فوائد من طريق الهجرتين
حكمــــــة
الغنى قسمان: غنى سافل، وغنى عال. فالغنى السافل الغنى بالعواري المستردة من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، وهذا أضعف الغنى، فإنه غنى بظل زائل، وعارية ترجع عن قريب إلى أربابها، فإذا الفقر بأجمعه بعد ذهابها، وكأن الغنى بها كان حلماً فانقضى، ولا أحب إلى الشيطان وأبعد عن الرحمن من قلب ملآن بحب هذا الغنى والخوف من فقده
حكمــــــة
هو في وادٍ والناس في واد. خاضع متواضع سليم القلب. سلس الانقياد للحق. سريع القلب إلى ذكر الله. بريء من الدعاوى، لا يدعي بلسانه ولا بقلبه ولا بحاله. زاهد في كل شيء سوى الله. راغب في كل ما يقرب إلى الله. لا يفرح بموجود، ولا يأسف على مفقود. من جالسه قرت عينه به. ومن رآه ذكرته رؤيته بالله سبحانه. وصفه الصدق والعفة والإيثار والتواضع والحلم والوقار والاحتمال. لا يتوقع لما يبذله للناس منهم عوضاً ولا مدحة. لا يعاتب ولا يخاصم ولا يطالب ولا يرى له على أحد حقاً ولا يرى له على أحد فضلاً. مقبل على شأنه، مكرم لإخوانه، بخيل بزمانه، حافظ للسانه.
حكمــــــة
كمال العبد وصلاحه يتخلف عنه من إحدى جهتين: إما أن تكون طبيعته يابسة قاسية غير لينة ولا منقادة ولا قابلة لما به كمالها وفلاحها. وإما أن تكون لينة منقادة سلسلة القياد، لكنها غير ثابتة على ذلك، بل سريعة الانتقال عنه كثيرة التقلب. فمتى رزق العبد انقياداً للحق وثباتاً عليه فليبشر، فقد بشر بكل خير.
حكمــــــة
إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن: فإن ردّه ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه، وجمعه عليه وطرحه ببابه، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به، والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت. وإن لم يردّه ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به.
حكمــــــة
من الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم. ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر، قد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله. ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة. ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي، كقضاء الحاجات وتفريج الكربات. ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن وهي الغالب على أوقاته. ومن الناس من يكون طريقه الصوم، فهو متى أفطر تغير عليه قلبه. ومن الناس من طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد فتح الله له فيه ونفذ فيه منه إلى ربه. ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار.
حكمــــــة
المحبة المشتركة ثلاثة أنواع: أحدها: محبة طبيعية مشتركة، كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء وغير ذلك، وهذه لا تستلزم التعظيم. والنوع الثاني: محبة رحمة وإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل ونحوها، وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم. والنوع الثالث: محبة أنس وإلف، وهي محبة مشتركة – في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر – بعضهم بعضاً، وكمحبة الإخوة بعضهم بعضاً. فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله.
حكمــــــة
سمى ذلك الإنفاق قرضاً حسناً، حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل، لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوّعت له نفسه بذله، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض مليّ وفيّ محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض، وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاء كريم فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه. ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها.