الإنابة لطول الأمل. وإن لم تستطع قصر الأمل فاعمل عمل قصير الأمل. ولا تمس حتى تنظر فيما مضى من يومك، فإن رأيت زلة فامحها بتوبة، أو خرقاً فارقعه باستغفار.
حكمــــــة
إخواني: اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر. إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم. ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه، ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق. وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه وقوة مجاهدته. ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته - مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم - فعظم الله قدره في القلوب حتى علقته النفوس، ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير
حكمــــــة
أيها المذنب: إذا أحسست نفحات الجزاء فلا تكثرن الضجيج، ولا تقولن قد تبت وندمت، فهلا زال عني من الجزاء ما أكره ! فلعل توبتك ما تحققت. وإن للمجازاة زماناً يمتد امتداد المرض الطويل. فلا تنجع فيه الحيل حتى ينقضي أوانه. وإن بين زمان: وعصى إلى إبان: فتلقى مدة مديدة. فاصبر أيها الخاطيء حتى يتخلل ماء عينيك خلال ثوب القلب المتنجس. فإذا عصرته كف الأسى، ثم تكررت دفع الغسلات حكم بالطهارة.
حكمــــــة
الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه. فأمر بقصد نيته ورفع اليدين إليه والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكف عن الخطايا. والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة وكفتهم عن الانبساط.
حكمــــــة
تأملت حالة أزعجتني، وهو أن الرجل قد يفعل مع امرأته كل جميل وهي لا تحبه، وكذا يفعل مع صديقه والصديق يبغضه، وقد يتقرب إلى السلطان بكل ما يقدر عليه والسلطان لا يؤثره؛ فيبقى متحيراً يقول: ما حيلتي. فخفت أن تكون هذه حالتي مع الخالق سبحانه، أتقرب إليه وهو لا يريدني. وربما يكون قد كتبني شقياً في الأزل. ومن هذا خاف الحسن فقال: أخاف أن يكون اطلع على بعض ذنوبي فقال: لا غفرت لك