فوائد من مدارج السالكين 2
الخوف يثمر الورع والاستعانة وقصر الأمل . وقوة الإيمان باللقاء تثمر الزهد . والمعرفة تثمر المحبة والخوف والرجاء . والقناعة تثمر الرضاء . والذكر يثمر حياة القلب . والإيمان بالقدر يثمر التوكل .
التمني يكون مع الكسل ، ولا يسلك بصاحبه الجد والاجتهاد . والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل .
المراقبة وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين . قيل لبعضهم : متى يهش الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة فقال : إذا علم أن عليه رقيباً .
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً فاتهمه ، فإن الرب تعالى شكور ، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين ، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول
بعض الأقوال التي قيلت في الإخلاص: قيل : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة . وقيل : تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين . وقيل : الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن ، والرياء : أن يكون ظاهره خيراً من باطنه ، والصدق في الإخلاص : أن يكون باطنه أعمر من ظاهره
الذي يخلصه من رؤية عمله : مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه له وأنه بالله لا بنفسه وأنه آلة محضة وأن فعله كحركات الأشجار وهبوب الرياح وأن المحرك له غيره والفاعل فيه سواه وأنه ميت والميت لا يفعل شيئاً وأنه لو خلي ونفسه لم يكن من فعله الصالح شيء البتة
أولياء الله وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان ونصرة دينه وإعلاء كلمته ، وجهاد أعدائه ، وفي محابه وتنفيذ أوامره .
علم العبد بتفرد الحق تعالى وحده بملك الأشياء كلها وأنه ليس له مشارك في ذرة من ذرات الكون : من أقوى أسباب توكله وأعظم دواعيه
معنى الصبر بالله صبر الاستعانة بالله ، ورؤيته أنه هو المصّبر ، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه
معنى الصبر مع الله هو دوران العبد مع مراد الله الديني منه ، ومع أحكامه الدينية صابراً نفسه معها سائراً بسيرها مقيماً بإقامتها .
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول:كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها: أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر،وأما صبره عن المعصية:فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس
الرضى يفرغ قلب العبد ويقلل همه وغمه فيتفرغ لعبادة ربه بقلب خفيف من أثقال الدنيا وهمومها . وأن الرضى يخلص العبد من مخاصمة الرب تعالى في أحكامه وأقضيته فإن السخط عليه مخاصمة له فيما لم يرض به العبد .
سأل النبي الرضا بالقضاء كما في الحديث : ( ... وأسألك الرضا بعد القضاء ) سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : سأله الرضا بعد القضاء لأنه حينئذ تبين حقيقة الرضا وأما الرضا قبله : فإنما هو عزم على أنه يرضى إذا أصابه وإنما يتحقق الرضا بعده
الشكر مبني على خمس قواعد ، هي خضوع الشكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره
قال الفضيل : خمس من علامات الشقوة : القسوة في القلب ، وجمود العين ، وقلة الحياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول الأمل
الحياء له أنواع . منها حياء الجناية : ومنه حياء آدم عليه السلام لما فر هارباً في الجنة قال الله تعالى : أفراراً مني يا آدم قال : لا يا رب بل حياء منك . وحياء الكرم : كحياء النبي من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وطولوا الجلوس عنده فقام واستحيى أن يقول لهم : انصرفوا . وحياء الحشمة : كحياء علي بن أبي طالب أن يسأل رسول الله عن المذي لمكان ابنته منه
الصدق يكون في ثلاثة أشياء الصدق في الأقوال : استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها . والصدق في الأعمال : استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد . والصدق في الأحوال : استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة
اللسان يراد به في القرآن ثلاث معاني يراد به الثناء الحسن ، كقوله تعالى : ( وجعلنا لهم لسان صدق علياً ) والمراد هنا الثناء الحسن . ويراد به اللغة ، كقوله تعالى : ( واختلاف ألسنتكم وألوانكم ) . ويراد به الجارحة نفسها ، كقوله تعالى : ( لا تحرك به لسانك )
قد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته : أن يسخط عليه من آثر رضاه ويخذله من جهته ويجعل محنته على يديه فيعود حامده ذاماً ، هذا مع أن رضا الخلق : لا مقدور ولا مأمور ولا مأثور فهو مستحيل . فلا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره .
للعبد فيما يصيبه من أذى الخلق مشاهد . منها: مشهد الصبر فيشهده ويشهد وجوبه وحسن عاقبته وجزاء أهله وما يترتب عليه من الغبطة والسرور . مشهد العفو والصفح والحلم فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعزته : لم يعدل عنه إلا لعشي في بصيرته فإنه ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، هذا وفي الصفح والعفو والحلم : من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام : ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام
قال المسيح عليه السلام : (إن كنت قلته فقد علمته) ولم يقل : لم أقله وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب ، ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره فقال : (تعلم ما في نفسي) ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه فقال : (ولا أعلم ما في نفسك) ثم أثنى على ربه ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها فقال : (إنك أنت علام الغيوب)
قول نبى الله ابراهيم (الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) ولم يقل وإذا أمرضني حفظاً للأدب مع الله .
متى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نوراً وإشراقاً وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم فامتلأ محبة لله وخوفاً منه ورضيً به وشكراً له وتوكلاً عليه
الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين : قد مثلت المراتب الثلاثة بمن أخبرك : أن عنده عسلاً وأنت لا تشك في صدقه ، ثم أراك إياه فازددت يقيناً ، ثم ذقت منه ، فالأول : علم اليقين ، والثاني : عين اليقين ، والثالث : حق اليقين . فعلمنا الآن بالجنة والنار : علم يقين ، فإذا أزلفت الجنة في الموقف للمتقين وشاهدها الخلائق وبرزت الجحيم للغاوين وعاينها الخلائق فذلك: عين اليقين، فإذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: فذلك حينئذ حق اليقين .
إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورة عن دخول البيت فكيف تلج معرفة الله عز وجل ومحبته وحلاوة ذكره والأنس بقربه في قلب ممتلىء بكلاب الشهوات وصورها
الغفلة ترك باختيار الغافل و النسيان ترك بغير اختياره ولهذا قال تعالى : ولا تكن من الغافلين ولم يقل : ولا تكن من الناسيين فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف فلا ينهى عنه
قال الإمام أحمد رضي الله عنه : الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه .
قال أبو عثمان : علامة المحبه حب الموت مع الراحة والعافية ، كحال يوسف لما ألقيَ في الجُب لم يقل ( توفني ) ولما أُدخِل السجن لم يقل ( توفني ) ولما تمّ له الأمر والأمن والنعمة قال ( توفني مسلماً ) .
إذا أردت أن تعرف مراتب الهمم ، فانظر إلى همّة ربيعة بن كعب الأسلمي ، وقد قال له رسول الله : سلني ، فقال : أسألك مرافقتك للجنة ، وكان غيره يسأله ما يملأ بطنه ، أو يواري جلده
الرجل : هو الذي يخاف موت قلبه لا موت بدنه ، إذ أكثر هؤلاء الخلق يخافون موت أبدانهم ، ولا يبالون بموت قلوبهم ، ولا يعرفون من الحياة إلا الحياة الطبيعية .
علامات العارف: أنه لا يطالب ولا يخاصم ولا يعاتب ولا يرى له على أحد فضلاً ، ولا يرى له على أحد حقاً . ومن علاماته : أنه لا يأسف على فائت ، ولا يفرح بفائت ، لأنه ينظر إلى الأشياء بعين الفناء والزوال ، لأنها في الحقيقة كالظلال والخيال
قال يحيى بن معاذ : يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين : بكاء على نفسه ، وثناء على ربه ، وهذا من أحسن الكلام ، فإنه يدل على معرفته بنفسه وعيوبه وآفاته ، وعلى معرفته بربه وكماله وجلاله ، فهو شديد الإزراء على نفسه ، لهج بالثناء على ربه
مجالسة العارف تدعوك من ست إلى ست : من الشك إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الغفلة إلى الذكر ، ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة إلى الآخرة في الآخرة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن سوء الطوية إلى النصيحة
إن العبد يقوى إخلاصه لله ، وصدقه ومعاملته ، حتى لا يحب أن يطلع أحد من الخلق على حاله مع الله ومقامه معه ، فهو يخفي أحواله غيرة عليها من أن تشوبها شائبة الأغيار ، ويخفي أنفاسه خوفاً عليها من المداخلة ، وكان بعضهم إذا غليه البكاء ، وعجز عن دفعه قال : لا إله إلا الله ما أمر الزكام